تعودت على أن أُشتم من الغير بقسوة وقوة على مدار 40 عاماً، وتعودت أيضاً ألا أرد.
وتعلمت أن الرد يكون حول حقائق، موضوعات، آراء، وليس حول أكاذيب أو ادعاءات أو قذف وسباب.
وتعلمت أن الاشتباك بالحوار وليس بالبندقية أو الشتائم.
من حقك -تماماً- أن تخالفنى الرأى، ومن واجبك -تماماً- أن تصحح لى أخطائى، ومن واجبى أن أعترف بالخطأ وأصوب خطئى، وأعتذر دون تردد إذا ثبت لى أننى أخطأت.
الشىء الجديد الآن، فى عالم السب والقذف والشتائم، هو دخول «علم الاختراعات» فى هذا المجال.
أى إنسان، كائناً من كان، باسم حقيقى أو همى، يخترع لك كذبة ملفقة من الألف إلى الياء، من الممكن أن تشوه صورتك أمام الناس والعائلة والزملاء، ولا توجد لديك أى وسيلة للتصحيح أو التصويب أو محاسبته على أكاذيبه.
وبدلاً من أن يرد عليك إنسان بطريقة صحية وموضوعية وأخلاقية، بمعنى أن الفكرة يرد عليها بفكرة مضادة، والمعلومة يتم تصحيحها بمعلومة أكثر دقة، والرقم والإحصاء الذى أكتبه أنا يمكن لغيرى أن يدفع برقم آخر مدقق أصح منه، وهكذا يزدهر الحوار، ويتم إثراء القارئ أو المشاهد.
وعلمتنى تجربتى المحدودة فى الحياة أن أسوأ داء يمكن أن يواجه التفكير هو أن تعيش أسيراً لحزب أو فكرة أو مذهب، أو تكون مواقفك كلها مبنية على انحياز مسبق طائفى، دينى، عنصرى، مناطقى، قبلى، طبقى، بصرف النظر عن الحقيقة.
حينما يصبح أسيراً لأىٍّ من هذه الانحيازات يصبح الشخص أهم من الموضوع، والفاعل أهم من الفعل، والعاطفة المسبقة أهم من الواقع المعيش.
هنا تفقد البوصلة الحكم على الأشياء.
وأشعر بشفقة شديدة على الذين يبذلون جهداً مضنياً فى السعى لتشويه صورة الشرفاء وتشويه الفضليات بأسوأ الصفات فى كرامتهن أو سمعتهن أو شرفهن.
وقد نالنى ما يعرف بالمجموعة الذهبية من الادعاءات، بعضها مذهل وغريب وعجيب يجعلك تستلقى على قفاك من فرط الضحك مثل:
- أنا لبنانى الجنسية وأمى تركية.
- أخى عمرو ليس شقيقى، ولا من الأب ولا من الأم.
- دخلت مجال الإعلام بالصدفة، وليس عن مهنية أو دراسة.
- يوم 15 مايو من العام الماضى كنت أول من يحضر حفل مرور 70 سنة على قيام دولة إسرائيل بالسفارة فى القاهرة! (لاحظ يومها والله والله والله كنت على الهواء مباشرة 7 ساعات متصلة فى تليفزيون «المستقبل» ببيروت، أتحدث عن تحليل لسير الانتخابات اللبنانية).. (سبحانك يا رب).
وكما يقول أهل مصر ذوو خفة الظل اللانهائية، آخر واحدة مضحكة ومبكية هى ما ظهر منذ عدة أيام مع صورة (الصراحة جميلة) مكتوب تحتها أننى قلت: «إن الرقص أمام لجان الانتخابات الخاصة بالدستور، مثل رقص المسلمين عند استقبال الرسول فى المدينة، عليه أفضل الصلاة والسلام».
بصراحة دى جامدة! لكنها للأسف شديدة الغباء.
قد أكون مصاباً بكل عيوب الدنيا الموصوفة فى كتب الطب النفسى وما خفى منها ولم يظهر حتى الآن.
قد أكون مسئولاً عن كل خطايا البشر من حرب «الغساسنة والمناذرة» قبل بدء التاريخ، حتى إننى السبب الوحيد والأول فى ثقب الأوزون، لكننى بالتأكيد لست غبياً إلى هذا الحد كى أكتب أو ألمح من قريب أو بعيد بهذه الكلمات الساذجة.
مهما كنت مؤيداً للرئيس، فلست منافقاً، ومهما كنت منافقاً، فلست غبياً، ومهما كنت غبياً فلست انتحارياً أغامر باسمى وسمعتى وشرفى الإنسانى والمهنى.
وحتى إذا غامرت وفعلت، فلا يمكن أن يكون الثمن أن أُغضب الله، أو أتعدى على سيد الخلق، عليه أفضل الصلاة والسلام.
نعم، أنا أؤيد ترشيح الرئيس عبدالفتاح السيسى، ونعم أنا مع التعديلات الدستورية، لأن فى ذلك مصلحة لبلدى أولاً، ولأننى أؤمن أنه قادر على تحقيق الإصلاح المنشود.
أقولها بلا خوف، لكننى لا يمكن أن أتدنى إلى مستوى تلك العبارات المدسوسة.
كنت أفضل أن يرد على أحد برأى موضوعى مضاد، حتى لو خالفنى تماماً، لكن للأسف اختارت الكتائب الإلكترونية المأجورة أو النفوس المريضة الضعيفة أن تفترى على الحقيقة كذباً، دون أن تخشى يوماً سوف يقف فيه الناس جميعهم أمام الحسيب الرقيب، العدل المطلق المطلع على ما فى القلوب والعقول، فهو ما كان وما سيكون، وهو سبحانه الذى يعرف ما كان كيف سيكون قبل أن يكون.
هؤلاء الذين يتشدقون بعبارات وشعارات دينية، عليهم أن يراجعوا أبسط مبادئ الإنسانية والأخلاق والأديان جميعها، وما جاء على ألسنة كل الأنبياء والرسل، وآخرها ما قاله سيد الخلق، عليه أفضل الصلاة والسلام، عن أبى هريرة، رضى الله عنه، عن النبى، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت» (متفق عليه).
وكان الأوائل يقولون: ألا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
وخير الكلام فى شئون السفهاء، هو ما قاله الإمام السمح «الشافعى»:
يخاطبنى السفيه بكل قبح.. فأكره أن أكون له مجيباً
يزيد سفاهة وأزيد حلماً.. كعود زاده الإحراق طيباً
وختاماً لكل من شتمنى أو يعد العدة لذلك: «جزاك الله خيراً، وعفا عنك مما أنت فيه».
نقلا عن الوطن