سحر الجعارة
هل نحن بعيدون تماما عن سلسلة الهجمات المنسقة على الكنائس والفنادق فى «سريلانكا»، والتى شهدت 8 انفجارات متتالية، وأسفرت عن مقتل 200 على الأقل خلال احتفالات أسبوع الآلام وعيد الفصح؟!.. هل نحن أبرياء لم تتلوث أيادينا بالدماء، بل توضأنا وصلينا «صلاة الجنازة» جماعة على أرواح الشهداء؟
الحقيقة لا.. فرغم أننا اكتوينا بنار الإرهاب إلا أننا نحتكر حراسة «التراث» الذى يصنعه، ونرفعه إلى مرتبة القداسة، ونرهب من يقترب منه بدعاوى الحسبة وقانون ازدراء الأديان.. نحن نمتلك براءة اختراع كل فتاوى القتل والترويع واستهداف الأقباط، ونوفر للقتلة والإرهابيين «الإطار النظرى»، بل ونصدر التنظيمات الإرهابية التى أعلنت شماتتها الوقحة فى ضحايا سريلانكا، وعلى رأسها جماعة «الإخوان» الإرهابية!
نحن مسؤولون بحكم احتكارنا «الوصاية الدينية» على المسلمين من الشرق إلى الغرب، مسؤولون عن آراء علمائنا وفقهائنا التى تزعم أن المسيحى «ذمى ويجب فرض الجزية عليه».. والكنائس ليست «بيوتاً لله»!.
الإرهاب له منظومة فكرية تغذيه بنصوص واضحة، نصوص دموية تسرى مهما تعارضت مع القرآن والسنة، وهى النصوص التراثية التى تبرر كل أعمال القتل واستباحة الأعراض والممتلكات والأرواح!.
نحن من ندرس للشباب نصوصا تحلل: (أكل الميت إن كان مسيحياً أو يهودياً أو كافراً).. ونحلل لهم ملك اليمين وسبى النساء الذى نشر «أسواق النخاسة» على يد «داعش»، أغنى تنظيم إرهابى فى العالم، دون أن يكفرها علماؤنا الأجلاء حتى أصبحت مألوفة!.
نحن من علمناهم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ).. ولم نقل لهم إن الرسول نفسه قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة).. لأن الدين عندنا انتقائى، نختار منه ما يناسب أفكار «حزب الكراهية» ونفى الآخر، والاستعلاء بالإسلام على باقى الأديان الإبراهيمية رغم أنه من شروط إيماننا!.
نحن من غسلنا أدمغة الشباب وغررنا بهم بقاعدة: (لا تناقش.. لا تجادل).. حتى لو كان المتحدث أميرا لجماعة إرهابية أو إماما لزاوية لم يتفقه فى الدين أو عالما يحمل شهادة الدكتوراة لكنه لا يحترف إلا تكفير الأقباط.
نحن من تركنا أولادنا «صغارا وكبارا» يتعلمون تصنيع القنابل البدائية من الإنترنت، ويتم تجنيدهم من على الإنترنت، بعدما خرجوا من بلداننا العربية خلف «بن لادن»، زعيم تنظيم «القاعدة»، لمحاربة الروس الكفرة «فى أفغانستان» لحساب أمريكا، ثم أرسلهم مرشد الإخوان «محمد بديع» للجهاد فى سوريا لإسقاط نظام «بشار الأسد».. حتى عادت إلينا «الذئاب المنفردة من الدواعش»، بعدما تفرقت جماعات «العائدون من أفغانستان» فى كل بلاد العالم تنفذ ما أتقنته من فنون القتل والإرهاب واستحلال الأرواح وإسقاط الأوطان والإتجار فى ثرواتها، (من النفط.. إلى رموز الحضارة الليبية والسورية التى تباع علنا فى مزادات إيطاليا)!.
نعم، نحن نصنع الإرهاب بغباء أو جهل.. أو عن وعى شديد يقف خلفه كتائب من رجال الدين المسيسين الذين يسعون لما يسمى تطبيق «الشريعة الإسلامية» أو تحقيق دولة الخلافة الإسلامية التى تمولها «قطر وتركيا».. فانتشر الإرهاب بالفكر والسيف معا ليصل إلى أقصى بلاد الأرض.. فدولة الخلافة لا تعترف بالحدود الإقليمية للدول إنها تنتشر وتتوغل مثل ديناصورات جائعة لالتهام كل ما يقابلها حتى لو كان حجارة فى هيئة «ضريح» يعد مزارا للشيعة أو الصوفيين!.
نحن من أجرينا أسوأ عملية جراحية للجهاد، فلم يعد فى سبيل الله بل أصبح لحساب من يدفع.. على جثث البشر وأشلاء الأوطان.. وفى هذا الإطار الحركى والتنظيمى نفذت «جماعة التوحيد الوطنية» المتشددة هجماتها الإرهابية فى سريلانكا.. بينما اكتفينا بالشماتة أو الإدانة!!.
نقلا عن المصرى اليوم