فاطمة ناعوت
أوجّه كلامى لرجالات الأزهر الشريف الذين من أولى مهامهم حفظُ الدين والدعوة إليه عن تنقية صورته من كل ما يشوبه من دنس وتشويه.
فور وقوع كارثة سريلانكا وتفجير كنائسها وقتل المسيحيين المصليّن نهار عيد الفصح يوم أمس الأحد، دخل أحدهم على صفحتى كأنه يبحث عن تبرير لتلك المذبحة الحرام، وكتب ما يلى: «التطرف ليس فقط فى الإرهابيين. فأنتى متطرفة أيضا فكريا. أنتم على طرفى نقيض. فعلا الإرهاب لا دين له».
وبعيدًا عن أخطاء الإملاء التى وقع فيها السيد «محمد سند»، ولا يقع فيها مُلتحٍ يزعم «التدين» ويقرأ القرآن الكريم الذى من بين ما يُعلّمنا: البيانَ والبلاغة والفصاحة وحُسنَ الصوغ واستحالة الوقوع فى أخطاء الإملاء، فقد أكّدتُ على كلامه قائلة: «بالفعل. أنا متطرفةٌ فى بُغض الشرِّ والقتل والتمييز والظلم والجهل والدناءة. متطرفةٌ فى محاربة أعداء الحياة وخصوم السلام وقتلة التسامح. متطرفة فى عدم الصمت على كل ما يفعله الدواعشُ من ترويع الآمنين وقتل الأبرياء بذقونهم المُغبَّرة بالبُغض والتنمّر والإقصاء والتمييز والغلّ، على عكس ما أمرنا الُله فى جميع العقائد، بأن نتعارفَ ونتحابَّ ونتعاون على البرّ والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان، وأن أكرمنا عند الله أتقانا. بالفعل أنا متطرفةٌ فى مواجهة كل تخلّف عقلى يفرزه الإرهابيون من ثقوبهم السوداء. «فردّ على بأعجب ردٍّ يمكن تصوّره فى موقف كهذا وبعد جريمة شنعاء كالتى وقعت فى سريلانكا. كتب يقول: «أنتى حاقدة على كل إنسان مسلم متمسك بدينه». وهالنى ما قال لأنه لم يدرك أنه بهذا يُدين الإسلام ذاته. فرددتُ عليه بقولى: «هل تدرى ما تقول؟! كلامُك هذا إقرارٌ صريح منك بأن الإسلام يدعونا لتفجير الكنائس وقتل المسيحيين! فهل تدرك خطورة ما تهذى به من غُثاء؟! ألا ترى أنك بهذا الهذى تزدرى الإسلامَ وتتهمه بالإرهاب؟! هل تُقرُّ بتعليقك غير المسؤول هذا بأن (التمسّك بالدين) يعنى تفجير الكنائس؟ الآن، وعلى الملأ، أرفعُ عليك دعوى إهانة معتقدى الإسلام ورميه بالقتل وهدر الدماء. أرأيت كمَّ ضحالة عقلك ومحدودية ثقافتك؟! من الأفضل أن تصمتَ لأنك تهذى وتفضح سريرتك التى تحملُ تصوّرًا وضيعًا عن الإسلام، وتُدينُ نفسك». ثم جاء من بين المُعلّقين مسلمٌ عاقل اسمه «محمد أبوعيشة»، كتب يقول: «شوهوا الإسلام. يارب انتقم من كل من حرّضهم وزرع فى عقولهم هذه الأفكار البعيدة عن الإسلام. يجب أن يتكتل جميع المستنيرين للحثّ على مواجهة هؤلاء الجهلة. نرجو من حضرتك الاستمرار دون يأس فنحن نستلهم من كتاباتك الرد المقنع لمدعى العلم هؤلاء. فمعرفتهم بعلوم الدين الصحيحة للأسف سطحية للغاية». فأمّنتُ على كلامه قائلة: «هذا ما نقوله منذ مليون دهر ودهر. أولئك هم مشوهو الإسلام وأعداؤه».
والآن، أوجّه كلامى لرجالات الأزهر الشريف الذين من أولى مهامهم حفظُ الدين والدعوة إليه عن تنقية صورته من كل ما يشوبه من دنس وتشويه. لا يكفى أن يخرج شيخُ الأزهر ليشجب ما حدث فى سريلانكا ضد فقراء المسيحيين هناك، أو ضد ما يحدث لأقباط مصر فى أعيادهم. لا يكفى أن يظهر رجالُ الدين الأجلاء من شيوخ المسلمين على الفضائيات وفى التصريحات الصحفية يدينون الإرهابيين، ثم ينامون ليلهم قريرى العين وقد أدّوا دورهم وأراحوا ضمائرهم ونفضوا أياديهم من دم الضحايا الشهداء. فالإدانةُ والشجبُ دورنا نحن المسلمين والكتّاب التنويريين، لأننا فقط «مسلمون» ولسنا «صُنّاع قرار» ولا نملك من أمرنا شيئًا، اللهم إلا قولة الحقّ التى سنُساءل عنها يوم القيامة بين يدى الله، فنقول له: «اشهدْ يا ربُّ أننى حاربتُ الإرهاب وواجهت تشويه اسمك بقلمى ولسانى وقلبى وكل هذا أضعفُ الإيمان، لكنه كلُّ ما نملك!». لكن شيخ الأزهر ورجالات الإسلام من المتنفذين صًناع القرار لا يملكون هذا، بل يملكون ما هو أقوى من هذا. ولهذا سوف تكون مُساءلتُهم أمام الله أعظمُ وأخطرُ وأعسر. هم يملكون تصحيحَ مناهج التعليم الأزهرى، ونبذ كل الأحاديث الدخيلة التى تحثّ على العنف والإقصاء والترويع. هم يملكون أن يوقفوا مشوهى الدين عند حدّهم بأن يمنعوهم من الحديث باسم الإسلام فى كل مكان فى هذا العالم. هم يملكون أن يعيدوا للإسلام صورته المسالمة الدافئة التى تحضُّ على السلام والتراحم والحُنوّ، على غير المسلم قبلما تكون على المسلم. هم يملكون أن يضخّوا فى عقول البشر أن الدين فى القلب وفقط، بينما حقوق المواطَنة الكاملة للجميع دون أدنى تمييز، مثلما ينصُّ دستورُنا وجميعُ دساتير العالم المتحضر. هم يملكون أن يرفعوا رؤوسنا المُنكّسة بالخجل نحن المسلمين حين ينظر إلينا العالمُ بوصفنا إرهابيين أو مشاريع إرهابيين حين تسنح الفرصُ، بكل أسف. أفيقوا وأنقذوا العالم. «الدينُ لله، والأوطانُ لَمن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم