سحر الجعارة
يبدو أن بعض من يطنطن بالديمقراطية لا يؤمن بأساليب تطبيقها، ويتصور أن «المقاطعة» موقف يعبّر عن رفضه لأى إصلاح أو تغيير يحدث فى الوطن.. رغم أن أول أبجديات الديمقراطية هى «المشاركة»!
هذه ليست دعوة للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية، بل إنها دعوة كاشفة لكتلة تصويتية «لا نعرف حجمها الحقيقى»، لكنها تعبّر عن نفسها بالغياب، أو بالندب والشتائم والكوميكس، ولعن الانتخابات والاستفتاء على دستور البلاد.. مكتفية بنضال «الكيبورد» والتغريد على «تويتر» بأقبح العبارات وأكثرها بذاءة، وكأنها تطبق مقولة أن: «السياسة هى فن السفالة الأنيقة».. لكنهم يفعلونها بدون أى أناقة أو لياقة!
بل على العكس يتصور بعضهم أنه كلما ازداد قبحاً، ازداد عالمه جمالاً، وأن وجوده فى «العالم الافتراضى» أكثر تأثيراً فى الرأى العام العالمى من وجوده الفاعل فى الحياة السياسية، والمشاركة فى رسم خريطة المستقبل ولو بـ«الرفض».. أنا لا أدافع عن جوهر التعديلات الدستورية ولا أناقش حتمية حدوثها، رغم أنها من وجهة نظرى ضرورة ملحة فرضتها ظروف المرحلة الراهنة، فقط أناقش أداء من يسمون أنفسهم بـ«المعارضة»! هل يتصور كل من نصب نفسه «زعيماً» على مواقع التواصل الاجتماعى، وتأسَّى بقدوته «تويتر مان - البرادعى»، أن الأحزاب السياسية (القديمة أو الحديثة - الليبرالية أو الاشتراكية) قد ذهبت إلى صناديق الاستفتاء لتصوّت بنعم؟
أنا شخصياً لا أتصور ذلك، ليس من باب الاختلاف حول القيادة السياسية، ولا أسلوبها فى إدارة شئون البلاد، ولكن لدى كل حزب بالضرورة «تصور ما» أو «تحفظ» على مادة من مواد التعديلات الدستورية.. كما أن وجود هذه الأحزاب يفترض أنه قائم بالأساس على «تداول السلطة» وليس على «التوقيع على بياض». وبالتالى فالمفترض أن تحشد تلك الأحزاب جماهيرها لتأييد رؤيتها السياسية، ولكن بكل أسف معظم هذه الأحزاب بلا قاعدة جماهيرية، مع ملاحظة أن لدينا حوالى 11 حزباً دينياً بعضها يرى أن «الإسلام هو الحل» ويرتدى قناع «التقية السياسية»، لكنه فى قرارة نفسه ينتظر فرصة لتطبيق ما يسمونه «الشريعة الإسلامية»، لذبح الناس على الطريقة الشرعية وتطبيق الحدود التى تتجه العاصمة الوهابية لإلغائها.
إذاً نحن لسنا «نغمة سياسية متناغمة»، فبيننا نغمات نشاز، كامنة بين ضلوعنا، فالتيار السلفى يهيمن على معظم القرى والنجوع البعيدة.. فهل هذا المشهد يفرض على من يحسب نفسه معارضاً سياسياً أن يكتفى بالعزف على أزرار الكيبورد ليعبّر عن وجوده؟!
يكفى هؤلاء جميعاً أن الاستفتاء يتم تحت إشراف قضائى كامل، وتحت إشراف منظمات حقوقية محلية وإقليمية ودولية أيضاً، يكفيهم أن من يقف ليسجل فى خانة «نعم أو لا» لن يكون بينه وبين ورقة الاستفتاء إلا ضميره.
الاستفتاء على الدستور هو حق وليس واجباً.. ومن يفرط فى حقه لا يلوم إلا نفسه.. لو تذكّر أحد هؤلاء ليلة ثورة 30 يونيو حين كان محاصراً بميليشيات الإخوان، ينتظر لحظة موته فى سكناته وحركاته.. لو تذكّر كيف كان ينادى بقلبه وصوته أن تتدخل القوات المسلحة لتنشله من قاع البئر السحيق، وتنجده من «الفاشية الدينية».. لربما تحرك!
لو نظر هؤلاء لطوابير اللاجئين الفارين من أوطان تهدّمت فوق رؤوسهم لعلموا أن الوقوف فى طوابير الاستفتاء أشرف وأكرم من الوقوف فى طوابير اللاجئين.. أو ركوب طائرات الهاربين ليقدموا أنفسهم «عملاء ومرتزقة» فى بلاد «قطر وتركيا».. وأحسب أن بعضهم لا يناضل «على تويتر» إلا ليرفع سعره فى مزاد أعداء الوطن من الإخوان إلى تحالف «قطر- تركيا»!. لسنا أمام معارضة جادة، بل نحن أمام تمثيلية سخيفة ومملة، أمام جموع «كومبارس» تُفسد المشهد طمعاً فى دور «البطولة الزائفة» لتناضل من الخارج بـ«الدولار»!
نقلا عن الوطن