الحريق الذى شب فى كاتدرائية نوتردام الفرنسية الشهيرة، منذ أيام قليلة، كان مفزعا كأنه أحد مشاهد نهايات العالم فى الأفلام السينمائية، فسقوط رمز شىء صعب على النفس، مما جعلنى أفكر فى المدن الأثرية التى اختفت فى عالمنا العربى مثل «النمرود» فى العراق و«تدمر» فى سوريا.
بالطبع حزنت من أجل حريق نوتردام لقيمتها التاريخية أولا، وثانيا لما تمثله لفرنسا وزائريها من دور، وثالثا، وذلك هو الأصعب، أنا حزنت لأن العالم الجميل الذى نعرفه ونراه على الشاشات يختفى بالفعل، بما يعنى أن علاقتنا بالأرض تنقطع وتصبح بلا جذور.
نعم الآثار والمبانى التراثية المحيطة بنا ليست مجرد شىء تركه الجدود، وأننا مطالبون بحمايته لأننا مسؤولون عنه، بل على العكس تماما، ولو شئنا الدقة فهو المسؤول عنا، إنه صمام الأمان فى الحياة، وسأضرب مثلا بحالنا فى مصر فإن شعورنا كمصريين بأن تاريخنا يمتد للماضى السحيق يأتى معتمدا على تاريخية المعابد والآثار المصرية القديمة المنتشرة بين الربوع المصرية من جنوبها لشمالها.
ومن هنا حزنت من أجل نوتردام، كما أحزن من أجل كل المبانى التاريخية فى كل العالم، لأن متابعة يسيرة للمبانى الحديثة فى العالم كله تجعلنا متأكدين من «تراجع الجمال» والسقوط فى «المنفعة»، حيث تقل النقوش والجماليات والنتوءات، وتعتمد التصميمات الجديدة على الاستفادة من كل الفراغات الموجودة، أقول إن ذلك يحدث حتى فى أماكن العبادة، فى المساجد والكنائس، لن تجد جمالا حقيقيا، لن تجد فنانا تشكيليا كبيرا ذهب لكتابة أسماء الله الحسنى أو رسم أيقونة من الكتاب المقدس، وبالتالى زاد العنف وطغى.
حتى المتاحف الحديثة، ليست سوى ألوان باهتة ومبانٍ صماء، بالطبع مقسمة بشكل جيد، لكن المبنى نفسه، طغى عليه الزجاج والأجهزة الحديثة وسيناريوهات العرض العلمية، التى تسعى للحفاظ على القطع الموجودة على حساب الجمال العام.
بالطبع وسط هذا الحزن لفت انتباهى تصرف عظيم من المجتمع المدنى تجاه الكاتدرائية، ففى أقل من 24 ساعة من اندلاع الحريق وصلت التبرعات من رجال الأعمال والشركات لنحو 700 مليون دولار، وأنا لا أعرف هل هذا الرقم كافٍ لإعادة البناء أم لا، لكنه شعور طيب من المتبرعين، يدل على أن العالم لايزال بخير، وأن مجتمعه المدنى يمكنه أن يخطو به للأمام مرة أخرى.
نقلا عن اليوم السابع