يتصادف أن يكون اليوم هو عيد دخول السيد المسيح إلى أورشليم، المناسبة التى يعيدها المصريون المسيحيون ويعرفها المصريون المسلمون جيدا، إنه واحد من الأعياد الدينية المسيحية التى صبغتها الحضارة المصرية بكثير من الحميمية والدفء.
ولعل أحد أسباب حسن استقبال المصريين هذا العيد هو ارتباطه بـ«السعف»، والسعف كان يستخدم كوسيلة للترحيب حتى فى الدولة المصرية القديمة بالملوك كما وصف جيمس هنرى برستد فى كتابه العظيم «فجر الضمير» والذى قدم لنا دلالات منطقية على ثوابتنا الغالية بعظمة هذا الوطن وامتداد جذور عاداته وربطها بالأرض والنيل والخير فى كل النواحى.
لكن القصة هنا مختلفة إذ تقول إن المسيح دخل أورشليم القديمة فاستقبله أهلها بفرش سعف النخيل على الأرض وصيحات هتاف الترحيب لأنهم كانوا يعتقدون أنه سيكون ملكًا عليهم يحقق لهم انتصاراتهم العسكرية والدينية فى ذلك الوقت. القصة التاريخية من استقبال يهود أورشليم للسيد المسيح بالسعف والترحاب لم تقف هنا.. لكنها انتهت نهاية صعبة وقاسية، فنفس الجموع التى رحبت به عادت وهتفت مجددا.. ضده.
وثمة دروس لنا جميعا من هذا المشهد.. كيف أن جموع الناس التى تهتف لك وأنت فى قوتك وعظمتك لن تبقى معك للنهاية.. وكيف أن هؤلاء المستعدين دائما للهتاف والرقص وإطلاق أجمل شعارات الترحيب.. هم أقل الناس صدقا وهم أقلهم ولاء وانتماء وقت ما تحتاج إليهم حقا، وأن من يهتف فى الطرقات اليوم لا دور له فى البناء، فللبناء رجال ليس من ضمن مقوماتهم إجادة الهتاف!، إنه درس السعف الذى يعلمنا الكثير.. فى كل مواقعنا المدير والمسؤول والفنان وأى شخصية يؤهلها موقعها لأن تستقبل أحيانا الهتاف والمديح فى الشارع وحتى على مواقع التواصل الاجتماعى.. احذر من المبالغين فى الهتاف!!.. هؤلاء الهاتفون الراقصون هم أقسى أنواع البشر!!.
ثمة درس أيضا لكل محب صادق وكل مخلص كفء، لا يجب عليك أن تختفى وأن تنزوى وأن تتوقع أن يستنتج الناس ما تريد أن تقول. إن مشاركة المخلصين والفاهمين فى المشهد هى مفتاح نجاحه وهى ضمان استمراره.. إن كنت تعتقد خيرًا فى نفسك فمن المهم أن تتوقف عن عادة الاختفاء والاكتفاء بالصمت المعيب.. الذى يجعل اختيارات الناس محدودة فالناس نوعان: قادة وهم لا يمثلون سوى أقل من 10% من البشر، والآخرون يتبعون النموذج ويؤمنون به ويتشبهون.. فأى نموذج تقدم يا من تظن فى نفسك أفضل!.
فكر فى شىء يتبعه الناس ويحبونه، كن أى شىء صادق تريد، قدم ما تريد!. لكن.. لا ترقص.. لا ترقص حتى وإن أحببت، لا تهتف حتى وإن آمنت.. فلطالما كانت أكثر الأمور ثباتًا وصدقًا أقلها ضجيجًا وصخبًا.
نقلا عن المصري اليوم