د.ماجد عزت إسرائيل
هنا يذكر إنجيل متى قائلاً:" وَأَمَّا الَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ، فَسَاقُوهُ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ الْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ".كما سبقت الإشارة كان قيافا رئيس أو عظيم الكهنة الحالى،أما حنان فهو رئيس الكهنة السابق وكان كلاهما في في دار تعرف "دار رئيس الكهنة" وهي تقع في حارة السعدية على مقربة من باب النبي داود (باب الخليل) الذى كان يسمى أيضًا باب يافا نظرا لأنه كان نقطة البداية في الطريق إلى يافا، وبالتحديد في جنوب سور مدينة القدس االقديمة، وحاليًا من ضمن ممتلكات الفرنسيسكان، وقد شيدت كنيسة الجلد أو حبس المسيح في ذات موضع دار قيافا كبير الكهنة حيث اقتيد المسيح لسؤاله أولاً قبل تقديمه للمجمع اليهودي للمحاكمة، وقد شيدت هذه الكنيسة على أطلال كنيسة أخرى قديمة كانت تعرف باسم كنيسة "القديس بطرس".
وطبقاً لما جاء في الكتب فإن المحاكمة دامت أقل من ثماني عشرة ساعة إلا أنها تمت على مرحلتين وأمام سلطتين وخلال ست جلسات مختلفة. مما يعني أن محاكمة السيد المسيح قد تمت خلال ست مراحل؛ ثلاث مراحل أمام محكمة دينية يهودية، وثلاث مراحل أمام محكمة سياسية رومانية،أى أن السيد المسيح تمت محاكمته دينياً ومدنياً.
وقد كانت السلطات الرومانية تسمح لمحاكم اليهود صراحة بإقرار عقوبة الإعدام وتنفيذها في حالات معينة؛ وهي الزنا والتجديف وانتهاك حُرمة الهيكل. ولعلّه لهذا السبب كان الاتهام الأول هو عزمه على هدم الهيكل كوسيلة غير مباشرة لتسليمه إلى الموت الطقسي أو الشرعي، وكان هذا الموت يتم حسب التقليد اليهودي بالرجم بالحجارة. الا أن موت السيد المسيح لم يتم بالرجم بالحجارة لأن السيد المسيح كان قد توارى عنهم عندما أرادوا رجمه (يو 59:8) ولأنه وفقاً لنبؤات العهد القديم كان لا بد أن يتم ذلك صلباً. وكانت في سِفر إشعياء 53: 12؛ مزمور 22: 18؛ مزمور 69: 21؛ زكريا 12: 10. ولأنه لم يكن ممكنًا للموت بالرجم أن يحقق خلاص العالم. أما عقوبة الصلب فكانت تُطبق حسب القانون الروماني على العبيد وغير الرومانيين. وهو عقوبة بشعة شائنة، وتمثل اللعنة والرجاسة القُصوى في نظر اليهود. لهذا تضامن اليهود مع بعض الرومان على تحقيقها بأسرع ما يمكن في يوم الاستعداد للفصح.
الجلسة الأولى لمحاكمة السيد المسيح
كانت أولى جلسات محاكمة يسوع أمام "حنان" فمن هو؟
اسم حنان عبري وهو اختصار اسم "حنانيا" ومعناها يهوه قد أنعم. وكان رئيس كهنة في مدينة أورشليم سابقاً في وقت محاكمة السيد المسيح، كما كان "قَيافا" هو الرئيس الفعلى للكهنة زمن المسيح ،وعين في ذات السنة التى بدأ يوحنا المعمدان خدمته (لوقا2: 3)، نحو 26م. حنان عينه كيرينيوس والي سورية رئيس كهنة نحو 6 م. وخلعه الوالي الحاكم الموكل على اليهودية، فاليريوس جراتوس نحو 15م. وقد صار كل واحد من أولاده الخمسة رئيس كهنة،وكان حنان أو حنانيا هو حما رئيس الكهنة قيافا (يوحنا13: 18) وكلاهما يعيش فى مكان واحد . ومع أن حنّان لم يكن يقوم بوظيفة رئيس الكهنة عندما قُبض على المسيح،لكنه كان أكثر الكهنة نفوذًا،وكان لا يزال يحمل لقب رئيس الكهنة (لوقا2: 3 وأعمال6: 4)، وإليه أُخِذَ المسيح أولًا (يوحنا 13: 18)، وبعد ما فحصه أرسله مقيدًا إلى قيافا (يوحنا 18: 24). ولما قُبض على بطرس ويوحنا فيما بعد، كان حنان بارزًا بين من فحصوهما (أع 4: 6).
على
أية حال، كانت الجلسة الأولى (أمام حنان) ،حيث ورد فى إنجيل يوحنا قائلاً:" فقَبَضَ الجنودُ وقائِدُهُم وحرَسُ الهَيكَلِ على يَسوعَ وقَيَّدوهُ. وأخذوهُ أوَّلاً إلى حَنّـانَ، وهوَ حَمُو قَيافا رَئيسِ الكَهنَةِ في تِلكَ السَّنةِ. يوحنا(18: 12 – 13).وبعد أن أوقفت الجماعة المسلحة يسوع، أخذته الى رئيس الكهنة حنّان المعروف بجشعه وخبثه واستغلاله للآخرين، كما كان يتمتع بوزن كبير بين أعضاء المجلس الأعلى لليهود. وهو رئيس كهنة سابق ذو نفوذ. ومع أنه لم يعد رئيساً للكهنة، الا أنه ربما كان له الكثير من السلطة.وقد أخبرنا معلمنا يوحنا بنص الجلسة الأولى حيث ذكر قائلاً:" وسألَ رَئيسُ الكَهنَةِ يَسوعَ عَنْ تلاميذِهِ وتَعليمِهِ، فأجابَهُ يَسوعُ: “كَلَّمْتُ النّـاسَ عَلانيةً، وعَلَّمتُ دائِمًا في المَجامِـعِ وفي الهَيكَلِ حَيثُ يَجتَمِـعُ اليَهودُ كلُّهُم، وما قُلتُ شيئًا واحدًا في الخِفيَةِ.فلِماذا تسأَلُني؟ إِسأَلِ الّذينَ سَمِعوني عمَّا كَلَّمتُهُم بِه، فَهُم يَعرِفونَ ما قُلتُ”.فلمَّا قالَ يَسوعُ هذا الكلامَ، لَطَمَهُ واحِدٌ مِنَ الحَرَسِ كانَ بِجانِبِهِ وقالَ لَه: “أهكذا تُجيبُ رَئيسَ الكَهنَةِ؟.”فأجابَهُ يَسوعُ: “إنْ كُنتُ أخطأتُ في الكلامِ، فقُلْ لي أينَ الخَطَأُ؟ وإنْ كُنتُ أصَبْتُ، فلِماذا تَضرِبُني؟”.فأرسلَهُ حنّـانُ مُوثَقًا إلى قَيافا رَئيسِ الكَهنَةِ. (18: 19 – 24)هنا أنهى حنّان او حنانيا جلسته وردّ السيد المسيح مقيداً إلى قيافا الذي يسكن المكان نفسه وزوج ابنته.