القس رفعت فكري سعيد
طفل صغير في ريعان الصبا، بدلًا من أن يحيا حياة طبيعية، ويلعب مع أقرانه، ويحلم بمستقبل مشرق ينتظره، نجده يلهو بالبارود، ويلعب بالقنابل، ويحمل الكلاشينكوف، ويُفجر نفسه، طمعًا في متعة مستقبلية ميتافيزيقية، يتوهم أنها تنتظره بمجرد تفجير نفسه هنا في بشر أبرياء لا ذنب لهم ولا جريرة سوى قيامهم بواجبهم الوطنى والإنسانى.
كان المشهد داميًا في سوق شعبية بالشيخ زويد وأشبه بفيلم رعب، الرصاص يخترق الأجساد، وجثث ملقاة على الأرض، وأناس يركضون، وجرحى يلفظون الأنفاس الأخيرة، وقاتل سادى يُعرف بـ«أبوهاجر المصرى»، يبلغ من العمر حوالى 15 عامًا، قام بتفجير نفسه بالقرب من القوة الأمنية، أثناء قيامها بإجراء عملية تمشيط بمنطقة السوق بدائرة قسم شرطة الشيخ زويد، ما أسفر عن استشهاد ضابطين وفردى شرطة، واستشهاد 3 مواطنين وإصابة 26 مواطنًا نُقلوا إلى المستشفى لتلقى العلاج، وأوضحت التحقيقات أنّ من بين الضحايا طفلا عمره 6 سنوات.
ومما لا شك فيه أن الإرهابيين أعداء الحياة استغلوا براءة هذا الطفل، وسيطروا على عقله، وغذوه بالأفكار الظلامية المدمرة، طمعًا في نعيم مستقبلى، كمكافأة له على جهاده ضد الزنادقة والكفار.
وما حدث من هذا الطفل الإرهابى يدق ناقوس الخطر، ويضع الكثير من التحديات أمام مؤسسات التربية، بدءًا من البيت والمدرسة ومؤسسات الدولة ومدى اهتمام هذه المؤسسات بالأطفال، ولا سيما أطفال الشوارع، فواضح أن الإرهابيين يستغلون براءة الطفولة، ويغذون عقول الصغار بنشر ثقافة الكراهية ضد الوطن وضد النظام الحاكم وضد المغايرين دينيًا وعقائديًا، محرضين إياهم على التكفير والتفجير، بدلًا من التفكير.
ومما لا شك فيه أن هذا الطفل الإرهابى يعانى من خلل نفسى، وعدم تقدير لذاته، فقد عرّف العالم «روجرز» المرض النفسى بأنّه إخفاق الفرد في تقديره لذاته بصورة إيجابية، أو تفاوت مفرط بين مفهوم الذات المُدرك ومفهوم الذات المثالية، ونظراً لنمو مفهوم الذات، من خلال إدراك المرء لتقييم الآخرين له فإن مرض الفرد نفسيّا أو عقليّا، أو إخفاقه في تحقيق ذاته يرجعان بصورة أساسية إلى إخفاقه في الحصول على تقدير إيجابى من قِبَل الآخرين، وتنشأ فكرة الفرد عن ذاته وتقديره لها من خلال تفاعله مع الآخرين ووعيه لأحكامهم وإدراكه لهم، فالنمو الطبيعى للشخصية يقوم على التقدير الإيجابى للفرد من قِبَل الآخرين، فإذا تلقى الفرد تقديرا إيجابيا وغير مشروط من الأشخاص المهمين في حياته (الأب، الأُم، المعلم...) على سلوكه، فسوف تنمو لديه شخصية سوية، وينعكس ذلك على تقديره لذاته وتقدير المجتمع له، وحتما سينعكس هذا على تقديره للآخرين.
إن الأسرة هي التي تضع حجر الأساس في الطفل، وهى المعلم الأول الذي يشكل الإحساس بقيمة الذات، هذا فضلا عن أن ما فعله هذا الطفل الإرهابى يدعونا بقوة لمراجعة وتنقية التراث الدينى ومناهج التعليم من أي دعوات تدعو للعنف وإراقة الدماء، لكم نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نزرع في نفوس الصغار، الحب، بدلًا من الحرب، وأن نعلمهم أن الجهاد الحقيقى الذي تباركه السماء هو الجهاد الذي يكون لأجل صنع السلام، وليس زرع الخصام، فعندما نزرع فكرة نحصد عملًا، وعندما نزرع عملًا نحصد عادة، وعندما نزرع عادة نحصد شخصية، وعندما نزرع شخصية نحصد مصيرًا، فيا تُرى أي مصير ننتظر حصاده في مصرنا الغالية، في ظل وجود أطفال إرهابيين؟!
نقلا عن المصرى اليوم