سعيد الشحات يكتب ذات يوم.. 16 أبريل 1989م..
خرج أبوغزالة'>المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة من بيته يوم 16 إبريل «مثل هذا اليوم» 1989، وكان مرتديا زيه العسكرى متجها إلى وزارة الدفاع لممارسة عملها وزيرا لها، وطلبه اللواء جمال عبدالعزيز، سكرتير الرئيس مبارك، وقال له: «سيادة الرئيس عاوز حضرتك النهاردة بس ياريت تكون بالملابس المدنية»، سأله المشير: «تعرف ليه يا جمال؟»، فأجاب جمال: «خير يا أفندم إن شاء الله»، فرد ضاحكا: «لكن لابد من حكاية الملابس المدنية دى»، فقال له جمال عبدالعزيز: «الأوامر كده يا أفندم»، ووفقا لمحمد الباز فى كتابه «المشير- قصة الصراع بين مبارك وأبوغزالة» «كنوز للنشر والتوزيع- القاهرة»: «عاد أبوغزالة إلى بيته وارتدى الزى المدنى واتجه إلى القصر الجمهورى، وأدخلوه غرفة، وأغلقوا عليه الباب».
فى الساعة الثانية إلا الربع انفتح الباب، وحسب الباز: «بعد حوالى عشر دقائق مر الرئيس مبارك وكأنه فوجئ بوجود أبوغزالة، فقال له: «الله، أنت هنا يا محمد». رد المشير: «أيوه يا أفندم حضرتك اللى طلبتنى»، فقال له: «آه، أنا عايزك تحلف اليمين علشان عينتك مساعد لى»، وبعد أن حلف اليمين أعطاه مبارك مظروفا مغلقا، وقال له: «أعطه للرئيس صدام حسين رئيس العراق»، ثم أدى اللواء يوسف صبرى أبوطالب القسم وزيرا للدفاع، بعد استدعائه من عمله كمحافظ للقاهرة وترقيته إلى رتبة فريق أول، ووفقا لـ«الباز»، فإنه بعد 36 ساعة طار «أبوغزالة» إلى بغداد على متن طائرة خاصة تابعة للقوات الجوية لتنفيذ أول مهامه فى منصبه الجديد.
لم يكن الحدث عاديا، فأبوغزالة هو وزير الدفاع بعد مصرع المشير أحمد بدوى فى حادث سقوط طائرة يوم 2 مارس 1981 أثناء حكم السادات، وأصبح أقوى أركان نظام مبارك، وصاحب الشعبية الكبيرة لدى المصريين، وكان ينظر إليه بوصفه الرئيس المقبل لمصر، ولكل هذه الأسباب فرض الحدث نفسه محليا وعربيا وعالميا، وأثيرت حوله الاجتهادات فى ظل غياب المعلومات، غير أن محمد حسنين هيكل يعيد ما حدث إلى طموح «أبوغزالة» فى تسليح الجيش المصرى، ويذكر فى كتابه «حرب الخليج-أوهام القوة والنصر» |مركز الأهرام للترجمة والنشر»، أنه فى يوم 3 إبريل 1989 شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن أول اجتماع بين الرئيس الأمريكى جورج بوش «الأب»، وبين الرئيس مبارك، وتناول الاجتماع قضية خطيرة وهى دخول مصر مجال صناعة الصورايخ، مع العراق والأرجنتين، وكان أبوغزالة هو الذى يقود هذا التوجه، وحسب هيكل، فإن الدول الثلاث بدأت فى التعاون معا لإنتاج صواريخ عرفت باسم «كوندور»، ووجد المشروع طريقه للتنفيذ، وتكلفت الأعمال التحضيرية الإدارية حوالى 500 مليون دولار، كذلك فإن إسرائيل أحست به مبكرا وعلى الأرجح من مصادر أرجنتينية، وبدأ «الموساد» حملة ضد بعض العلماء من جنسيات مختلفة الذين سعى إليهم المشروع، أوسعوا هم إليه، ورافقت ذلك حملة ضد بعض الشركات الأوروبية «الألمانية بالذات» التى قامت بتوريد المعدات، ووصلت إلى حد قتل الأفراد ونسف المنشآت فى ألمانيا وسويسرا، وكانت إدارة المشروع تحاول أن تعمل فى الخفاء، وبدأت من مقر فى مونت كارلو ثم انتقلت إلى مقر فى النمسا».
استطاع المشروع أن يضم إليه عالم مصرى فى مجال الصورايخ وهو الدكتور عبدالقادر حلمى ابن قرية أشموتين مركز ملوى محافظة المنيا، وخريج كلية الفنية العسكرية عام 1970 والأول على دفعته بامتياز، وكان مقيما فى أمريكا ويعمل فيها وحاملا جنسيتها، واستطاعت إدارة التحقيقات الفيدرالية الأمريكية أن تسجل مكالمة من النمسا معه طرفها ضابط المخابرات المصرية حسام خير الله، الملحق العسكرى فى سالزبورج، تبين فيها وحسب «هيكل» أنه مكلفا بالحصول على مادة «كاربون فايبر» التى تستعمل فى طلاء الطائرات والصورايخ لكى يجعلها تتغلب على الكشف الرادارى المبكر، وكانت هذه المادة من أهم أسرار صناعة السلاح العسكرية فى أمريكا، إذ كانت تستعمل فى صناعة الطائرات «الشبح»، وضبطت الأجهزة الأمنية الأمريكية.
كمية مادة «كاربون فايبر» المقرر تحميلها سرا على ظهر طائرة مصرية عسكرية خاصة، ولم تكتف بمحاكمة «حلمى» وسجنه 46 شهرا ووضعه تحت المراقبة 3 سنوات، ووضعه قيد الإقامة الجبرية 25 عاما «أفرج عنه 2013»، وإنما وحسب تأكيد هيكل: «قررت التصرف على أرفع مستوى ممكن، حيث أثار بوش الموضوع مع مبارك فى اجتماعهما يوم 3 إبريل 1989، وتوقف المشروع، وكان من مضاعفاته خروج المشير أبوغزالة من منصبه»...!!