عبد المنعم بدوى
يزور هذه الكنيسه حوالى 14 مليون سائح فى السنه ، أنها قبل أن تكون خسارة ماليه فهى خسارة أنسانيه ، خسارة لتاريخ الحضاره الأنسانيه ، لقد أعلنت الحكومه الفرنسيه أنها ستبدأ فورا فى ترميم الكنيسه وازالة أثر الحريق .
أعرف تماما شعور الشعب الفرنسى حيال هذه الكارثه ، فهو شعب مثقف ، محب للحياه ، مقبل عليها ، مستمتع بها ، مطمئن لحاضره ، متفائل بمستقبله ، مقدس للعمل ، يقدر الوقت ، يحترم البيئه . وأثق فى أنه سوف يتجاوز هذه المحنه ( حكومه وشعب ) .
لقد أشعل هذا الحريق فى ذاكرتى مواضيع كثيره ... أذكر أنه عندما زرت باريس أول مره حرصت على زيارة هذه الكاتدرائيه ، وزيارة ميدان الباستيل ، وتساءلت : أفى هذه البقعه الصغيره ولدت " الحريه " ؟ ثم تساءلت عن معنى الحريه عند هذا الشعب ، وهل يوجد عندنا حريه مثلهم ؟ وتساءلت هل أستطيع أن ارى الحريه بين هؤلاء الناس ؟ ، وأن افهم معناها الصحيح ؟ .
كانت أول ملحوظه للحريه هى أن كل شيىء عندهم " بالطابور " ، ركوب الأوتوبيس ، دخول المتجر ، شراء علبة السجائر بالطابور ، كل حاجه بالطابور ، لايتقدم أحد منهم على الأخر ، لن يسابقك أحد ، وتعلمت أن لاأزاحم أحد ... حينئذ عرفت معنى المساواه التى لانعرفها فى بلادنا ، حيث يتقدم صاحب السلطه والمكانه على الأخرين ، فلو حضر عندهم رئيس البلاد فسوف يقف فى الطابور ... أنها قمة المساواه ، فلن يزاحمك أحد أو يعتدى على دورك لذلك تجد عندهم وزيره من أصل مغربى أو جزائرى ، أو وزيره للداخليه أو للدفاع ، ولا أحد يجد فى ذلك غرابه ... أنه الطابور
ولكن للشعب الفرنسى وجه أخر ... فبرغم مافيه من مكنون معرفى حضارى جيد ، تجده غاضبا شرسا عندما تنتهك حقوق الأنسان أو تمس حقوقه المدنيه خصوصا فى التعليم والصحه والمعاشات أو الأسعار ، وغير ذلك ... عندئذ تشتعل المظاهرات وتنتفض الجمعيات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدنى ، وتقف بجانبهم الصحافه ، ويثور الرأى العام على نحو يؤكد مدى الوعى السياسى والأجتماعى والثقافى .
لايوجد عندهم رئيس يظل عشرات السنوات فى منصبه لأستكمال الآنجازات ، أو يقوم بأعتقال مخالفيه فى الرأى أو منافسيه فى الأنتخابات ... أنها الحريه
أن قلبنا يبكى على أحتراق الكنيسه ... ويبكى أيضا على أحتراق الأنسانيه التى تجرى أمامنا وتدعم حكام القمع والتنكيل .