قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (726)
لست وحدي الذي شعر بالإحباط مما أسفر عنه مؤتمر القمة العربية الثلاثون الذي انعقد في تونس نهاية مارس الماضي, وأتصور أن الشعوب العربية نفسها بغض النظر عن ساستها ومفكريها وكتابها يسيطر عليها الغضب إزاء استمرار تلك الظاهرة الصوتية التي تسمي مؤتمرات القمة العربية!!!
انعقدت قمة تونس -ويا ليتها ما انعقدت- لتواجه مشكلات مصيرية وتحديات تعصف بالأمة العربية أخطرها استمرار قرارات الرئيس الأمريكي ترامب في منح ما لا يملك لمن لا يستحق… فبعد قراره المتعجرف في ديسمبر 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإقدام بلاده علي نقل سفارتها من تل أبيب إلي القدس, ها هو يكرر العصف بالقانون الدولي ويستخف بسائر دول العالم ويستهزئ بالدول العربية ويعلن في مارس الماضي اعتراف بلاده بسيادة إسرائيل علي مرتفعات الجولان السورية التي احتلتها القوات الإسرائيلية عام 1967 والمفترض طبقا لجميع قرارات الأمم المتحدة أن تعامل تلك المرتفعات كغنيمة حرب وتبقي وديعة في حوزة إسرائيل حتي يتم ردها كاملة لسوريا في إطار تسوية سلمية بين البلدين… فعلها ترامب غير عابئ بردود الفعل الرافضة والمحتجة التي صدرت عن الأمم المتحدة والمجموعة الأوروبية وروسيا-التي وصفت القرار بالقرصنة الدولية- والصين وغيرها من دول العالم, وطبعا معها الدول العربية… لكن الحقيقة المؤسفة هي أنه إذا جاز للمنظمات الدولية والدول عبر العالم الاكتفاء بالرفض والاحتجاج صوتيا, لا يستقيم أبدا أن يكون ذلك هو أقصي ما تستطيعه الدول العربية خاصة وهي تعقد قمتها قبل أن يجف الحبر الذي وقع به ترامب قراره!!!
والحقيقة المؤسفة أيضا هي أن ترامب وهو يرأس الولايات المتحدة الأمريكية -أكبر قوة ضاربة في عالمنا- يمتلك من الصلف والغرور اللذين يسمحان له بالاعتداء علي الشرعية الدولية لأنه يعلم تماما أنه لا يوجد ثمن سيدفعه جراء ذلك الاعتداء, كما أنه يعلم الواقع المسكوت عنه وهو أن ما يحيق بالشأن العربي يهون لأن الشأن العربي قد هان علي العرب أنفسهم أولا!!… أتعرفون كيف ولماذا؟… لن أخوض أو أكرر الحديث عن التشرذم والتمزق العربي ولا الخلافات والصراعات العربية ولا واقع المجموعة العربية التي تنازلت عن دور الفاعل واستسلمت لدور المفعول به علي الساحة الدولية حتي باتت لا يعمل لها أي حساب… لكني سأكتفي بالتعليق علي قضيتي القدس والجولان:
** عدت إلي ما كتبت في هذا المكان بتاريخ 2017/12/17 بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وكان تحت عنوان غضبة الشعوب تصرخ وتحرق الدمي والأعلام.. لكن ماذا ستفعل الحكومات الرشيدة؟!!… وأستدعي المقاطع الآتية منه:
* هذا القرار يعود إلي 1995/10/23 حينما قرر الكونجرس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلي القدس, لكن لمدة 22 عاما تجنب تنفيذه ثلاثة رؤساء أمريكيين سابقين علي ترامب كان كل منهم يشهد أمام الكونجرس أن المصالح الاستراتيجية الأمريكية تملي تأجيل تفعيل القرار لعدم الإضرار بحل قضية الشرق الأوسط أو تعقيدها… لكن ماذا حدث من مستجدات غيرت قواعد اللعبة؟… إن الفلسطينيين أصحاب القضية هانت عليهم قضيتهم وانقسموا وانغمسوا في خلافاتهم وصراعاتهم وفشلوا مرات ومرات في تحقيق المصالحة بينهم حتي إن إسرائيل باتت تتذرع في المحافل الدولية بعجزها عن الجلوس علي مائدة المفاوضات لأنها لا تعرف مع من تجلس: مع السلطة الفلسطينية في رام الله أم مع منظمة حماس في غزة!!…
* قمة عمان التي عقدت في العاصمة الأردنية في أبريل 2017 لم تستطع سوي تكرار عبارات الرفض والشجب إزاء ما تقوم به إسرائيل ومطالبة دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلي القدس, لكن لم يجرؤ أحد المشاركين فيها علي تذكير العرب بقرار مجلس جامعة الدول العربية السابق صدوره في عام 1991 بقطع العلاقات مع أي دولة تنقل سفارتها إلي القدس-وهو القرار الذي تم تنفيذه مرة واحدة فقط مع السلفادور- لكن ماذا عن أمريكا؟.. هل تقطع الدول العربية علاقاتها مع أمريكا؟… لا… هي اكتفت بمظاهرات شعوبها وحرقها للدمي والأعلام الأمريكية والإسرائيلية!!.. فلا تتعجبوا أو تتساءلوا لماذا تهون الدول العربية علي أمريكا؟.. ألم تهن علي نفسها أولا؟
** قلت في بداية هذا المقال إني لست وحدي الذي شعر بالإحباط مما أسفرت عنه قمة العزم والتضامن في تونس بعد قرار ترامب بشأن الجولان السورية, وإليكم بعضا مما قرأت:
* مسعود الحناوي: القمة العربية في تونس لم تظهر أنيابا حقيقية تهدد المصالح الأمريكية في منطقتنا الحيوية واقتصرت علي إدانات شكلية ورفض روتيني مكرر لانتهاك صارخ لأراضينا وسيادتنا وكرامتنا.
* د.أسامة الغزالي حرب: مجرد انعقاد قمة تونس بعد قراري ترامب الخاصين بالقدس والجولان لا ينطوي علي أي مغزي للقوة أو الفاعلية, ولكن تلك القوة أو الفاعلية تنبع من الأداء الملموس علي الأرض وليس من الكلمات الجوفاء الرنانة التي يسهل إطلاقها.
* صلاح منتصر: صحيح أن قرار ترامب بشأن الجولان باطل قانونا, لكن متي خلال الخمسين سنة الماضية تحدثت سوريا باهتمام عن أرضها في الجولان؟!
*** سؤالي الأخير إلي قمة العجز والتهاون في تونس: هل كان عسيرا علي الدول العربية مجتمعة وفي نفس الوقت سحب سفرائها من العاصمة واشنطن؟… أو علي الأقل استدعاؤهم للتشاور وللتعبير عن الاحتجاج؟… واللا ده كان هايزعل ماما أمريكا؟!!