الهوية ليست فقط تلك البطاقة، التي ترسم أبعاد علاقتنا بالأوطان، فمن قبلها يأتي "الهوى" و"خفقة القلب" و"لمعة العين" و"ارتعاشة الجسد المفتون" بحب هذا الوطن، وعندما يصبح العطاء بلا حدود عنوانا للانتماء، لا نحتاج لبطاقة هوية تؤكده، وبهذا كله وغيره وثقت الفنانة ماجدة الرومي هويتها المصرية في قلب مصر .

 
ماجدة، التى جاءت إلى مصر، قبل أيام، لإحياء حفل خيري غدا الجمعة، وترعاه مؤسسة راعى مصر الخيرية وتذهب عائداته لدعم الفقراء والمحتاجين بقرى الصعيد، لم يفت عليها أن تجعل من زيارتها رسالة في حب مصر، وتوجهت فور وصولها الأسبوع الماضي إلى قلب الصعيد وبالتحديد قرية "أرمنت ميت الحيط" بالأقصر، تطوف بيوت أهلها محملة بالهدايا للأطفال الأيتام، ومتبرعة بالأموال والرعاية للمحتاجين، حتى إنها دفعت فورا ديونا متراكمة لسيدة مسنة من الغارمات وتكفلت ببناء سقف لمنزلها.
 
وفي أكثر من لفتة إنسانية كانت ماجدة بأمومة تشارك بالتأكد من صحة مقاسات الملابس والأحذية المهداة للأطفال، قبل أن تتوجه إلى إحدى عيادات العيون، لتقديم أجهزة طبية لعلاج مرضى الرمد، وبعدما أشاعت البهجة بين الأهالي، وقفت بينهم ترقص بالعصا على أنغام المزمار الصعيدي، ثم وجهت رسالة لفناني مصر تؤكد لهم فيها حاجة أهل الأقصر لدعمهم الإنساني قبل المادي.
 
"ماجدة"، التي طالما تحدثت عن رغبتها في توثيق الهوية المصرية، وقالت قبل ذلك: "والدتي ماري لطفي، دائما ما كانت تحكي عن ذكرياتها في بورسعيد، وأننا من منطقة شبرا وروض الفرج، وأن جدتي لأمي وتدعى وردة يوسف حبيب تزوجت مصريا، ووالدتها صوفي شفتشي من عائلة شديدة الالتصاق بالتقاليد المصرية، وأنا بالتعاون مع ابن خالتي الذى يعيش حاليا في كندا قررنا نستكشف بيوتنا في مصر مرة أخرى بمنطقة شبرا وروض الفرج.
 
وأضافت: "الحكاية بدأت عندما كان جدى يعمل خياط رجالى، وسافر فلسطين، وبعد فترة عاد جدي وجدتي إلى مصر واشتغلوا في قناة السويس وعاشوا في بورسعيد وبورفؤاد في الحى الإفرنجي هناك، وكانت أمي تحكى لى أنها كانت تذهب لهم بالعبّارة، بعدها بفترة والدى تزوج أمي في كنيسة الكاثوليك في بورسعيد، وأخذها إلى لبنان للمشاركة في تأسيس الإذاعة اللبنانية عام 1950، وكانت أمي تبكى طوال سفرها إلى لبنان، لأنها كانت تفضل العيش في مصر".
 
ولم تترك ماجدة مناسبة إلا وعبرت فيها عن محبتها لمصر، فغنت بناءً على طلبها من كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وألحان جمال سلامة "والله يا مصر أنا بهواكي".
 
وبكل زهو شدت عام 1996 قصيدة "سمراء النيل" من كلمات الشاعر اللبناني جورج جرداق وألحان إيلي شويري، وقالت: "أنا بنت النيل وزهو الجيل بكل جميل تلقاني/ في قمر الليل وموج البحر وشمس الصحراء تراني/ في وجه الدنيا كتبوني للغات الدنيا نقلوني/ واشتاقوا لي وأحبوني/ أنا لست امرأة عادية.. أنا مصرية".
 
وفي محبة شعب مصر اعتادت ماجدة الرومي على افتتاح حفلاتها بكلمات تعمق مكانتها في القلوب، وكان آخرها عندما أحيت حفل ختام مهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا، إذ لم تكتف بانحناءة التقدير والقبلات الحارة للعمل المصري، فقالت في كلمتها: "مساء الخير، حضرة المصريين وأصدقائي يسعدني ويسعد الأوركسترا أننا نمسي عليكم بكل الحب والخير، ولا أستطيع أن أعبر لكم عن سعادتي فور وصولي لمصر، لو بس بفتح قلبي أفرجكم على مكانتكم، عندي كتير أقوله لمصر لكن هختصر وأقول بحبك مصر واتذكر أمي التي ظلت تخبرنا بذكرياتها عن بورسعيد".
 
وتابعت: "بحب مصر لشعبها الطيب وهذه الوجوه التي تشفي، وبحب النيل والمراكب اللي تغني عليه طول الليل، أنا بحب مصر عاصمة التاريخ والخلود، هذا المحراب الكبير في كل الفنون كلها لأنها هذه طبيعتها.. مع مين نحن ربينا ونحن أما كنا صغار ربينا على الأصوات المصرية نسمع الأصوات وسمعت ابي يقول آهات للكبار.. مين منا ما حب مع أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وليلى مراد".
 
وأكملت "مع مين سهرنا بطفولتنا، سهرنا مع فاتن حمامة كانت مثلي الأعلى، ونحب شادية ونادية لطفي وسعاد حسني، ونحلم نكون حلوين هيك.. كبرنا مع سراج منير وزينات صدقي وعبد السلام النابلسي وإسماعيل ياسين مين منا ما ضحك معه، هؤلاء رافقونا من صغرنا.. كيف ما بنقدر نحب يوسف شاهين كيف ما نمرق على إلهام شاهين ويسرا دون أن نحكيهم، وعادل إمام الذي فرحنا كثيرا والعبقري أحمد زكي، وهؤلاء الكبار الذين مروا برأسي وأترجاكم تسامحوني إن كنت نسيت أسماء تانية".
 
واختتمت ماجدة كلمتها: "لو بحكي بحكي كتير لكن قبل ما أبدأ أغني أحيى مصر بكل الخالدين فيها هي خط دفاع أول عن الكرامة العربية، أنا ما بحكي كلام أنا بحكي كلام بنت عاشت كل حرب لبنان ومأساتها وبحب الجيش المصري جيش العبور.. صلاتي من نص قلبي بشكركم على كل شيء".
 
ماجدة تساعد الأطفال على ارتداء الملابس