سحر الجعارة
حُكم علىّ بالوحدة والجريمة «مطلقة».. حيّك الناس لى من ألسنتهم مشنقة.. وصار لقبى المطلقة.. ممنوعة أن أعشقَ.. للاستعمال السريرى فقط مع شهادة خبرة مصدقة.. امرأة مستعملة.. زورق بأشرعة ممزقة.. يرانى الرجال سريراً أو كوب رغبة يريدون منه ملعقة.. كأننى محطة انتظار يزورها الجميع لكن لا أحد فيها يبقى!
نعم أنا المطلقة.. أنا الحرة التى أبت أن تحكمها ورقة«لا زلت صالحةً للحب.. فالروح عذراءٌ يا حمقى». هل تشعر بالصدمة؟.. هل توجعك ألفاظ الأغنية «امرأة مستعملة».. «للاستعمال السريرى فقط»؟!.. هل ترى المطلقة فى مجتمع شرقى بعيون مختلفة؟!.. عيون لا تجردها من ملابسها وتخطف شرفها وتقتحمها بزعم أن «المرأة بلا رجل كحديقة بلا سياج».. وتعتبرها بالضرورة وحيدة تتقلب فى سريرها ألماً من الرغبة التى تؤرقها وتنتظر أى «عابر سرير» ليروى ظمأها!. «نعم أنا المطلقة.. أنا الحرة التى أبت أن تحكمها ورقة».. التى خلعت الدبلة بعدما تحولت لطوق حديدى يكسر عنقها، ووضعت عصمتها فى يدها وأحكمت قبضتها عليها.. بالنيابة عن ملايين من سيدات مصر خرجت المطربة «كارول سماحة» تصرخ نيابة عنهن، تلعن التقاليد التى تهين المطلقة وتأسرها فى خانة الاتهام، بينما تنحنى احتراماً للأرملة لأنها ليست مسئولة عن كونها «بلا رجل»!
مصر تحتل المركز الأول عالمياً فى نسبة الطلاق، وفى مصر نحو أربعة ملايين مطلقة! لدينا حالة طلاق تحدث كل 4 دقائق، وفقاً لأحدث الإحصاءات.. ربع سكان مصر أمام المحاكم بسبب حالات الطلاق، وأعلى نسب للطلاق تحدث بين الفئات العمرية التى تتراوح من 25 إلى 35 سنة، وقد أدى ارتفاع نسبة الطلاق إلى حالة من التشتت، 9 ملايين طفل ما بين الأب والأم!
تخيل شابة فى العشرين تحمل على كتفها طفلاً، وعلى جبينها وصمة عار: «مطلقة»، تبحث عن أمها أو حضانة لتترك طفلها وتذهب للعمل لتنفق عليه، لأن الأب جعل الطفل «ورقة مساومة» أو أنه مدمن أو فاشل أو خائن.. وفى النهاية تدفع الثمن وحدها.. لأنها «أنثى»!
أنثى «لا زلت صالحةً للحب.. فالروح عذراءٌ يا حمقى».. مشاعرها بكر، وقلبها فى براءة طفل عرف اليتم على ورقة طلاق.. ربما غنّت بصوت «كارول» لزوجها يوماً ما، حين شعرت أنه يفر من بين أصابعها كالماء: «اتطلع فىّ هيك.. هو دى مش عينيك.. هيدى مش لمساتك يا حبيبى ومش إيديك».. أو صرخت من غيرته الحمقاء ومحاولات وأدها بمنعها من السفر «وهو حقه قانوناً».. أو منعها من العمل «وهو حقه أيضاً بالأعراف والتقاليد».. فتوددت إليه طالبة حقها فى أن تكون نفسها: «ما بتقدر أبداً تلغينى.. بدك تسمعنى تحكينى!».. لكن صوت «كارول» لم يقنعه، إما جحوداً أو استعلاءً أو استهتاراً بالأسرة.. فالرجل يسىء حق استخدام الطلاق لأن المجتمع يغفر له كل ذنوبه: يبيح له الخيانة «ألف رفيقة ولا لزيقة»، ويحرضه على تعدد الزوجات برخصة شرعية، ويدفعه لضرب زوجته وسجنها بالمنزل لأنه حقه الشرعى.. فهل تصلح أغنية لإصلاح منظومة اجتماعية ظالمة أفسدت الرجال أجيالاً تلو أجيال؟
«كارول سماحة» تم تعيينها من قبَل الشبكة العالمية للحقوق والتنمية (GNRD) كسفيرة للنوايا الحسنة، بتوظيف فنونها كأداة للشفاء والتشجيع للأشخاص المحتاجين، لكننا شعوب لا تُشفى بالفن، لأننا ندمن الغيبوبة بالدروشة الجماعية أو الترامادول الشعبى: «أغان هابطة وخطب سلفية وتربية ذكورية». أما «كارول» فمثل قصيدة حب نادرة.. أبياتها من الثورة والوداعة.. حروفها مشتعلة مثل وهج الشمس.. تضع النقاط فوق الحروف بدقة.. لتضم الذكاء إلى الموهبة فى حضور طاغٍ.. لا تنزعج حين يشبهونها بـ«الحرباء»، (هذا الوصف كان موجوداً فى الـCV على موقعها بالإنترنت)، لأنها تبهرنا حين تجسّد ألف وجه بنفس درجة الصدق على المسرح.. إنها ابنة شرعية لمدرسة «الرحبانية»، ولهذا تجيد تأدية الأغنية الدرامية.
من جبال الأرز تستمد صلابتها ورقتها وخصوصية ملامحها الفريدة.. إنها ذكية فى اختياراتها، نغمة مختلفة فى زحام الاستنساخ.. تفرض حلمها على الضجيج والنشاز.. تكسر حاجز الصمت برقة أو صرخة علنا نفيق!
«نعم أنا المطلقة.. أنا الحرة التى أبت أن تحكمها ورقة».. إنها كلمات الشاعر الغنائى «على مولى» التى حطمت بها «كارول» أسوار سجن المطلقات المجتمعية.. ربما يتعلمن «البوح».. فالأغنية -وحدها- لن تغير العالم المملوء بأخطاء الإعلام والتعليم وشيوخ السلفية.. لن تحطم قيود العادات والتقاليد.. لكن على الأقل دعونا نحلم بالتغيير ونمزق شرنقة الخوف الحريرى التى تخنق المطلقة.
نقلا عن الوطن