100 عام على ثورة 1919..
سامح جميل
٠٧:
٠٩
م +02:00 EET
الخميس ٢١ مارس ٢٠١٩
سامح جميل
100 عام على ثورة 1919..
على خلاف ما يحكي تاريخيًا عن صناع ثورة 1919، وزعمائها السياسيين وخاصة الوفديين، يحكي المؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي، عن بدايات اشتعال الثورة، ويؤكد أنها كانت عفوية، تحركت دون تدبير نخبوي، ولم يكن هناك جهة محددة داعية إليها، أو تمسك بدفة توجيهها وقيادتها.
اشتعلت فجأة وبدون ترتيب، اختارتها فطرة المصريين البسطاء قبل النخبة، وسعت بشكل بديهي إلى نيل الاستقلال، لذا كان برنامج الثورة أوسع بكثير من برنامج حزب الوفد، الذي كان هو نفسه وزعماؤه التاريخيون من أهم مكاسب الثورة، كانت البداية من طلبة مدرسة الحقوق، الذين قاطعوا دروسهم، واجتمعوا في فناء المدرسة بمقرها في الجيزة، ومن الحقوق إلى مدارس المهندسخانة، والزراعة، ومدرسة الطب بقصر العيني، وقبل أن يصلوا ميدان السيدة زينب، حاصرتهم قوة البلوك خفر.
قبض الاحتلال على نحو 300 طالب، وبدأت حالة من الكر والفر والصدام مع العساكر الإنجليز، ومع ظهور يوم 10 مارس، أعلن باقي الطلاب الإضراب وانضموا لحماية زملائهم، وفقد الاحتلال اتزانه، وبدأ جنوده في فتح النار على الطلاب، وقيد قسم السيدة زينب أول حالة وفاة في الثورة لشاب مجهول حتى الآن، ومن القاهرة للأقاليم، ضخت دماء رفض الاحتلال في ميادين، الإسكندرية وطنطا ودمنهور وشبين الكوم، والزقازي، والمنيا، والفيوم، وأسيوط.
كما أسلفنا، كان الشعب المصري هو بطل ثورة 1919، تحركت طبقاته تلقائيًا مدفوعة بحب الوطن، ولكن لا يعني ذلك، عدم إفراز قيادات كان لها الدور الأكبر في الحياة السياسية، وقيادة مسيرة أهم مرحلة في العمل النيابي والسياسي المصري، حتى قيام ثورة 1952، ويمكن انتقاء نماذج تمثل الاتجاهات كافة.
كان سعد زغلول، أهم من أفرزته حراك الثورة، عرفه الوعي المصري شابا يعمل بجريدة «الوقائع المصرية»، ويعرف بحسه النقدي والسياسي، وكثرة انتقاداته، وهي مقدمات جعلته يشارك في الثورة العرابية عبر تحرير المقالات الساخنة، يهاجم فيها الاستعمار الإنجليزي، ويرفض ممارسات الخديو توفيق، وانحيازاته للإنجليز.
نكل بها الاستعمار، ونقله إلى وظيفة معاون بنظارة الداخلية، وهي ثغرة كبرى لم ينتبهوا لها، بعدما استغلها في فتح باب كبير، له للإلمام بالدراسات القانونية، ومعرفة الجوانب المعنية للسياسة الرشيدة المهنية، ومنها عمل بالمحاماة، وارتفع بمقام المهنة وكان أول محام يدخل الهيئة القضائية، وكان له الجهد الأكبر في تدشين نقابة المحامين، بعد توليه نظارة الحقانية، كما أنه صاحب الفضل في إنشاء قانون المحاماة 26 لسنة 1912.
ولم يكن زغلول وحده من رموز الثورة، كان هناك حسين باشا رشدى رئيس الحكومة آنذاك، الذي لم يلتفت لمقتضيات بروتوكولات وظيفته، وما يمكن أن تجر عليه من مخاطر، وصنع دورًا وطنيا لحكومته، بالمساعدة على انتشار حركة توكيلات الوفد، للوصول إلى استقلال البلاد، لدرجة أن وزير الداخلية حسين باشا رشدى، كان يصدر تعليمات واضحة إلى مديري نظارته في الأقاليم، ويطالبهم بشكل صارم بعدم الاحتكاك بأي شكل لحركة التوقيعات، وكان موقف الحكومة المصرية، من أهم عوامل الاستقرار التي دفعت جموع الشعب للانخراط في الحركة دون خوف.
أما القس ملطى سرجيوس، وكيل مطرانية سوهاج، كان أول مسيحى يعتلى منبر الأزهر بعمامته السوداء، يخطب في مسلمي مصر، محرضا على روح الوحدة الوطنية، بفصاحته الأدبية النادرة، التي جعلت سعد زغلول يناديه دائما بخطيب الثورة الأول، الذي يحفظ القرآن والإنجيل، ويتجول بجميع الساحات داعية للوعي الثوري والوحدة من الأزهر، إلى ابن طولون، ومن ميدان الأوبرا، إلى شوارع شبرا، ودفع ثمن موقفه غاليا بالقبض عليه، وحكم عليه بالنفي إلى مدينة رفح.
نتائج الثورة :
نجحت ثورة 19 في إلغاء الحماية البريطانية على مصر، في فبراير عام 1922، واعترفت إنجلترا بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، صحيح أنها لم تنجح في إجلاء الاحتلال نفسه عن البلاد، ولكنها كسبت في الوقت نفسه، سياسيا وأدبيا، وانتصرت لكرامتها الوطنية.
كما نجحت ثورة 1919 في إنجاح المسار الدستوري في البلاد، وإقرار واحد من أعظم الدساتير في تاريخ البلاد "دستور 1923،" وأقرت فيه سلطة الشعب، وحقه في حكم نفسه بنفسه.
ثورة 19 كأي ثورة، ليس لها أثر جوهري في أخلاق الجماهير، والتي تعتمد بالأساس على عوامل أخرى، ولا تكتسب بين يوم وليلة، ولكن يمكن القول، إنها ساهمت بشكل أساسي في تنمية قوة الملاحظة، وعدم التخاذل والإصرار على تنمية المجتمع والسير للأمام، وعدم العودة للخلف مجددا وقد كان. !!
الكلمات المتعلقة