جهود أحمد لطفي السيد في إرساء مبدأ المواطنة في مصر
ماجد كامل
الثلاثاء ١٩ مارس ٢٠١٩
1872 -1963
بقلم/ماجد كامل
يمثل الأستاذ أحمد لطفي السيد والملقب بــ "أستاذ الجيل" حلقة فارقة في تاريخ الفكر المصري الحديث ؛ فلقد أثري الفكر المصري الحديث بالعديد والعديد من الكتب والمؤلفات والمقالات والترجمات التي كانت نقلة فكرية هامة في الثقافة المصرية ؛ خصوصا في مجال الوطنية المصرية ؛ فهو نموذج حي ومجسم لرجل عشق مصر حتي النخاع .فلقد كتب في مقدمة سيرته الذاتية "قصة حياتي "(نشأت في اسرة مصرية صميمة لا تعرف لها الا الوطن المصري ؛ولا تعتز الا بالمصرية ؛ ولا تنتمي الا الي مصر ؛ذلك البلد الطيب الذي نشأ التمدن فيه منذ اقدم العصور .. وله من الثروة الطبيعية والشرف القديم ما يكفل له الرقي والمجد ) . ولقد اسس لطفي السيد جريدة يومية تدعي "الجريدة" صدر العدد الاول منها في 9 مارس 1907 ولقد كرس لطفي السيد أعداد الجريدة لتأكيد عقيدة "مصر للمصريين" فكتب في المقال الافتتاحي للعدد الاول منها (ما الجريدة الا صحيفة مصرية بحتة غرضها الدفاع عن المصالح المصرية علي اختلاف انواعها . وارشاد الامة بأسرها الي منافعها الحيوية . ونشر كل ما فيه فائدة مادية او ادبية . ونقد كل عمل له مساس من اي جهة كانت بتلك المصالح حتي يتكون بهذا رأي عام علي اساس متين من صدق النظر وحسن التفكير. لا فرق في ذلك بين الاديان ولا تمييز بين الاجناس هذا مع نبذ الخصومات وعدم الخوض في المنازعات الدينية المحضة .مع التزام الاعتدال في جميع الاحوال ) . ولقد لخص أحد أساتذة تاريخ الصحافة المصرية أهداف جريدة "الجريدة " في النقاط التالية :-
1-نشر عقيدة الاستقلال بين أفراد الأمة المصرية ودحض الفكرة القائلة بأن مصر يمكن ان تحصل علي استقلاها بمساعدة فرنسا او تركيا . فلا سبيل الي حرية المصريين الا بجهود المصرين
2-السعي لازالة الفروق في الرأي بين المصريين وتكوين ما يسمي بالرأي العام المصري من جديد . وبذلك يتحد المصريون في اهدافهم مهما أختلفت أراءهم .
3- إنماء الشخصية المصرية بقدر المستطاع والنظر في الامور السياسية من زاوية مصر وحدها .
4- توجيه النقد الي السلطتين الشرعية والفعلية في البلاد . والنظر في هذا النقد لمصلحة مصر وحدها من غير تحيز لطرف دون الاخر .
5- المطالبة بالدستور والدأب المستمر علي هذه المطالبة .
6-الدعوة للحرية كي تكون اساسية لتربيةالامة المصرية وتشمل الحريات "حرية التعليم والقضاء والكلام والكتابة و الاجتماع وسائر انواع الحريات الاخري ".
7- النهوض بالحركة العقلية والحركة الادبية وإفساح المجال للشباب لإظهار مواهبهم المختلفة .
8- تشجيع الصناعة والتجارة والزراعة والنهوض بها جميعا .
9- تقوية الوحدة الوطنية حتي لا يجد المحتل ثغرة ينفذ منها الي تحطيم الحركة الوطنية .
ولقد صارت "الجريدة" بحق مدرسة كبري لغرس حب الوطن كما حملت شعلة التنوير ولقد استمرت في الصدور حتي توقفت في 20 سبتمبر 1914 .
وكتب لطفي السيد مقالا في "الجريدة" بتاريخ 6 يناير 1913 تحت عنوان "مصريتنا" قال فيه (كذلك نحن المصريين نحب بلادنا ولا نقبل مطلقا أن نتتسب الي وطن غير مصر . أقمنا في مصر وطنا لنا وعقدنا معها عقد صدق ترزقنا من خيرها ونقوم علي مصالحها ونفدي شرفها بأرواحنا ) .
وفي عدد تال من الجريدة بتاريخ 16 يناير 1913 كتب لطفي السيد (سئل احد علمائنا البلغاء فقيل له ما هو المصري ؟ فقال : المصري هو الذي لا يعرف له وطنا اخر غير مصر أما الذي له وطنان يقيم في مصر ويتخذ له وطنا اخر علي سبيل الاحتياط . فبعيد عليه ان يكون مصريا بمعني الكلمة ) وفي مقال اخر بتاريخ 12 ديسمبر 1912 حدد لطفي السيد معني القومية المصرية فقال (أن أول معني للقومية المصرية هو تحديد الوطنية المصرية والاحتفاظ بها والغيرة عليها غيرة التركي علي وطنه والانجليزي علي قوميته) ويقيم لطفي السيد مذهبه في القومية المصرية علي ثالث ركائز اساسية هي :-
1- المنفعة العامة فالمصريون جميعا متساوون في الحقوق والواجبات .
2- مصر للمصريين وليست لتركيا ولا لأنجلترا .
3- الوحدة الوطنية وكتب عنها يقول (الاقباط في مصر يعيشون مع المسلمين مختلطين في المصالح والمساكن متكاتفين في المزارع والاعمال متجاورين علي مقاعد المدارس متشاركين في الوظائف والمرافق )وعن قيام الدولة علي اساس ديني كتب قائلا (ان الدين ليس هو الاساس الذي تقوم عليه الاكثرية والاقلية ولكنه المذاهب السياسية . والامة كائن سياسي يتألف من عناصر سياسية فأي مذهب – من المذاهب السياسية – اعتنقه افرادا اكثر عددا واثرا كان اكثرية .وكان الاخر اقلية .وعلي هذا يمكن فهم الاكثرية والاقلية في كل امة . وليس للدين دخل في ذلك ) .
ولتعميق الوطنية المصرية دعا لطفي السيد الي الأهتمام بدراسة حضارة مصر القديمة بل والأهتمام بتعلم لغاتها القديمة حتي يمكن قراءة النقوش المكتوبة علي الاثار بلغاتها الاصلية دون الحاجة الي ترجمة حديثة .ويقول عن اهمية هذه المعرفة (لا شك أن علم المصري بهذه الحقائق المسطورة علي الجدران في نحو القرن الخامس والثلاثين قبل الميلاد يخرج من نفسه القنوط "أي اليأس" من إرتقاء مصر ويجعل أراء الذين يقولون بعدم الاستعداد الطبيعي لمصر للاستقلال والسيادة من السخافة بمكان ) . ويلخص أستاذ الجيل هوية مصر في هذه العبارة الجامعة المانعة (أن مصر لا تتجزأ في عيوننا ؛في ضميرنا ؛ في قلوبنا ؛ أن مصر في أحساسي هي مصر الفرعونية ومصر القبطية ومصر الاسلامية ومصر المعاصرة علي السواء ؛لا نستطيع ان نتخلي عن يوم واحد من أيامها ؛عن لمحة واحدة من تاريخها ) ولقد أهتم الأستاذ أحمد لطفي السيد بقضية التربية اهتماما شديدا حتي أنه تولي وزارة المعارف "التربية والتعليم حاليا " عام 1928 . ولقد كتب مقالا هاما في جريدة الجريدة بتاريخ 5 سبتمبر 1912 قال فيه (وعندي أن التربية في مصر يجب ان ترمي الي غرضين أحدهما أن يسترد المصري فضائله الاجتماعية التي جني عليها الاستبداد الطويل بشرط ان يبقي مع ذلك مصريا . والثاني أن تسلح ملكاته بالعلوم والمعارف ليكون قادرا علي مزاحمة غيره في بلاده) . ولقد اراد لطفي السيد لمصر ان يكون لها دستور دائم لتباهي به أعظم الأمم ؛ وعن أهمية الدستور كتب قائلا (أما الدستور . فكنت أطالب به لأنه المرقاة التي ترقي به الامة الي الاستقلال الصحيح ؛ والحرية الكاملة ؛ولأنه يقرر سلطة الامة ؛ويحميها من أستبداد الفرد ويضمن الفصل بين كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية . والأستقلال بغير الدستور ؛وبغير الحياة النيابية ناقص . ولا كرامة ولا حرية لشعب لا دستور له .
أذن علينا نحن المصريين أن نترك فرنسا وانجلترا والدولة العلية . وأن نعتمد علي أنفسنا فقط في الحصول علي حقنا في الدستور وفي الحرية ) ولقد أشار لطفي السيد في أخر حديث له أجراه مع جريدة الأهرام في عدد الجمعة 4 أغسطس 1961 الي وجود نسخة نادرة وفريدة في مكتبته الخاصة من موسوعة "وصف مصر Description de l Egypt " والتي وضعها علماء الحملة الفرنسية علي مصر عام 1798 وتتكون من 24 مجلدا و14 اطلس حيث قال عنها بالحرف الواحد (أعملوا معروف حد يترجمها .شوفوا حد من الوزراء قولوا له ) ولتهدأ ولتطمئن روح أستاذ الجيل ؛ فبعد حوالي 41 سنة تحقق حلم أحمد لطفي السيد وتمت ترجمة الموسوعة الي اللغة العربية من خلال مهرجان القراءة للجميع خلال اعوام 2002 ؛2003 .