والآن ماذا ستفعلون يا أقباط مصر؟؟
بقلم: صبحي فؤاد
"الأقباط أخطأوا وعليهم أن يُعاقبوا، وقد تم إزالة الخطأ من قبل المسلمين، وانتهى الأمر"!.
هذا الكلام الخطير صرَّح به محافظ "أسوان"، اللواء "مصطفى السيد"، عقب تعدي المسلمين بقرية "الماريناب" بمركز "إدفو" على كنيسة تابعة للأقباط المسيحيين وحرقها، والأخطر أنه قبل أن ينطق بهذه الكلمات التي تمثِّل قمة العنصرية والتمييز، وتعتبر تحديًا صارخًا للقانون المصري والدولي، واحتقارًا لرجال القضاء والعدالة، قال الرجل الذي من المفروض أنه يتسم بالحيادية والحكمة بحكم موقعه، مبرِّرًا الجريمة البشعة التي حدثت نتيجة تحريض شيخ الجامع وأحد ضباط المباحث: "المسيحيين قاموا بمخالفة القانون حيث أوسعوا المساحة زيادة 4 متر عن المساحة المسموح بها.. الأمن تباطأ تجاه الأقباط، مما دفع الشباب المسلمين لهدم تلك المساحة بأيديهم."!!!
والله كدت لا أصدق أن هذا الرجل نطق بهذا الكلام الخطير لولا أني تأكدت من صحته من عدة مصادرمختلفة. هذا الرجل الذي من المفروض أنه يمثِّل الدولة بكل قياداتها وهيبتها ومؤسساتها، أعطى العذر للغوغاء والهمج والمتطرفين لكي يدوسوا بأحذيتهم القديمة على هبة الدولة وقوانينها، وانحاز بكل بجاحة وصفاقة وبدون وجه حق إليهم، مشجعًا بذلك على البلطجة والفوضى وتحويل "مصر" إلى غابة يبتلع فيها القوي الضعيف.
والذي صدمني أكثر، أنه رغم كذب المحافظ وتصريحاته المغلوطة المستفزة للأقباط، ورغم أن ما صرَّح به لا يستدعي فقط إقالته الفورية وإنما تقديمه لمحاكمة عسكرية بتهم متعددة، منها: الكذب، والتحريض على قتل الأقباط، والاعتداء عليهم وعلى دور عبادتهم وممتلكاتهم، واحتقار القانون والقضاء، وتعريض وحدة أبناء الشعب وأمن مصر القومي للخطر.. إلا أننا لم نرَ مسئولًا كبيرًا أو صغيرًا في الدولة قام بشجب ما حدث بقرية "الماريناب" بصعيد "مصر"، أو طالب بمحاسبة هذا المحافظ!!
حتى شيخ الأزهر ووزير الأوقاف لم يكلف واحد منهما خاطره لمحاسبة شيخ جامع القرية الذي حرَّض المسلمين على ارتكاب الجريمة البشعة، وكان له الفضل هو وضابط المباحث في حرق وهدم الكنيسة والاعتداء على أقباط القرية وممتلكاتهم، وإلحاق أضرار كبيرة بها!!.
الجميع التزموا الصمت كما جرت العادة في عهد الرئيس السابق "مبارك"، كما لو أنهم جميعًا يباركون ويؤيدون ويريدون أيضًا استمرار هذه الجرائم العنصرية التي تُرتكب ضد الأقباط، ربما للتضيق عليهم لدفعهم لترك البلد والهجرة إلى الخارج، أو الدخول في دين الدولة حتى تصبح "مصر" إمارة إسلامية مائة في المائة، خاليةً تمامًا من الكفار، أو ربما لأن كبار رجال الدولة يريدون إشغال الناس في اللعب بورقة "الطائفية" وسياسة "فرِّق تسد"، حتى لا يجد الشعب الوقت أو الجهد لمحاسبتهم على فشلهم وعجزهم في توفير لقمة العيش الكريمة للمواطن المصري الغلبان المطحون.
على أي حال، ما حدث منذ أيام قليلة في صعيد "مصر" ليس جديدًا على الأقباط، وكذلك سلوك المسئولين في "مصر"، وتكراره غدًا أو بعد الغد لا يُستبعد بأي حال من الأحوال، طالما التزمت قيادات الكنيسة القبطية إتباع سياسة المهادنة والإدعاء الكاذب أمام العالم أن الأقباط- رغم أن سجل الجرائم الدموية العنصرية ضدهم وصل إلى أرقام فلكية- لا يُعانون من اضطهاد رسمي متعمَّد من قبل الدولة وكافة مؤسساتها!!
وسؤالي هنا إلى المسيحيين في "مصر"، الذين لا يقلون بأي حال من الأحوال عن ربع السكان: والآن ماذا أنتم فاعلون بعدما أعلنها وقالها لكم بصريح العبارة محافظ "أسوان"، إذا تجرأتم وقمتم ببناء كنيسة لكم سنجعل البلطجية يهدونها فوق رؤوسكم ونتركهم ينهبون ويدمرون أملاككم ومتاجركم؟؟.. ماذا أنتم فاعلون بعد أن أفتى مفتي الديار المصرية بأنكم "كفار" ولم يجد من يحاسبه على هذا الكلام الخطير؟؟ إلى متى تظلون تتلقون الضربات والطعنات والإهانات وأنتم صامتون لا تتحركون للدفاع عن أنفسكم وعروضكم وكرامتكم مثل بقية خلق الله؟؟ إلى متى سوف تكتفون بترديد الآية التي تقول "أنتم تصمتون والرب يدافع عنكم"؟؟
إنني لا أطالبكم بمسايرة البلطجية أو الهمج الغوغاء المتطرفين، ولا أدعوكم أبدًا للرد عليهم بنفس العنف والوحشية والتعطش لسفك الدماء، ولكني أدعوكم للمطالبة بقوة بحقوقكم بكل الطرق السلمية المتاحة أمامكم.. أصروا على تغيير البند الثاني من الدستور الذي يقنن التعصب الرسمي والاضطهاد ضدكم.. اخرجوا عن بكرة أبيكم في مسيرات سلمية إلى شوارع العاصمة المصرية.. لا تخافوا من قول كلمة الحق؛ لأن الصامت عن قول الحق شيطان أخرس.. شاركوا بالملايين مع إخوتكم المسلمين المعتدلين في العمل السياسي والإعلامي والاجتماعي.. طالبوا الدولة بمقاعد لكم في البرلمان والوظائف الحساسة.. طالبوا بفتح ملفات جميع جرائم الإبادة العنصرية التي اُرتكبت ضدكم منذ تولي "السادات" الحكم وإلى الآن.. هذه الجرائم ضد الإنسانية لا تتساقط بمرور الوقت، وإذا رفضت الدولة فتح هذه الملفات، طالبوا الأمم المتحدة بالتحقيق فيها.. لا تخافوا إذا قالوا عنكم "خونة"؛ لأن الخونة هم الذين يقتلون الأشقاء المسالمين في الوطن ويدمرون ويحرقون دور عبادتهم.. الخونة هم الذين يسعون لتخريب وتمزيق الوطن، ويتاجرون بالدين الإسلامي لتحقيق أهداف مادية وسياسية لهم.
وأخيرًا، لي رجاء عند القيادات الكنسية، وهو إذا لم يكن عندهم القدرة أو الشجاعة على قول كلمة الحق تجاه ما يحدث للأقباط في "مصر"، فمن الأفضل والواجب عليهم التزام الصمت التام، وعدم الإدلاء تحت أي ظرف من الظروف بتصريحات غير واقعية، مجاملةً لأصحاب السلطة، وإرضاءًا لهم.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :