الأدبُ.. حين يحمينا من المزورين
مقالات مختارة | فاطمة ناعوت
الخميس ١٤ مارس ٢٠١٩
فاطمة ناعوت
بدايةً، أرجو أن يسامحَنى القارئُ على ما بالفقرة التالية من جرائمَ في حقِّ اللغة العربية، وفى حقِّ المنطق والقِيم، وفى حقِّ القضاء المصرى الشريف. مضطرة لنشر بوست ركيك حاشدٍ بأخطاء فوادحَ في النحو والإملاء والصوغ، في هذا المقال. فإن كان ناقلُ الجريمةِ مجرمًا، فأنا أعتذرُ عن جريمتى.
(((برافوو القضاء المصرى انزة قضاء في العالم. دول حولهم للمفتى بسرعة هي جلستين تلاتة واحكم عليهم بالاعدام وهما ملهمش أي علاقة باللى حصل وكل الادلة بتقول كدة ورهبان مش سايبين العالم ورايحين يقتلو في الدير يعنى ولية اية الدافع اصلا لكن اللى يدبح مسيحى في الشارع ولا يفجر كنيسة ويبقو متصورين فيديو لا دوول اقعدو سنتين تلاتة حاكمو فيهم وفى الاخر طلعوهم مختلين عقلين وطلعوهم برائة طيب روحو اعملو حاجة للاخوان اللى في السجون اللى بقالهم سنين بيتحاكمو ومش هتعرفو تعملو معاهم حاجة للاسف لانكم خايفين منهم ومن اللى وراهم لكن دول غلابة محدش هيبكى عليهم لكن ربنا مش هيسكت. ياريت محدش يتجاهل كله ينشر ويشير علشان تتعرف الحقيقة دى اهانه لكل المسيحية احنا راضيين أن نموت ونتعذب ونتهان بس مش على حساب الدين الساكت عن الحق شيطان اخرس مش كويس لما يقول الراهب قتل أبوه الروحى محدش يسكت متقولش انا مش هقدر اعمل انت بس شير وانت قاعد في مكانك هاتبقى عملت حاجة كبيره أصحوا ودافعوا عن كنيستكم علق ب تم ولايك للبدج ليصلك كل منشوراتنا.))).
انتهتِ الفقرةُ الركيكةُ، التي نقلتُها بأخطائها ووضعتُها بين أقواس كثيرة، كأنما لأُخفيها عن عيونكم. لكن الجرائمَ لم تنتهِ عند ركاكتها اللغوية والفكرية، بل اكتملت بجريمةٍ أبشع وأكثر مدعاةً للحزن. هذا الكلامُ الركيكُ، الذي حتمًا لم تفهموا منه إلا القليلَ، نَسَبَه لى شخصٌ أحمقُ كذوبٌ عديمُ الشرف!!.
قبل أيام، صحوتُ على رسالة عتاب من أحد قرائى من أشقائى المسيحيين، لأننى «شكَّكتُ في نزاهة حكم القضاء المصرى على الراهب في قضية اغتيال الأنبا إبيفانيوس، رحمه الله». اندهشتُ للغاية، لأننى لم أقل كلمةً واحدة في ذلك الشأن، لا في مقال، ولا تغريدة، ولا تصريح ولا حوار ولا لقاء! فذاك شأنٌ جنائيٌّ ليس لى أو لغيرى أن يتناوله، إلا سلكُ القضاء، وفقط! فتحتُ حاسوبى وصُعِقت، إذْ وجدت ذاك الغثاءَ ملءَ السماء والأرض في السوشيال ميديا، ممهورًا بعبارة: «كتبتْ: فاطمة ناعوت»!!. ثم بدأ هاتفى في الرنين دون توقف. ما بين مُستنكرٍ وغاضبٍ، وما بين غير مصدّق أن ذلك الهراءَ نتاجُ قلمى، وما بين مُستاء ممن نسبوه لى ذلك بالكذب، وما بين مُطالِب لى باتخاذ الإجراء القانونى ضد المواقع التي نشرت ذلك الهراء على لسانى، وإلى آخر ذلك. ومع مرور الساعات كان البوست قد خضع للتناقل Share مئات الآلاف من المرات بين المواقع والصفحات، المسيحية في معظمها. أصدرتُ بيانًا توضيحيًّا على صفحاتى الرسمية الموثقة (Verified) على فيسبوك/ تويتر/ انستجرام، فتوالت الاعتذاراتُ الجماعية من المواقع التي نقلت البوست المفبرك، وقام معظمُها بحذفه من صفحاتهم. وأعلن مديرو الصفحات أن الجميع أخذوه من صفحة اسمها: «التراس فاطمة ناعوت»، ظنًّا منهم أنها صفحتى!. وهنا أتوقّف لأندهش قليلا! هل هناك شخصٌ عاقلٌ يُنشئ صفحةً عنوانها «التراس نفسه»؟! مهما بلغت درجةُ نرجسيته وشذوذه، وجنونه! لم يفكّر الأشاوسُ، وهم ينشرون الفبركات، أن يدخلوا إحدى صفحاتى الرسمية ليتأكدوا من صحّة نسب ذلك البوست لى!.
كلُّ ما سبق هو الجانبُ المظلمُ من الحكاية. أمّا جانبُها المشرق، فهو أن آلاف المُعلقين الأذكياء شكّكوا في نَسَب البوست المفبرك لى. ليس فقط بسبب محتواه غير الأخلاقى الذي لم يحترم أحكام القضاء، بل كذلك بسبب الأخطاء اللغوية التي لا يقعُ فيها مثلى. هذا أبهجنى! لأننى اطمأننتُ إلى أن الحصفاءَ كثيرون، وأن اللغة العربية لم تمت على ألسننا بعد. معظم المعلقين أعلنوا أنهم لم يكملوا قراءة البوست بعد كلمة «انزة»، التي أكدتْ لهم أننى لستُ كاتبته. وكتب زوجى على صفحته: «هذه ليست لغة فاطمة ناعوت، ولا تلك مفرداتها! ومَن مثلها يحترم القضاء ولا يتدخل في قراراته؟!».
أما التعليق المُدهش فجاء على لسان قارئ يقول: (مَن قرأ حرفَكِ ميّزَه. فالتى كتبتْ: «يُذيبُ الموتَ في الكوبِ الغافل»؛ لن تكتب: «انزة»، «طاب روحوا اعملوا»). هكذا يُنقذنا الأدبُ الرفيعُ، واحترامُ اللغة، وحُسنُ البيان، من القراصنة المزورين.
وفى مقالٍ قادم ربما أحكى لكم كيف أنقذنى الأدبُ من قرصنة أدبية عكسية تعرضتُ لها قبل سنوات على يد كاتبٍ قطرىّ لصٍّ سرق إبداعى. واكتشفَ السرقةَ قارئٌ مثقفٌ عن طريق «الأسلوبية»، و«تنضيد الحروف». الدينُ لله، والقلمُ لَمن يُجيدُ الأدبَ، والوطنُ لَمن يُحبُّ الوطن.
نقلا عن المصرى اليوم