الأقباط متحدون - تجربتى الذاتية والجدل حول الدستور
  • ٠٨:٣٢
  • الخميس , ١٤ مارس ٢٠١٩
English version

تجربتى الذاتية والجدل حول الدستور

مقالات مختارة | نوال السعداوي

٠٠: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ١٤ مارس ٢٠١٩

نوال السعداوي
نوال السعداوي

نوال السعداوي
    الدساتير، مثالية، نظريا، تكفل للجميع حقوقهم، دون تمييز. لكن الواقع يشهد أنها ليست إلا حبرا على ورق. الضمان الوحيد، لتطبيق الدستور، أن يكون للشعب بمختلف فئاته، قوة سياسية واعية منظمة، تعبر وتدافع عن مصالحه. وتنتزع حقوقه من براثن السلطة. لم يستطع الشعب المصري، إلا الطبقة السائدة بمالها ونفوذها، أن يصبح قوة سياسية، واجتماعية، وثقافية، واعية، قادرة على منح حقوقه الدستورية، ولم يشارك أصلا فى كتابة الدستور، سواء كانوا من النساء أو العمال أو الفلاحين، وغيرها من المهن، التى ليس لها اتحادات أو نقابات أو جمعيات أو أحزاب سياسية، تعبر عن حقوقها. لا يزال غالبية الشعب المصرى خارج الجدل الدائر حول التعديلات الدستورية.

    مررت بتجربة مهمة فى الشهور الأخيرة، مع أحد أساتذة طب العيون فى مصر، أجرى لى عملية الكتاراكت (المياه البيضاء). ذهبت الى المستشفى الحكومي، وطلبت مقابلته قبل إجراء العملية. أحالونى إلى مساعديه، أطباء حديثى التخرج، يتدربون على حساب صحة المرضى البسطاء، والمريضات الفقيرات. أخبرونى أننى أستطيع مقابلة الاستشارى الكبير، فى عيادته أو مستشفاه الخاص.سألت فى المستشفى الخاص عن تكلفة العملية، فعرفت أنها 8 آلاف جنيه للعين الواحدة، أى 16 ألف جنيه للعينين. ولأننى لا أستطيع تحمل هذا المبلغ، اضطررت إلى إجراء العملية في

    المستشفى الحكومي. بعد العملية، شعرت بتدهور فى بصري، وأننى غير قادرة على قراءة الحروف والكلمات. طلبت مقابلة الاستشارى الكبير، الذى أجرى لى العملية، لإبلاغه بتدهور بصري، دون جدوي. لم يقابلنى هذا الأستاذ مرة واحدة، قبل العملية أو بعدها. هاتفته فى عيادته، جاءنى صوت جاف متغطرس متعجل يقول: الدكتور بيقولك روحى لمساعديه فى المستشفي.

    وبدأت جولتى بين أطباء العيون فى مصر. نصحنى أحدهم بعمل أشعة، والتى أوضحت إصابة شبكية العين أثناء العملية، ولابد من أخذ حقنة فى عينى مرة كل شهر، ثمنها آلاف الجنيهات. وهى تحافظ على البقية الباقية، ولا تعيد البصر إلى ما كان. واختلف الأطباء عن سبب اصابة الشبكية. قال بعضهم: العدسة التى زرعت مقاسها كان غلط بسبب الإهمال. وقال بعضهم: الموجات الصوتية التى استخدمت فى العملية أثرت على الشبكية بسبب الإهمال أيضا. وقال زميلى الطبيب: ربما التقدم فى العمر.. ولكنك يا دكتورة نوال كنت شعلة من النشاط وقوة الجسم والبصر قبل العملية.. تقرأين وتكتبين وتسافرين وتمارسين الرياضة.. لم تذهبى فى حياتك الى طبيب ولم تأخذى على مدى عمرك حبة دواء. قال طبيب آخر ساخرا: ربما هذا الاستشارى من السلفيين أو من الاخوان وأراد الانتقام منك ومن كتبك فأحدث عاهة مستديمة فى عينك. والآن أنا أسأل هؤلاء المتصارعين حول التعديلات الدستورية، ونسبة العمال والفلاحين فى البرلمان، وتزاوج السلطة والمال، واستشراء نفوذ رجال الأعمال، فى البرلمان بعد إقرار الانفتاح، وما يسمى تحرير الاقتصاد المصرى فى عام 1974، والمراوغة السياسية بحقوق الشعب، والمتاجرة بالليبرالية أو الرأسمالية، أو الاشتراكية، وحرية السوق العالمية والمحلية فى الغش، حتى أصبحت واحدة مثلى من الطبيبات والكاتبات من أفراد الطبقة الوسطى التى تلاشت حقوقها وأصبحت ضمن الفقراء والفقيرات بحيث لا أملك ثمن علاج عينى أن أصيبت بخطأ طبي، ولا أملك محاسبة الاستشارى الكبير من الطبقة العليا الذى تسبب فى إصابتى بعاهة مستديمة.

    كيف يمكن للدستور أن يحمى حقوق الشعب المصري، من تجارب مماثلة، تحدث يوميا، بسبب أخطاء الأطباء، أو غيرهم من مزاولى المهن الحرة، لإهمالهم وجشعهم وغطرستهم وجهلهم واحتقارهم لمنْ لا يملك المال والسلطة مثلى وغيرى من غالبية النساء والرجال؟. وقد شاهدنا الطبيب الذى أجرى الختان لبدور أو ميار أو غيرهما، فماتت الطفلة ولم يعاقب الطبيب؟.

    يقول بعض الناس إن خطأ الطبيب إصابة ألأقدار لتبرئة الطبيب المذنب وإلقاء المسئولية على القدر.

    كيف يمكن تطبيق بنود الدستور التى تنص على العدالة وحق المواطن المصرى فى االصحة الجيدة، والتعليم الجيد، وحرية الفكر والإبداع والرأي، لكل أفراد الشعب، وليس فقط لـ 1% من الشعب.
نقلا عن الحوار المتمن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع