نجيب الريحاني.. شابلن العرب الذي خانه والده .. استدعاه النائب العام الانجليزي لنفيه إلى مالطة (بروفيل)
رومانى صبري
الاربعاء ١٣ مارس ٢٠١٩
كتب – روماني صبري
زعيم المسرح الفكاهي
أطلق عليه النقاد لقب "زعيم المسرح الفكاهي" في الشرق الأوسط ، حيث احتل مكانة كبيرة في قلوب المصريين والعرب ، صاحب مدرسة الكوميديا السوداء ، كل من شاهد أفلامه وقتها لم يخرج عاضا أصبع الندم باكيا يقول : الفيلم سيء مثل بطله ، انه الفنان العظيم "نجيب الريحاني " .
شارلي شابلن العرب
ومن أهم الألقاب التي حصل عليها الريحاني ، شارلي شابلن العرب ، موليير الشرق، كشكش بك، ومثل الريحاني عند الجمهور البطل الشعبي ، الذي يشبههم ويشبه حياتهم البسيطة ، ما جعله يحظى بإعجاب الشعب العربي منتصف القرن الماضي .
البداية
ولد نجيب أبو إلياس ريحان عام 1892 ، في درب مصطفى بباب الشعرية ، من أب تاجر ينحدر من بلدة ريحان العراقية ، وأم من صعيد مصر ، وكان ترتيبه الثاني بين إخوته الثلاثة ، التحق الريحاني بمدرسة الفرير وتعلم اللغة الفرنسية ، بعد نصيحة من صديق والده ، بان تعلم اللغات يجلب الوظائف المرموقة .
الريحاني ومولير
أتقن الريحاني اللغة الفرنسية ، ما جعله يقوم بترجمة معظم أعمال الأديب الفرنسي الساخر موليير الذي اثر علي شخصيته بعد ذلك بشكل كبير.
المأساة الأولى
عاش الريحاني حياة ميسورة في طفولته وشبابه ، لكن الحياة لا تسير بشكل جيد دائما ، حيث رحل أبيه وكان وقتها على وشك إنهاء البكالوريا ، ما جعله يترك الدراسة ، بعد أن علم أن والده كتب كل أملاكه لابنه شقيقته ، تحت مزاعم أن أولاده يستطيعون العمل ، وبعد تلك الواقعة تمكن الحزن من الريحاني وأصبح يرى الحياة من منظور أخر .
الريحاني والمسرح
شعر الريحاني بضعف وحزن ، بعدما اطلع على وصية أبيه ، ملأته مشاعر حزينة وقتها ، وألم حط رحاله داخله ، ودائما ما شعر الإنسان بحجم أحزانه ، وأدرك أن تعزيات الآخرين لن تشفي جراحه ، وقد أيقن الريحاني هذه الحقيقة جيدا ، لذلك قرر العمل بالفن ، من خلال المسرح والسينما ، ليعبرعن الألم بفلسفة كوميدية .. أقول وبكل صدق أن عمالقة الكوميديا الأوائل ، مثل شارلي شابلن ، باستر كيتون ، لوريل وهاردي ، لم يبرعوا في مدرسة الفلسفة الكوميدية مثل الريحاني .
سينما المحبة والسلام
وحمل الريحاني على عاتقه نشر المحبة والتسامح ، وأفلامه مسرحياته كشفت عن هذه الحقيقية بشكل كبير ، حيث ركز في أفلامه ومسرحياته على نبذ العنف ، واحترام الإنسان أيا كان لونه أو وضعه الاجتماعي ، بشكل بسيط غير معقد ، لذلك سخر كثيرا من الطبقة البسيطة التي تعتنق المادية وتتغير عندما تقفز من قاع الفقر إلى قمة الثراء ، وفيلم لعبة الست كان اكبر دليلا على ذلك .
استدعاء هورن يلور
وقال الريحاني في مذكراته : كان مسرحنا يخرج كل ليلة قرابة 500 شخص بين رجل وسيدة، وشاب وفتاة، وقد تأججوا وطنية وحماسا، وفعلت فيهم المونولوجات التي ألقيت عليهم فعل السحر، واقض نشاطنا وحماسنا مضاجع الانجليز، وقد استدعاني (هورن يلور) النائب العام الانجليزي في ذلك الوقت، وفاجأني بقوله: أنت تعرف مالطة ؟
فقلت : أظن هواها مش بطال.
قال : تحب تغير هوا هناك ؟
فقلت : يبقى إذن منفى!! واستطردت : ضع نفسك في مكاني وهب انك مصري فماذا يكون موقفك مني؟! هل يلام من يطلب تحرير بلاده من ربقة المحتل!! هل ترضى بريطانيا أن تكون في يوم ما محتلة من المصريين!! وان يضرب المصريون الانجليز بالرصاص في الشوارع!! وينفوهم لأنهم يطلبون الجلاء عن بلادهم، فلم يرد الرجل. وبعد صمت طويل طلب مني أن أخفف من نشاطي وحماسي الفني ، وإلا سيكون مصيري النفي إلى مالطة، فقلت: إنني مصري قبل كل شيء، ولتفعل القوة ما تشاء ، وحتى الآن لم أذهب إلى مالطة.
المسرح مع بديع خيري
وقدم الريحاني مع بديع خيري، الذي عرف بتوأمه في الكوميديا 33 مسرحية ومنها مسرحية الجنيه المصري عام 1931 ، الدنيا لما تضحك عام 1934 ، الستات مايعرفوش يكدبوا ، حكم قراقوش عام 1936 ، قسمتي، لو كنت حليوة ، الدلوعة عام 1939 ،استني بختك ، حكاية كل يوم ، الرجالة مايعرفوش يكدبوا ، الدنيا بتلف، إلا خمسة عام 1943 ،حسن ومرقص وكوهين عام 1945 تعاليلى يا بطة ، بكره في المشمش، كشكش بك في باريس، وصية كشكش ب،خللى بالك من إبليس، ريا وسكينة عام 1921.
أفلامه
ومن أفلامه ،صاحب السعادة كشكش بيه 1931، حوادث كشكش بيه 193، ،ياقوت أفندي في عام 1934،.بسلامته عايز يتجوز عام 1936، سلامة في خير ، أبو حلموس 1947، لعبة الست 1946، سي عمر عام 1941،غزل البنات عام 1949.
الرحيل
بسبب نقص الرعايا الصحية وقتها ، مات الريحاني عام 1949 بداء التيفود . بعدما اعطته ممرضته في المستشفي اليوناني، جرعة زائدة من عقار الاكرومايسين .
يرثي نفسه بنفسه
رثى الريحاني نفسه قبل وفاته ب 15 يوما ، قائلا :"
مات نجيب مات الرجل الذي اشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء إذا كان للسماء طوب مات نجيب الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب مات الرجل الذي لا يعرف إلا الصراحة في زمن النفاق ولم يعرف إلا البحبوحة في زمن البخل والشح .. مات الريحانى في 60 ألف سلامة .
رثاء طه حسين للريحاني
رثاه الأديب المصري الكبير طه حسين ، بعد رحيله عن عالمنا ، قائلا :" كان الريحاني فنانا فريدا في عصره ، لقد أرسل نفسه على سجيتها، فملأ مصر فرحا ومرحا وتسلية وتعزية، ولو فرغ الريحاني لنفسه وعكف على فنه وتأنى في الإنتاج لكان آية من آيات التمثيل لا أقول في الشرق بل أقول في العالم كله ، لقد كان نجيب الريحاني ممثلا عبقريا ما في ذلك شك ، رأى الناس محزونين يلتمسون عنده العزاء والرضا والتخفف من أعباء الحياة حين يتقدم النهار وحين يقبل الليل، فمنحهم ما كانوا يلتمسون من غير بخل ولا تردد .