مدحت بشاى يكتب: المتعصبون والحوار المستحيل !!
مقالات مختارة | مدحت بشاى
الاربعاء ١٣ مارس ٢٠١٩
مدحت بشاى
على صفحته الفسبوكية كتب صديقى «أحمد خالد سليم» بحروفه : «بمناسبة العاصفة إللى قامت ضد الهتاف العنصرى لمو صلاح، أتذكر وأنا طفل أثناء إذاعة مباراة بين مصر وإحدى الدول الإفريقية، وكان الحكم إفريقيًا (أسود البشرة)، ومعلق المباراة كان الكابتن محمد لطيف ( غير اللطيف فى هذه الواقعة فى الحقيقة ).. المهم، حدث أن أحد لاعبى فريقنا الوطنى اعترض على الحكم فأراد الحكم منحه إنذارًا كعقوبة، فحاول اللاعب الاعتذار له تجنبًا للحصول على الإنذار.. ولكن الحكم أصر على إشهار الكارت فى وجه اللاعب.. وهنا تعصب «لطيف»، وصرخ فى الميكروفون موجها كلامه إلى اللاعب « إيه اللى يخليك تعمل كده و تضطر تعتذر لواحد أسود وتخليه يديك إنذار ؟!».. المعلق ده كان أشهر معلق مصرى ولاعبًا قديمًا، والغريبة لم يلتفت أحد لعنصريته البغيضة فى تلك الوقفة الإعلامية، ولم ينتفض الرأى العام آنئذٍ لعنصريته كذلك، الحقيقة إحنا لازم نعترف إننا المادة الخام للعنصرية غير المفهومة وغير المبررة» !!
إنه التعصب والشيفونية الساذجة يا صديقى «أحمد»، عندما تمتلكنا بداية بما يحدث فى ملاعبنا حتى ونحن نلعب، فالمنافس صار خصمًا، والمباراة بين بشر فى حالة نزال، وبدلًا من الاستمتاع، ونحن نلعب ونسعد بما يجب أن نردده حول روح الفانلة الفلانية بروح رياضية، يدفعنا التعصب والانفعال العصبى المرضى لارتكاب الأخطاء والخطايا، والتى بسببها تم إخراج فرقنا من بطولات بسبب حجارة ألقيت من متعصب مجنون !!!، وفى مناسبات أخرى أحداث كارثية راح ضحاياها العشرات قضوا وأصيبوا، وسالت دماء شباب فى عمر الزهور على مدرجات العنف، وبسببها باتت الآن تلك المدرجات خالية تنعى فقدان آهات الإعجاب وصرخات التشجيع، وباتت الفرجة عن بعد عبر شاشات التلفاز، ليعم الضرر اللعبة وممارسيها ومشجعيها والنوادى والفرق الوطنية !!!
لقد عرف العلماء «التعصّب» على أنّه الانتماء الزائد والجنونى إلى جماعة، أو دين، أو عقيدة. ويشكّل «المتعصّبون» فرقًا متشددة فيما يقولون ويطرحون، وتربطهم بعضهم ببعض خيوط «عصبيّة» تُنظم وتيسر وتضمن عمليات الإحساس والحركة بينهم كما العصب فى الجسم. وهذا «التعصّب» يجعل المتعصّب يعيش فى عزلة وغربة وانكفاء على الذات، ويبقى لذلك حماسه للعقيدة أو الفكرة حد البعد ومجافاة أتباع العقائد الأخرى !
وعليه، كان تعريف الكاتب الفرنسى فولتير (1694-1778) للتعصب أنه هوس دينى فظيع، مرض معدٍ يُصيب العقل كالجدرى. وهؤلاء المتعصّبون قضاة ذوو أعصاب باردة يحكمون بالإعدام على الأبرياء الذين لم ينتهجوا نهجهم الفكرى، ولم يؤمنوا بآيات، معتقدهم لأن المؤمن بعقيدة يعتقد، وهذا يعنى أنّه لا يعرف. وذلك لأنّ الإله العظيم، فى أى دين كان، لا يُدرَك فى علاه. وهذا يعنى أنّ الشكّ هو جزء من الإيمان، وإلا فإنّنا لا نتحدّث عن إيمان بل عن معرفة. أمّا المتعّصب فيدّعى المعرفة، وهو بالتالى لا يشكّ لحظة، ولا يحب الحوار بعد معرفة محاوره لأنّه يعتقد أنّ رأيه لا يحتمل أى نقد، فيبدو تشبّثه حالة مماثلة للعُصاب القهرى.
ويؤكد العلماء أن شخصيّة المتعصّب مصابة بهوس العظمة يرافقه شعور بالاضطهاد أيضًا، وهو على مقدار كبير من الذُهان الهذيانى والمازوشيّة. هذه الملامح كلّها صفات من شأنها أن تفسّر رغبته فى الموت شهيدًا من أجل معتقده. ففى مفهومه للواقع، الآخرون يعيشون فى الخطأ وهم يشكلّون بالنسبة إليه تهديدًا لاستمراريّة نظرته الخاصّة إلى العالم، لذلك يتوقّف المتعصّب عن التساؤل والشكّ ليحتفظ بحقيقة واحدة تتطابق مع قناعته، وهذا ما يجعله يخشى أن يتناقش مع الآخر ويركز تفكيره على فكرة، أو قيمة واحدة، أو تراث سلف.
نقلا عن الصباح