سعيد الشحات يكتب ذات يوم.. 13 مارس 1937.. طه حسين يرفض دعوة الإخوان والأزهر بالفصل بين طلاب الجامعة
الاربعاء ١٣ مارس ٢٠١٩
سعيد الشحات
يروى أحمد لطفى السيد، أول رئيس لجامعة فؤاد الأول، «جامعة القاهرة»، أنه فى أول سنة لافتتاح الجامعة طلب منه بعض عميدى الكليات قبول البنات الحائزات على البكالوريا «الثانوية العامة» فيها، فقال لهم إن هذه المسألة شائكة، وأشك فى رضا الحكومة عنها، ويؤكد «السيد» فى مذكراته قصة حياتى «الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة»: «قررنا فيما بيننا أن نقبل البنات الحائزات على البكالوريا، من غير أن تثار هذه المسألة فى الصحف أو فى الخطب حتى نضع الرأى العام والحكومة أمام الأمر الواقع، ونجحنا فى ذلك، لكن بعد السير على هذا النهج عشر سنوات، قامت ضجة تنكر علينا هذا الاختلاط».
يتتبع الدكتور رءوف عباس فى كتابه «تاريخ جامعة القاهرة»، هذه القضية من بداياتها، مشيرا إلى أن «لطفى السيد» تعاون على إنجاح المشروع بإبقائه طى الكتمان، واعتمد على أن القانون الأساسى للجامعة يبيح التحاق «المصريين بها» وهو لفظ الجمع، الذى يشمل البنين والبنات، وفى عام 1929 التحق 17 طالبة منهن ثمانى طالبات بكلية العلوم وأربع بالآداب والطب، وطالبة واحدة بكلية الحقوق، ويضيف «عباس» أن عاما بعد عام تزايدت أعداد الطالبات، لكن كان هناك من يترصد هذه الحالة، فأثار ضجة ضدها، وحسب «عباس»: «قدم النائب عبدالحميد سعيد (مؤسس جمعية شبان المسلمين) استجوابا فى فبراير 1932 لوزير المعارف، لنشر جريدة الأهرام صورة للدكتور طه حسين، وحوله لفيف من الطلبة والطالبات، معبرا عن دهشته لهذه الصورة، بعد أن صرح الوزير بأنه «لا يسمح بالاختلاط الجنسى فى معاهد التعليم»، وعد النائب نشر الصورة دليلا على «عدم احترام الشعور الدينى والآداب القومية»، ورد الوزير على الاستجواب، بأن الصورة فى اجتماع بنادى طلبة الجامعة، وأن الجامعة نبهت على الطالبات بعدم دخول هذا النادى، وعلى ذلك فلن يتكرر ما حدث».
أثير الموضوع مع انتشار حركة الإخوان بين طلاب الجامعة، ويعتبره رءوف عباس، جزءا من الصراع السياسى بين الوفد والقصر عندئذ، مضيفًا: «أثار بعض الأزهريين قضية الاختلاط، كما انضم إليهم بعض شباب الإخوان داخل الجامعة، فتقدم بعض طلبة الحقوق بمذكرة إلى مدير الجامعة، وعميدى الكليات وأعضاء هيئة التدريس يطالبون فيها بتخصيص جانب من المناهج الثقافية الدينية فى جميع الكليات، وبتوحيد زى الطلبة وتمييز كل كلية بشارة خاصة يحملها الطلاب وتوحيد زى الطالبات وفصلهن عن الطلبة، وتخصيص دراسة خاصة بهن، وتقدم بعض طلبة كلية الطب وكلية التجارة بمذكرتين بنفس المعنى إلى إدارة الجامعة. يضيف عباس «أن الأزهر رمى بالقفاز فى وجه الجامعة فنشر الأهرام حديثا لشيخ الأزهر عبر فيه عن سروره بالمذكرة التى قدمها الطلاب،وكان لهذا الحديث أثره فى إثارة طلبة الأزهر فقاموا بمظاهرات تأييد للمطالبين بعدم الاختلاط بتشجيع من شيوخ كليات الأزهر».
تصدى الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب لهذه الدعوة، ففى حديث لجريدة «المصرى» يوم 13 مارس (مثل هذا اليوم) 1937، قال فيه إنه لا يعرف فى القرآن ولا فى السنة نصا يحرم على الفتيات والفتيان أن يجتمعن فى حلقة من حلقات الدرس حول أستاذ يعلمهم العلم والأدب والفن، وإن الجامعة لم تحدث حدثا، ولم تخرج على نص من نصوص الدين، وأبدى تعجبه لأن الفتيان والفتيات كانوا يجتمعون فى دروسهم الجامعية فى عهد الحكومات السابقة، فهل كان المطالبون بهذا نائمين فى العهد الماضى ثم استيقظوا فى هذه الأيام».
وشن هجومًا على الأزهريين، الذين لم يعارضوا فى مسألة الاختلاط فى عهود صدقى باشا وعبد الفتاح يحيى باشا وتوفيق نسيم باشا وعلى ماهر باشا، مما يعنى أن الهدف من الحملة سياسى محض، وقال إن الدستور لا يبيح للحكومة أن تحرم التعليم العالى على الفتيات بأية حال من الأحوال، والظروف المالية لا تبيح للحكومة أن تنشئ جامعة خاصة للبنات، وأعلن أن الجامعيين لا يتلقون أمرا من معهد آخر مهما كان شأنه، وليحترم الأزهر استقلال الجامعة كما تحترم الجامعة استقلال الأزهر، وطالب الأزهريين بأن يتركوا مسألة الدين للطلبة أنفسهم فليس بين طلاب الجامعة قاصرا ولا عاجزا عن تثقيف نفسه فى الدين، والكليات ليست مدارس ابتدائية ولا ثانوية، وإنما طلاب الكليات راشدون يستطيعون أن يتعلموا الدين إن أرادوا»...!!