الأقباط متحدون - سببان للنجاح: الكمبيوتر والدستور!
  • ٠٥:٢١
  • الثلاثاء , ١٢ مارس ٢٠١٩
English version

سببان للنجاح: الكمبيوتر والدستور!

مقالات مختارة | عبد المنعم سعيد

٤٤: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٢ مارس ٢٠١٩

عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد

عبد المنعم سعيد
كتب «توماس فريدمان» فى صحيفة «النيويورك تايمز» مقالًا مهمًا بتاريخ ١٢ فبراير المنصرم بعنوان «قانونان يجب أن يعرفهما أطفالك» لكى ينجحوا فى الجامعة والحياة.

والمقال يستند إلى الحوار داخل الجماعة المشرفة على امتحان الدخول إلى الجامعات الأمريكية؛ حيث تساءل هؤلاء عن القوانين أو الشفرات «Codes» التى على الطلاب أن يعرفوها حتى ينجحوا فى حياتهم العلمية والعملية، وتوصلوا بعد نقاشات وحوارات ودراسات أن هناك أمرين ينبغى على الجيل الشاب أن يعرفها: الكمبيوتر والدستور.

وللوهلة الأولى، لا تبدو هناك علاقة واضحة بين الآلة والقانون الأعلى فى البلاد لأى بلد كان حتى ولو كان الولايات المتحدة الأمريكية؛ وفى مصر فإن النقاش الجارى الآن حول تعديل الدستور، الذى كثيرا ما يرد فيه الحديث عن التعديلات الدستورية الأمريكية (٢٧ تعديلاً)، فإن أحدًا لم يرِد بباله ربطها بالكمبيوتر، ولا حتى ربطها بالتاريخ الأمريكى والظروف التى جرت فيها عمليات التعديل هذه حتى نكون على بينة من الأمر.

والحقيقة هنا أن ربط الأمرين معا يطرح علاقة «المواطن» بالحياة فى مجتمع بعينه، فهو لن يكون مواطنًا صالحًا لا يعيش فقط فى مجتمعه، وإنما يكون مساهمًا أيضا فى بنائه ومشاركا فى قراراته، فإنه لا يحدث دون معرفة بالقوانين التى تنظمه، خاصة ما يتعلق بالدستور.

وإذا كان المواطن منتجا بأى شكل عاملا أو مدرسا أو فنانا فإنه لن يكون مساهما أو مشاركا فى تنمية بلده إلا إذا كان متمكنا من عمل الكمبيوتر الذى يأتى معه الإنترنت والتعامل مع قواعد البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعى، وكلها أصبحت حجر البناء فى كل صناعة، حيث إن الطالب الذى يتمكن منها فيعرف شفرتها وبرامجها ونظمها سوف يكون مؤهلا للحصول على الوظيفة التى يريدها، والعمل الذى يرغب فيه، والمستقبل الذى يصل إليه.

ونقلا عن جماعة اختبار الدخول إلى الجامعات ذكر فريدمان أنه «فى نفس الوقت فإن الدستور يمثل القانون المؤسس الذى يعطى شكلا لأمريكا ويحدد حرياته الأساسية، إنه الدليل لحياتنا كمواطنين منتجين».

لا توجد نية هنا لترجمة بقية مقال توماس فريدمان، ويكفى أن ما جاءت به جماعة الاختبار كان سببا فى طفرة كبيرة فى التعليم الجامعى الأمريكى فيما تعلق بدراسة الدستور والكمبيوتر، حيث تكالب الطلاب خاصة من الأقليات على دراستهما وإجادة المعرفة بشأنهما.

وفى الحقيقة، دراسة الدستور أو المادة «101» التى تتعلق بدراسة الدستور ونظام الحكم الأمريكى هى فرض عين على كل طالب أمريكى يدخل الجامعة، وحتى على أى طالب يدرس فى الجامعة، وهو ما جرى مع الطالب القادم من الباجور بمحافظة المنوفية فى دولة مصر الواقعة فى قارة أفريقيا فى خريف عام ١٩٧٧، عندما بدأ الدراسات العليا فى جامعة شمال إلينوى بالولايات المتحدة.

المسألة هنا لم تكن دراسة مادة ذات طبيعة قانونية، وإنما وثيقة ذات علاقة مباشرة بالحياة وجوانبها المتعددة الإنتاجية والأخلاقية، كما جرت فى سلسلة طويلة من السوابق والاختبارات التاريخية التى شملت الثورة الأمريكية والحرب الأهلية وحربين عالميتين.

ولمن لا يعلم، الدستور الأمريكى من الدساتير التى يطلق عليها أنها «بسيطة»؛ فمواده سبع، ورد عليها ٢٧ تعديلًا على مدى قرنين من السنوات، ظلت فيها الوثيقة الأصلية محافظة على أركانها ومبادئها الرئيسية فى الفصل وتوازن السلطات وتحقيق المبادئ السامية التى جاءت فى إعلان الاستقلال الأمريكى الذى ظل دوما يعبر عن وثيقة «فوق دستورية» ظلت ملهمة للتعديلات التى جاءت بعد ذلك.

المعضلة فى مصر- وعلى مجلس النواب مواجهتها عندما تبدأ مناقشات الدستور- أن الحياة الدستورية المصرية تبدلت وتقلبت وتعدلت منذ قيام الدولة المصرية فى عام ١٩٢٢، وقاطعتها أحيانا إعلانات دستورية ودساتير مؤقتة.

وللحق، ففى وقت من الأوقات كانت الإشارة للدستور المصرى ونظام الحكم فى الدولة المصرية- تحدث فى مادة تعرف بالتربية الوطنية أو المجتمع العربى، وتدرس للطلبة المصريين الذين لم يأخذوها دائما بالجدية التى تستحقها.

ولأسباب لا أعرفها، فإن هذه المادة سقطت من التعليم المصرى، ربما لأن القائمين عليه لم يأخذوا أيضا الدستور ونظام الحكم بالجدية التى يستحقها بسبب كثرة التغييرات التى ألمت بكليهما خلال العقود الماضية.

هذه المرة، وطالما قرر مجلس النواب القيام بمراجعة الدستور الحالى، فى ظل التعديلات المقترحة، فربما يكون من الحكمة أن تكون نتائج النقاش تقود إلى دستور يجعل مصر أفضل مما كانت، ويجعل المصريين أكثر سعادة، ويكون رابطا لما فى الحياة من إنتاج وقواعد للتواصل والمشاركة.

فحتى الآن، المجتمع المفكر والمهتم فى مصر انقسم إلى المؤيدين للتعديلات، والمعارضين لها من حيث المبدأ؛ وبعد ذلك يوجد من يتحفظون على تعديلات بعينها ويوافقون على البعض الآخر، ويعدلون على التعديلات فى البعض الثالث؛ وأخيرا هناك من لا يريدون تعديلات جديدة، وإنما دستورا جديدا كلية.

وقد استأثرت المواد الخاصة بانتخاب رئيس الدولة، وفترات رئاسته بنصيب الأسد من النقاش العام، وللأسف فإن بعضا من المقترحات التى جاءت من حكماء مصر لم تلقَ الاهتمام الكافى فى النقاش، مثل مقترح للأستاذ الدكتور محمد غنيم الذى ركز على تعديل محدد بإضافة فترتين رئاسيتين، كل منهما خمس سنوات للرئيس الحالى؛ ومقترح الأستاذ مكرم محمد أحمد بفض العلاقة بين الرئيس الحالى والتعديلات الدستورية، ووضع قاعدة عامة تتعلق بمعدل النمو فى الناتج المحلى الإجمالى، بحيث إذا ما تجاوز رئيس الدولة معدل نمو ٥٪ فإنه يكون من حقه الحصول على فترة رئاسية إضافية.

عودة إلى مقال توماس فريدمان المشار إليه، فإن القضية الدستورية فى مصر تحتاج إلى ما هو أكثر، من أول اختيار نوعية الدستور الذى نريده، مرِنا كان أم جامدًا، وبسيطًا كان أم معقدا؛ فالمهم أن يكون فى كل الأحوال مضيفا للحياة المصرية إنتاجًا وعملًا وتنميةً، وليس مصدر شقاق فيها وانقسام. وببساطة: هل يمكن أن ينتهى مجلس النواب إلى دستور يصلح أن يكون دليلا لطلابنا فى المدارس إلى الحياة المعاصرة، ومصر المزدهرة؟!
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع