الأقباط متحدون - في ذكرى نياحته..... البابا كيرلس السادس وبدو مريوط!
  • ٠٤:٣٠
  • السبت , ٩ مارس ٢٠١٩
English version

في ذكرى نياحته..... البابا كيرلس السادس وبدو مريوط!

د. ماجد عزت اسرائيل

مساحة رأي

٣٨: ٠١ م +02:00 EET

السبت ٩ مارس ٢٠١٩

البابا كيرلس السادس
البابا كيرلس السادس

كتب :د.ماجد عزت إسرائيل 

  البابا كيرلس السادس(1959-1971م) اسمه العلمانى (قبل الرهبنة) عازر يوسف عطا، وقد ولد فى 2 أغسطس 1902م، بمركز أبوحمص التابع لمدينة دمنهور،محافظة البحيرة ، وكان والده ناسخاً وجامــع للــتراث القبطى،ومن المترددين هو وابنه عازر على زيارة الأديــرة بوادى النطرون، وخاصة ديــر البراموس،وكان عازر كثيراً ما كان ينام على حجر بعض الرهبان فكان من نصيبهم، وبالفعل بعد أن حصل على "البكالوريا"ــ الثانوية العامة حاليا عام 1921م،عمل فترة لدى شركة "كـــوك شيبينج"،وكان نمـــوذجـاً للامانة، والمحبة والطاعة والاخلاص ،وظل يعمل حتى سلك طريق الرهبنـــة عـــام 1927م، وعرف باسم "مينا البراموسى".
 
وكانت الرهبنة فى حياته تعنى حياة الوحـدة والزهد والنسك والصلاة والتسبيح، وهي فلسفـــة الـديانة المسيحية، والجامعة التي تـخرج فيها مـئات البـطاركـة والأساقفـة الذين قادوا الكنيسة بالحكمة. 
 
    ويعد البابا كيرلس السادس (1959-1971م) من أول البطـاركة الــذين تم اختيـارهم طبقاً لــ" لائحـة "2 نوفمبر1957م "حيث تم انتخابه من بين ثلاثة مرشحين وهـم: القمص دميان المحرقى (دير المحرق) ،والقمص أنجيلوس المحرقى (دير المرق)، والقمص مينا البراموسي (دير البراموس) وبعد قــداس القرعة الــهيكيلة فى(19إبــــــريل1959م)، تم اختياره بطريركـاً باسم البابا "كيرلس السادس"، وتم تجليسه على كرسى مارمرقس فى (26 إبريل 1959م) حتى رحيله عن عالمناً الفانى فى( 9 مارس 1971م).
 
  على أية حال،كان أبونا مينا البراموسي فيما بعد "البابا كيرلس السادس" فى أثناء فترة رهبنته مشتاق لأعادة تعمير دير مارمينا أو منطقة بومينا فاستأذن غبطه البابا يؤانس التاسع عشر البطريرك رقم (113) (1928-1942م) ، ومن بعده الأنبا "يوساب الثاني" البطريرك رقم (115)(1946-1956م) في أمر إعادة تعمير دير مارمينا القديم بصحراء مريوط، أكبر وأشهر أديرة مصر على مر التاريخ العالمى ولكنه لم يحصل على الموافقة.
 
وعندما كان يزور منطقة "بومينا" ينفطر قلبه حزناً وأسى على ما لحقها من تخريب أودى بنضرة الحياة، وسحق عظمة البناء،وعصف بخضرة المروج ، وتحولت المنطقة لبقعة قاحلة. على أيدي بدو صحراء مريوط، وهنا يجب أن نؤكد أن مينا البراموسي عشق أن يعيش فى رحابه بمريوط، فأرسل يطلب من مصلحة الآثار التصريح له بالسكن فى حجرة تحت كنيسة مارمينا الأثرية هناك.
 
وظل انتظاره وهو يرسل الاستعجالات، حتى جاءه الرد بالموافقة بعد ظهور القرعة باختياره بطريركاً. وكانت هذه بشرى جميلة، وإعلان سمائى أدرك البابا مغزاه. أنه لم يسكن فى حجرة طلبها وهو راهب، بل سيعمر المنطقة كلها بعد أن أصبح بابا الإسكندرية. وعلى الرغم من تحذير كثيرين لقداسته من بدو الصحراء، ألا أنه دائما يذكر لهم قائلاً: "كن كن مطمئناً جداً جداً ولا تفكر في الامر كثيراً بل دع الامر لمن بيده." وبالفعل بين عشية وضحاها أصبح هناك ما يعرف باسم "دير مارمينا بصحراء مريوط".
 
وهنا يجب أن نلقى الضوء على صــحراء مريوط فهى تقع ضمن الصحراء الغربية التى تبلغ مساحتها نحو(681) الف كيلو متر مربع مايعادل(68 %) يحدها شمالا  البحر الابيض المتوسط ومن الجنوب،السودا ، ومن الشرق وادي النيل والدلتا،ومن الغرب ليبيا،وبالتحديد تقع منطقة أبو مينا بصحراء مريوط على بعد 75 كم غرب الإسكندرية و60 كم جنوب مدينة برج العرب القديمة، وقد سكن هذه البقعة من الصحراء العديد من القبائل البدوية،وكانت قديما تسكن الخيام، نظراً لأن تقاليدها تــــحرم السـكن تحت أسقف الــبيوت وزرع الأشجار، اعتقاًدا منها بأن الذين يخضــــعون لهذا العادات سيخضعون سريعاً لحكام يستعبدونهم.
 
ولقد كان لهؤلاء البدو(العربان)، كما اصطلح على تسميتهم بذلك في المـصادر والوثائق،دور بارز في المجتمع المصري نظراً لاتصالهم المستمر بوادي النيل ولكن الجانب السلبي هو الغالب على دورهمن، وذلك لأنهم بلــغوا في تلك الفترة أقصى درجة من القوة وشــدة البأس، وسـاعــــدهم على ذلــــــك أوضاع مصر السياسية في بعض الفترات وخاصة حــالة الفـوضى التي ســادت في الــفترة ما بين جــــلاء الحـمـــلة الفرنسية في سبتمبر 1801م وتولى محمد على الحــكم في مايو 1805م وحتى فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر(1954-1970م) فـكانوا يخربون قــــرى الـوادي ويفرضون الإتـاوات على سكانها.
 
ومن ضمن التخريب كإلعادة تخريب الأديرة والقلالى والمنشوبيات والآثار والتى كان من ضمنها منطقة بومينا الآثرية بصحراء مريوط.وهذه المنطقة هى التى كان يرغب فيها قديسنا البابا كيرلس السادس(1959-1971م) تعميرها وبناء دير لمارمينا بها.وتحقق حلمه وحاليًا يوجد دير مارمينا الذي يعد منارة في عالم الرهبنة في صحراء مريوط بمصرنا الحبيبة.
 
   وقد أطلق قداسته على دير مارمينا اسم "ميناء الخلاص" فمنذ اللحظة الأولي لزيارته لدير مارمينا بصحراء مريوط،كانت تبدو عليه علامات الصحة والعافية ولا يستخدم الأدوية التى أتى بها ويقول: "لقد وصلنا إلى ميناء الخلاص وعند مارمينا لا داعى لأدوية العالم".
 
وكما كان أقل القليل من الطعام يكفيه قوتاً.و يذكر هنا  القمص رافائيل آفا مينا قائلا:" فكم من مرة ذهب إلى الدير مثقلاً بالمشاكل، ويعود وقد تذللت الصعاب وذابت"، وذكر فى موضع آخر قائلا:" قال لى قداسة البابا يوماً ونحن بالدير، وكان حزيناً مهموماً: "يا ابنى لا داعى لنزولنا للعالم مرة ثانية. ألن نجد هنا رغيف خبز كل يوم، مع قليل من ملح الجبل". ولكن لم تمض أيام معدودة حتى خلصه الله من أتعابه وعاد إلى أبنائه المشتاقين إليه بدموع الفرح والشكر لله ولمارمينا".
 
     والبدو طبقا لطبيعة الارتحال كانوا يصنفون إلى عدة أنواع منها بدو الارتحال الكبير، والارتحال المحدود ، وبدو الارتحال الموسمي، والبدو المستقرين.ويمكن تقسيم البدو من حيث معيشتهم إلى أربع فئات، منهم البدو الرحل وأشباه البدو والبدو شبه المستقرون والبدو المستقرون. كما يصنفون العربان إلى نوعين، الأول منهم هم قبائل الرعاة، أما النوع الثاني فهم القبائل المحاربة. تعددت القبائل التي وفدت إلى الصحراء الغربية منها قبيلة بنى عونة،والسلالمة، والسعادى،والعقاقرة وتشمل أولاد على والحرابي، والبراعيث،وجذام، والعليقات،والفوايد،والسمالو،والجزيرة.
 
   وكانت هناك علاقة بين بدو صحراء مريوط والبابا كيرلس السادس البطريرك رقم(116)(1959-1971م)، فقد إدركوا البدو منذ الوهلة الأولى لزيارة البابا كيرلس لدير لمارمينا  قداسته حيث كانت تسقط الأمطار بغزارة بعد انقطاعه مدة طويلة،فكانوا يفرحون كثيراً الأعراب القاطنين حول الدير، وأصبحوا يستبشرون خيراً بمجىء البابا، ويسألون عن موعد حضوره للدير.
 
فقد ذكر أحد بدو صحراء مريوط  -على شاكلة مؤتمر البدو في العالم العربي عبر العصور-  لكاتب هذه السطور أن نشأة دير مارمينا بصحراء مريوط ساهم في تعمير هذه المنطقة بالكامل. بل رهبان مريوط هم رمز من رموز بادية مريوط. ومن الجدير بالذكر أن بدو صحراء مريوط عندما عرفوا بنياحة قداسة البابا "كيرلس السادس"9 مارس1971م،عبر عن حزنهم الشديد لمجمع رهبان دير مارمينا. لقد كان قداسته يسعى للتعمير والبناء للأديرة والكنائس..وبالحق نقول:" البابا كيرلس السادس- هو علامة بارزة في تاريخ الكنيسة القبطية،ورمز للمحبة والسلام مع الجميع سواء مع البدو أو الطوائف المسيحية أوشعب الكنيسة خاصة أو الشعب المصرى عامة أو السلطة السياسية" . 
 
وأخيراً، لا نملك إلا أن نذكر ما ورد  في الكتاب المقدس على لسان معلمنا بولس الرسول حيث ذكر قائلاً:" اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ"!!