بقلم: هيام فاروق
 
أثناء رجوعي من إحدى زياراتي لوالدتي استقليت "تاكسي" يقوده شاب في مقتبل الثلاثينات حسب تقديري.. لفت نظري لافتة معلقة داخل التاكسي على غير العادة، ليست عليها شعارات دينية، بل مكتوب عليها الآتي:
فيــسبــــــوك
 
جروب معــــًا نبنــــــى مصــــــــر ونحارب الفساد.
 
جـــــروب حركة الدعم الفنى والمعنوى لرجال الشرطة.
 
وما أثار اهتمامي بالأكثر أنني مشتركة في هذين الجروبين على الفيس بوك، وأحترم جدًا المسئول عنهما لاهتمامه الملحوظ بكل التعليقات المنشورة عليهما، مما يحفز المشتركين على المشاركة ويعطيهم انطباعًا باحترام الأدمن (المسئول) لكل المشتركين من خلال تعليقاتهم. 
 
سألت هذا الشاب: هل هذا إعلان عن هذه الجروبات؟ فأجابنى فى أدب واحترام.. لا يا فندم.. إنها توعية، وأمنية، وترجي لكل من يركب معى أن نبني مصر وندعم الأمن والأمان بها عن طريق رجال الشرطة. 
 
قلت له: وحضرتك مشترك فيهما ومشارك بتعليقاتك؟ أجابنى بكل اتضاع: أنا أدمن الجروبين (المسئول عنهما).. فقلت له: إذن حضرتك أستاذ "خالد سعيد"؟.. أجاب نعم. فقلت له: أنا فخورة جدًا بوطنيتك وحماسك وحبك لمصر.. ليت كل الشباب مثلك. أجابني في حزن: أنا محبط جدًا وأفكر جديًا في الابتعاد عن هذه الحملات الوطنية، فقد وصل بي اليأس أشده، واستطرد قائلًا: أنا لم أكون "جروب" أو اثنين لمجرد الحماس والتحميس وحب الذات والظهور، أو أي مجد ذاتي، ولكنى جمعت مجموعة لا بأس بها و ذهبت إلى وزارة الداخلية لاستخراج تصاريح بمزاولة نشاطاتنا ومساعدة رجال الشرطة في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة.. واشتريت من مالى الخاص يونيفورم خاص، وقضيت من جهدي ووقتي الكثير في شوارع مصر وميادينها.. ورسمت آمالًا عريضة لإصلاح الشارع المصري وتنظيمه بشكل حضاري يليق بحضارتها العظيمة وسمو شعبها.. وفي أثناء مزاولتي لنشاطي في أحد الميادين لمحت سيارة لا تحمل أرقامًا، فأوقفتها إلى حين حضور المسئول للنظر في رخصة القيادة.. ففاجأني بكارنيه مكتوب عليه "وكيل نيابة"..
 
مما أثار اندهاشي!! كيف يسير رجل قانون وفي السلك القضائي بلا قانون، وكيف يكون رجل القانون المكلف باحترام القانون ومن المفترض أن يكون مثالًا يحتذى به ليصبح إنسانًا فوق القانون.. ولكني صمت إلى أن أرى كيف سيتصرف ضابط المرور المسئول.. وما أن تقدم وأظهر له وكيل النيابة الكارنيه الا وأفسح له الضابط الطريق قائلًا "اتفضل يا فندم".. وكأن شيئًا لم يحدث.. وهنا وجدت  نفسي في منتهى الإحباط واليأس أن ينصلح حال هذا البلد. أريد أن تنضبط شوارعنا وليس أن يسير كل واحد على هواه.. لا احترام لاتجاهات ولا إشارات ولا مارة ولا طريق سريع أو بطىء ولا عربات إسعاف... وكأننا في غابة.. 
واستطرد فى سرد العديد من السلبيات.. فوجدت أن مصر لم يعد بها إيجابيات.. وما أحزنني بالفعل أن أقول أو أسمع عبارة "شعب مصر العظيم". أين هو الشعب وأين عظمته؟ (بأمارة إيه؟).. لا أخلاق.. ولا علم.. ولا عمل.. ولا سلوك.. ولا قانون.. ولا دين.. بل محسوبيات، ورشاوى، وتحرشات، وسرقة، وقتل، وخطف، وتلوث، وبلطجة، وتكفير.. ومظاهر دين فارغة من كل معنى وتخلو من أى مضمون حقيقي، وامتدادًا إلى الجوع، والبطالة، والجهل، وكل الأمراض النفسية المتفشية.  
 
وجدت نفسي غير قادرة على الرد.. فبماذا أشجع هذا الشاب؟ ومن أين نأتي بمثله؟ 
 
وفي نهاية حديثي استأذنته أن أكتب ما سرده.. فقال لي بكل ممنونية وأحب أن أضيف.. أرى حضرتك مهتمة بالشأن القبطي ونحن أيضا مهتمين مثلك تمامًا فنحن نسيج وطني واحد، وجزء لا يتجزأ من وطن واحد وما يهم الأقباط يجب أن يهمنا جميعًا، وأرحب بأي مقال قبطي أو وطني في جروب "معًا نبني مصر". 
 
انتهى طريقى وألقيت عليه التحية شاكرة. وكنت أتمنى أن أكون في مركز قيادي أو عسكري لأحييه بكل أنواع التحية الواجبة، وأكرمه بكل أنواع التكريم الذي يستحقه هذا المواطن المصري الوطني الأصيل.
 
أحبطتِ يا مصر شبابك.. وأصبحتِ أمًا عجوزًا متهالكة، لا تقوى على مؤازرة أبنائها.. أصبتيهم بالاكتئاب وسربتِ إلى نفوسهم اليأس وأفقدتِ أملهم في الإصلاح. 
 
وأخيرًا!! ماذا أنتِ فاعلة تجاه أبنائك؟! أنتِ على حافة السقوط يا مصر.