الأقباط متحدون | القصة الكاملة وراء تحول علاقة الزعيم عبد الناصر بالبابا كيرلس
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٢٥ | الاربعاء ٢٨ سبتمبر ٢٠١١ | ١٧ توت ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٣٠ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

القصة الكاملة وراء تحول علاقة الزعيم عبد الناصر بالبابا كيرلس

روزاليوسف - كتب: مايكل عادل | الاربعاء ٢٨ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٦: ٠٣ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 من علاقة فاترة إلي صداقة وأبوية

فتور وسوء فهم هما اللذان قادا إلي العلاقة القوية والمتينة التي جمعت الزعيم جمال عبدالناصر بالبابا كيرلس السادس.. كان البابا قد طلب مقابلة الزعيم ناصر أكثر من عشر مرات.. وناصر يرفض.

إلا أن تحولاً جاء ليصفي الأجواء ويطرد الغبار والأتربة من علاقة صارت حتمية وتاريخية وشهيرة.. خاصة بعد أن شهد اللقاء الأول بينهما ــ أيضًا ــ فتورًا وسوء فهم.. لكن في اللقاء الثاني كان الأمر مختلفًا:

بدأت قصة علاقة الزعيم والبابا كيرلس السادس كما دونتها ووثقتها الكنيسة حينما طلب البابا كيرلس مقابلة جمال عبد الناصر أكثر من 10 مرات وهو يرفض، وكان يريد البابا أن يعرض عليه بعض مشكلات الأقباط والمضايقات التي تتعرض لها الكنيسة، ولم يجد البابا أي استجابة لرغبته في مقابلته وحدث أن كان للبابا صديق عضو في مجلس الشعب وكان يحبه وكان دائم الزيارة له، وكان له ابن مريض، فطلب العضو أن يصلي البابا لأجل ابنه، وربنا شفاه بصلاته.

وفي يوم زاره عضو مجلس الشعب (البرلمان في ذلك الوقت) ووجد البابا متضايقًا وزعلان فسأله عن السبب ولما عرف قال: "أنا علاقتي جيدة ووطيدة مع عبد الناصر" ورتب موعدًا مع جمال عبد الناصر، وحضر عضو مجلس الشعب قبل الميعاد واصطحب البابا في سيارته للقصر الجمهوري.

وقابل جمال عبد الناصر البابا كيرلس بفتور شديد جداً وابتدره قائلاً بحدة: "إيه.. فيه إيه!! هم الأقباط عايزين حاجة.. مالهم الأقباط.. هما كويسين قوي كده.. أحسن من كده إيه.. مطالب.. مطالب.. مطالب".

وكانت مقابلة عبد الناصر ليست كعادته ومع ذلك قال البابا كيرلس مبتسماً: "موش تسألني وتقول لي: فيه إيه..!!" فرد محتداً قائلاً: "هوه فيه وقت أقولك.. وتقول لي.. ما هو مافيش حاجة".

ووجد البابا نفسه في موقف دقيق فغضب وزعل جداً وقال لعبد الناصر: "ده بدل ما تستقبلني وتحييني بفنجان قهوة، وتسمعني، وفي الآخر يا تعمل يا ما تعملش كده من الأول تحاول تعرفني إن مافيش وقت لعرض موضوعاتي!!

"وخرج البابا زعلان قائلاً لعبد الناصر: "ربنا يسامحك" ورجع البابا للبطريركية مع عضو مجلس الشعب الذي راح يعتذر طول الطريق فقال له البابا كيرلس: "إنت كتر خيرك، تمكنت من تحديد الموعد أما استقبال عبد الناصر لي بهذه الطريقة أنت مالكش ذنب فيه".

وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل حضر عضو مجلس الشعب وطرق الباب وفتحه بواب المقر الباباوي، وقابل تلميذ البابا سليمان، وقال له: عبد الناصر عاوز يقابل البابا دلوقت حالاً.. ولكن حاول سليمان الإعتذار بأن البابا تعبان وده وقت متأخر يمكن يكون البابا نائمًا.

غير أن عضو مجلس الشعب اقترح أن يطرق علي باب البابا كيرليس مرتين فإذا لم يرد يذهب ويقول لجمال عبد الناصر أنه وجد البابا نائمًا، ولكنهم قبل أن يطرقوا علي باب البابا فوجئوا بأن البابا مرتدياً ملابسه ويفتح الباب ويقول له: "يالا يا خويا".

وكان جمال عبد الناصر له ابنة مريضة أحضر لها كبار الأطباء الذين قرروا أن مرضها ليس عضوياً وعندما تكلم مع عضو مجلس الشعب ذكر له شفاء ابنه.. فدخل البابا مباشرة علي حجرة ابنة جمال عبد الناصر المريضة وقال لها مبتسماً: إنت ولا عيانة ولا حاجة" واقترب البابا منها وصلي لها ما يقرب من 15 دقيقة وشفيت.

وهنا تحولت العلاقة التي كانت فاترة في يوم من الأيام إلي صداقة بينهما ووصلت هذه العلاقة إلي أن قال الرئيس جمال عبد الناصر يوماً: " أنت من النهاردة ابويا.. أنا هاقولك يا والدي علي طول، وزي ما بتصلي لأولادك المسيحيين صلي لأولادي ومن دلوقت ما تجنيش القصر الجمهوري، البيت ده بيتك وتيجي في أي وقت أنت عاوزه".

عبر وقتها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل عن العلاقة بين البابا كيرلس والرئيس جمال عبد الناصر فقال: "كانت العلاقات بين جمال عبد الناصر وكيرلس السادس علاقات ممتازة، وكان بينهما إعجاب متبادل، وكان معروفاً أن البطريرك يستطيع مقابلة عبد الناصر في أي وقت يشاء، وكان كيرلس حريصاً علي تجنب المشاكل، وقد استفاد كثيراً من علاقته الخاصة بعبد الناصر في حل مشاكل عديدة".

وفي لقاء من اللقاءات العديدة التي تمت بين البابا والرئيس في سنة 1959 م قال البابا: "إني بعون الرب سأعمل علي تعليم أبنائي معرفة الرب وحب الوطن ومعني الأخوة الحقة ليشب الوطن وحدة قوية لديها الإيمان بالرب والحب للوطن.. "فأثني الرئيس جمال عبد الناصر علي وطنية البابا كيرلس ومدي وعيه والتزامه بتربية أولاده علي حب الرب والوطن.

ويوماً سألت مني عبد الناصر المستشار زكي شنودة الذي كان يتمتع بعلاقة قوية مع البابا عندما كانت تعمل في دار المعارف قائلة: "البابا بتاعكم فيه أيه؟".. فرد المستشار مستفهما وقال: "يعني إيه فيه إيه؟" فقالت مني: "بابا لما يجيله أي رئيس دولة يودعه حتي باب الصالون فقط، ولكنه لما ييجي البابا بتاعكم يودعه حتي باب السيارة ويفضل واقف إلي أن تتحرك السيارة " ورد المستشار شارحا: "لأنه راجل بسيط وليس له مطالب ولا مطامع ولا يخاف منه في شئ ولا عاوز حاجة، فأبوك كان شاعراً بهذا ولذلك أحبه".

وتعود قداسة البابا أن يزور الرئيس عبد الناصر في منزله.. وفي زيارة من هذه الزيارات.. جاء إليه أولاده، وكل منهم يحمل حصالته وقفوا أمامه فقال الرئيس لقداسته: "أنا علمت أولادي وفهمتهم إن اللي يتبرع لكنيسة زي اللي يتبرع لجامع، والأولاد لما عرفوا إنك بتبني كاتدرائية صمموا علي المساهمة فيها، وقالوا حنحوش قرشين، ولما ييجي البابا كيرلس حنقدمهم له، وأرجو لا تكسفهم وخذ منهم تبرعاتهم فأخرج البابا كيرلس منديله ووضعه علي حجره وضع أولاد عبد الناصر تبرعاتهم ثم لفها وشكرهم وباركهم.. وكان هذا المبلغ وغيره من المبالغ الصغيرة التي كان الناس يعطونها إليه ثمن أرض دير مارمينا بمريوط.

وطلب البابا كيرلس السادس مقابلة السيد الرئيس جمال عبد الناصر ليعرض عليه مشكلة المجلس الملي بعد أن فشل في أداء عمله وأدي إلي وجود عجز في ميزانية البطريركية وتوقفت البطريركية من دفع مرتبات العاملين الموظفين فيها استمرت لعدة شهور.

وفي 9 مايو 1967 وصلت دعوة استقبال الرئيس لقداسته في منزله بمنشية البكري وتوجه قداسة البابا ومعه الآباء المطارنة والأساقفة إلي منزل الرئيس جمال عبد الناصر في منشية البكري وكان منتظرهم واستقبلهم استقبالاً حاراً.. وعرض البابا المشكلة فأصدر الرئيس أوامره بإصدار قرار جمهوري بإنشاء مجلس إدارة أوقاف البطريركية، وحل المجلس الملي وتجميد نشاطه، وحلاً للأزمة التي تمر بها البطريركية تبرع بمبلغ 10 آلاف جنيه لسداد العجز في الميزانية.

وطلب البابا السماح له بانتهاء الزيارة والانصراف نظراً لمعرفته بمشغوليات رئيس الجمهورية ولكن كان السيد رئيس الجمهورية يقول لقداسة البابا كيرلس في ود: "موعد الزيارة لم ينته" وعند نهاية زيارة البابا هنأه السيد الرئيس بعيد رسامته متمنياً له أياماً سعيدة، فشكره قداسة البابا معرباً عن امتنانه واضعاً يده المباركة علي صدر الرئيس جمال عبد الناصر في لطف وهو يقول: "إني أضع يدي علي يد الرب، لأنه مكتوب عندنا أن يد الرب علي قلوب الرؤساء" فابتهج الرئيس جمال عبد الناصر بالحديث الودي مع البابا. وفي مساء نفس اليوم جاء إلي قداسة البابا كيرلس أحد رجال الدولة ليقدم شكر الرئيس لقداسته علي هذه الزيارة المباركة التي تمت في الصباح، وقد ذكر أن الرئيس جمال عبد الناصر كان يشعر بآلام في صدره وقد زالت جميعها عند وضع قداسة البابا يده فوق صدره.

تحدث البابا شنودة الثالث عن العلاقة التي جمعت بين الرئيس جمال عبد الناصر والبابا كيرلس وأكد علي الموقف الرجولي الرائع الذي وقفه عبد الناصر تجاه بناء الكاتدرائية فقال: "لا ننسي أن الرئيس جمال عبد الناصر أعطي تصريحا لبناء الكاتدرائية الكبري وحضر حفل وضع الأساس فيها ثم حضر حفل افتتاحها وألقي كلمة طيبة جداً وتبرع بمبلغ 100 ألف جنيه في 1967م، كان المبلغ أيامها كبيراً، وكلف الرئيس عبد الناصر إحدي شركات القطاع العام بأن تقوم بعمليات بناء الكنيسة الكبري، وأسرعت الشركة في بنائها بحيث انتهي الهيكل الخراساني في سنة واحدة، علي هذا الحجم الضخم، والديون التي بقيت صدر قرار بالتنازل عنها في عهد عبد الناصر.

في مساء يوم الاثنين 28 سبتمبر 1970 م توفي الرئيس جمال عبد الناصر فجأة بعد المجهود المضني الذي بذله في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في القاهرة وبعد توديعه لآخر الرؤساء العرب الذين حضروا المؤتمر وهو أمير الكويت في المطار.

وتلقي البابا كيرلس السادس نبأ وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بـأثر شديد وحزن حزناً عميقاً وأصدر بياناً إلي الأمة يعبر فيه عن شعوره قال فيه: "إن الحزن الذي يخيم ثقيلاً علي أمتنا كلها لانتقال الرئيس المحبوب والبطل المظفر جمال عبد الناصر إلي عالم الخلود أعظم من أن يعبر عنه أو ينطق به.

إن النبأ الأليم هز مشاعرنا ومشاعر الناس في الشرق والغرب بصورة لم يسبق لها مثيل، ونحن لا نصدق أن هذا الرجل الذي تجسدت فيه آمال المصريين وكل العرب يمكن أن يموت.

إن جمال لم يمت ولن يموت، إنه صنع في مدي عشرين سنة من تاريخنا ما لم يصنعه أحد من قبله في قرون، وسيظل تاريخ مصر وتاريخ الأمة العربية إلي عشرات الأجيال مرتبطاً باسم البطل المناضل الشجاع الذي أجبر الأعداء قبل الأصدقاء علي أن يحترموه ويهابوه ويشهدوا بأنه الزعيم الذي لا يملك أن ينكر عليه عظمته وحكمته، وبعد نظره وسماحته ومحبته وقوة إيمانه بمبادئ الحق والعدل والسلام.

إن الأسي في قلوبنا أعمق من كل كلام يقال، ولكن إيماننا بالخلود وإيماننا بالمبادئ السامية التي عاش جمال عبد الناصر من أجلها وبذل عنها دمه وأعصابه وحياته إلي آخر رمق فيها يملأ قلبنا بالرجاء.. أننا نشيعه إلي عالم الخلود محفوفاً ب الكرامة التي تليق باسمه العظيم، وعزاء الأمة كلها، ولأمة العرب بأسرها، بل عزاء للعالم في رجل من أعظم الرجال الذين عرفتهم البشرية في كل عصورها.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.
تقييم الموضوع :