الأقباط متحدون | اللى يحب أبو مقار ما يرحلوش
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:١٥ | الثلاثاء ٢٧ سبتمبر ٢٠١١ | ١٦ توت ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٢٩ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

اللى يحب أبو مقار ما يرحلوش

الثلاثاء ٢٧ سبتمبر ٢٠١١ - ٤٥: ١٠ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: المهندس ماجد الراهب

عاصر القديس مكاريوس الكبير الشهير بأبو مقار أكبر ثلاث تجمعات ديرية عرفت فى التاريخ القبطى .
هذه التجمعات الثلاثة ( نتريا – كيليا – الأسقيط ) ظهرت فى منطقة وادى النطرون وهى تبعد عن القاهرة حوالى 80 كم شمال غرب وتبلغ مساحتها 600 كم2 وطول بحيراته حوالى 3 كم ، وكانت هذه المنطقة مشتعلة بالصراعات قبل دخول المسيحية وكان أهل هذه المنطقة ينسبون إلى ليبيا ، حتى ردهم وهزمهم رمسيس الثالث عام 1170 ق م .

وتذكر هذه المنطقة فى أدبيات الدولة الوسطى فى حكايات الفلاح الفصيح الذى كان يتاجر فى ملح النطرون.
وقد زار القديس مكاريوس الكبير منطقة نتريا وأمضى بها عدة سنوات من حياته النسكية ، وقد تنقل بين نتريا وكيليا التى كان يسكنها القديس مكاريوس السكندرى ، ثم نشأت منطقة الأسقيط ( شهيت – ميزان القلوب ) على يد القديس مكاريوس الكبير ، وكانت هذه المنطقة زاخرة بالأديرة والنساك وقد قسمت إلى أربعة مجموعات ، المجموعة الأولى تتألف من دير أبو مقار وعشرة أديرة أخرى تحيط به ومنها دير الأنبا زكريا وأغلبها خربه .

المجموعة الثانية وهى تبعد 10 كم عن دير أبو مقار وأشهرها دير الأنبا يحنس القصير وهى تحتوى على أربعة عشر ديرا أغلبها أطلال أثرية .

المجموعة الثالثة وهى من ديرين متلاصقين دير الأنبا بيشوى ودير السريان الذى قطنه نساك من سوريا .

المجموعة الرابعة وهى تحتوى على ديرين ، السيدة العذراء برموس ، والآخر دير موسى الأسود وهو خرب ، وقد أتى ذكر هذه الأديرة فى كتابات الأمير عمر طوسون وأشار أنها ظلت أغلبها عامرة حتى القرن الخامس عشر .

ودير القديس أبو مقار ترجع بداياته إلى سنة 390 م عندما أتخذ القديس مغارة مسقوفة بالجريد والبردى ، ثم تجمع حوله عدد كبير من الرهبان والنساك إلى أن صار أكبر دير فى المنطقة .

وهو يضم مجموعة معمارية متميزة ومتفرده مثل منارة كنيسة الشيوخ وهى المنارة الأثرية الوحيدة فى البرية ، والقبة الفريدة بكنيسة القديس بسخيرون ، هذا بخلاف التلال الأثرية المتاخمة للدير والتى مازالت تحتفظ بأسرار كثيرة لهذه المنطقة .

كانت هذه مقدمة تاريخية لنشأة الدير حتى ننتقل إلى مرحلة أخرى وهى مرحلة رهبنة الأب متى المسكين والتى بدأت على يديه نهضة رهبانية لا يمكن إغفالها ، حيث أمتزج العلم والبحث بالحياة النسكية ، وبزغ فجر جديد فى الدراسات القبطية من كتابات وتفسير وترجمة ، مهد لها تغيير نوعية المقبلين على الرهبنة ، فأصبح هناك خريجى الجامعات وعلماء وحاصلون على الماجستير والدكتوراه ، هذه النوعية بقيادة الأب متى المسكين خلقت حراكا هاما جدا فى حقل الدراسات الآبائية والكتابية ( نسبة الى الكتاب المقدس ) ونظرا لخصوصية الحياة الرهبانية فى هذا الدير ، تمتع رهبانه بالهدوء والسكينة بعيدا عن الزيارات المتكررة للكنائس والرحلات الجماعية والتى نجدها فى الأديرة الاخرى ، مما خلق نوعية خاصة من الرهبنة تحرص على التعمق فى الدراسات المسيحية بجانب حياة نسكية وروحية عالية ، هذا بخلاف إستغلال العلم فى صنع مؤسسة إنتاجية حرص الرئيس السادات أن يمنحم ثلاثة الاف فدان بعد زيارته ومشاهدته لمزرعتهم العملاقة .
وقد أرتبطت بالدير منذ صغرى فقد كنت فى المرحلة الجامعية عندما قررت أنا ومجموعة من الخدام فى مثل سنى بالتوجه للدير للإقامة عدة أيام كخلوة وعندما وصلنا إلى الدير تم منعنا من الدخول لعدم حصولنا على تصريح مسبق للدخول وهذه كانت أول محاولة لدخول الدير .
هذه الحادثة محفورة فى ذهنى إلى الأن لذا حرصت بعد ذلك على إتباع كافة الشروط لكى ادخل الدير ، وقد كانت لى فرصة دخول الدير فى وجود الأب متى المسكين .

ثم توطدت العلاقة بينى وبين الدير بعد تدخلى بصفتى رئيس مجلس إدارة جمعية المحافظة على التراث المصرى فى الصراع حول المنطقة الاثرية المتاخمة للدير والذى حاول رجل الاعمال محمود عمارة ( والذى يمتلك شركة للاستثمار الزراعى ) التعدى عليها فهو يهوى الزراعة فى المناطق الاثرية !!
المهم كل مرة كنت أدخل الدير كنت احس باحساس غريب جدا ، أننى أسمع أنفاسى من الهدوء والسكينة التى تغلف الدير ، وهذا كان يدخلنى فى مود روحى عجيب ، كنت اتخيل القديس مكاريوس كيف كان يتجول فى هذا المكان ، كيف عاش ، كيف أسس مدرسة رهبانية نفتخر ويفتخر العالم كله بها .

وكنت ومن معى أثناء زيارتنا للدير نحرص على التكلم همسا خوفا من هتك أصواتنا لهذا الصمت المحبب للنفس ، وكنت أرى الرهبان تسير بجانبى لقضاء حوائج الدير فى سرعة غير مكترثين بوجودنا ، كأننا غير موجودون اصلا ، كنت احترم ذلك كثيرا مقارنا بين ما يحدث فى باقى الاديرة التى اصبحت متنزهات عامة يعانى فيها الرهبان أشد المعاناة من سلوك بعض افراد هذه الرحلات الذين يحاولون إقتحام حياتهم بزريعة طلب البركة .
ولكن فى زيارتى الأخيرة منذ عدة ايام وبإلحاح من أعضاء الجمعية لزيارة الدير بالرغم من أننى كنت رافضا ذلك ( وكان أغلبهم من اخوتنا المسلمين الذين لم يزوره من قبل ) الذين عرفوا أن الدير اصبح مفتوح على مصرعيه للجميع .

دخلت الدير وأحسست بصدمة كبيرة .. فقدت إحساسى برهبة المكان وقدسية الصمت التى كانت تغلفه والهدوء المشوب بالروحانية والتى كنت آخال أن اصوات التسبيح تنطلق فى هذه الأجواء واسمع صداها بداخلى .

كل ذلك تبدد وأنا أرى الاصوات ترتفع والصياح والجلبة التى يحدثها الزوار بالرغم من قلة عددهم نسبيا إذ كنا فى يوم فى وسط الاسبوع .
نداء عاجل أوجه لكل محبى أبو مقار ولكل ابائى الكهنة والخدام يكفى زيارة واحدة ، واللى يحب أبو مقار ما يرحلوش ، فلنترك هذا الدير – وأتمنى أن يكون ذلك فى كل الاديرة – يعود إلى حياته الأولى حياة الوحدة والتوحد ، حياة السكينة والهدوء ، لقد تركوا العالم فلماذا العالم يحاصرهم ؟ .
أتمنى من كل قلبى ان نشارك جمعيا فى هذه الدعوة ونشر هذا النداء فى كل مكان اللى يحب ابو مقار ما يرحلوش .




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :