دماء الشهداء بذار نهضة مصر
البروتوبرسفيتيروس أثناسيوس حنين
١٩:
٠٣
م +02:00 EET
السبت ٢ مارس ٢٠١٩
الاب اثناسيوس حنين
(على أرصفة محطة مصر جلسنا وبكينا)
كثيرا ما ترددت فى الاسراف فى استعمال لقب "شهيد " عمال على بطال ’ ولكنى أمام الدكاترة أحمد المنياوى وبيشوى الأسوانى والجندى مكاريوس النجع حمادى وقد قضوا فى ريعان الشباب وعز العطاء يحق الاسراف ’ولا يفهم قيمة الضنى الغالى الا من تعب وسهر وشال الهم وصرف ما فى الجيب وباع الغالى والثمين ليفتخر بابنه (الداكتور ) كما نحب أن ننطقها نحن الصعايدة . لم أمسك دموعى وتركتها تسيل لأنى رأيت فيهم اولادى وأصدقائى ورفاق اشواقى لنهضة مصر ’ مصر أمنا جميعا والتى تبكى مع راحيل العبرانية وأم أحمد المسلمة وأم بيشوى المسيحية ولا تريد أن تتعزى لأن أولادها ليسوا موجودين .
أن لم يكن هؤلاء شهداء الواجب والطموح والنبوغ والعلم فمن يكون الشهيد اذن ؟ولو كانوا أولاد باشوات من الأغنياء الجدد لوضع أهاليهم حت تصرفهم سيارة خاصة ! أما هم فركبوا القطار مع باقى الناس !وأذهب الى أن الدولة سوف تمنحهم نوط الواجب لأنهم قتلوا أثناء تحقيق طموحات اهلهم وبلدهم . لأنها وان غابت فى قتلهم ’ فلا يحق أن تغيب عنهم فى تكريمهم وتبريد نار أهاليهم والصعايدة يؤمنون بالثأر ويكتمون الحزن كتما شديدا . لا توقظوا الغضب الطائفى النائم والذى اذا استيقظ ’ فسيأكل الأخضر واليابس ! أتقوا شر الحليم اللى ما عندوش حاجة يخسرها!
بل جددوا الانسان المصرى الباطن وهيئوا المناخ لخروج طاقاته الخلاقة ! نعم أنها فرصة تحتاج لاستثمار حقيقى ’ هذه الهبة الوطنية والتعالى فوق الصغائر والنقد الايجابى والمطالبة باصلاحات فى البنية التحتية للبلد والجيش المصرى لم يقصر وأبدع فى الطرق البرية فلماذا لايتولى مرفق السكة الحديدية ’ اللازم وقت السلم والنافع وقت الحرب ؟
هذه شخصية مصر الكامنة والتى تراكمت عليها سنين الاهمال والتشرذم والطائفية والفشخرة بتاريخ لم نصنعه ولا نقدر أن نحافظ عليه ونطوره !هذه الصحوة الذاتية والتى حشرت الناس من كل حدب وصوب امام المستشفيات للتبرع بالدم ’ لا أعتقد أن أعتى الدعاة وأفصح الوعاظ وأبلغ الساسة يمكن له أن يوقظ هذه الروح ! ايقظها احمد وبيشوى وغيرهم ’ يمكن ان تصير وقودا وقوة دفع تجدد قاطرة الوطن المتهالكة على صورة ومثال مرفق السكة الحديد والتى بناها المستعمرون الانجليز !!! والذين كانوا يبنون الطرق ’ بينما نحن نهتف فى أكبر انجاز تاريخى وهو أن نصير (ظاهرة صوتية ) صرخنا حتى بحت حناجرنا (كبة تاخذ الانجليز ) كما كنا نتشدق فى سذاجتنا السياسية ومراهقتنا الوطنية ! ولم يتم تجديدها ’ على أيدى مصرية ’ الا قليلا !
خسارة حقيقى أن يصير هذا المرفق الذى ربى أجيالا وحمل عقولا ’ أن يصير مقبرة ندفن فيها زهور شبابنا . كاتب هذه السطور لا يلقى الكلام على عواهنه بل لأنه يحمل جراحا غائرة لم تندمل ’ لقد بكينا دما على صديقى عمرى وأخوى المرحوم توفيق سليل العائلة الكريمة وكنا قد ذهبنا بقطار القشاش للمنيا(واللى كله فاتح على بعضه ! اعجاز مصرى ) بلا أمن ولا أمان لنحتفى بعيد المسلمين وصار يمرح فى القطار ذهابا وايابا وفجأة اختفى توفيق ابن الحاج محمد مفتش تموين مركز سمالوط ’ الشاب الوسيم ’ تحت العجلات وانصدمت سمالوط وخرجت عن بكرة ابيها بالمشاعل ونحن نهتف جميعا بصوت واحد قلب واحد هتافا كان يومها تراثا ثقافيا مشتركا وانتعاش انسانى جميل ينشئ وحدة فى السراء والضراء ويهون الاحزان ’ بينما اليوم صار سبب فرقة ونفور وتشرذم ! كنا نصرخ (الدايم هو الدايم ما دايم غير الله ) ونبكى دما ’ كان ذلك فى الستينيات من القرن الماضى .
يحزننى أن يشير المسيحيون على وسائل التواصل أو التنافر ! سيان ! ’ فيما خلا قلة ’ الى قتلاهم من المسيحيين والمسلمون ’ فيما خلا قله ’ الى ضحاياهم من المسلمين وكأننا بعد أن ربيناهم فى أجواء التعصب والغباء والبغضة والتنافر فى الحياة الدنيا ’ نريد أن يلحق بهم غبائنا وتعصبنا ويمسك بتلابيبهم فى الحياة الباقية !’ والحادث الثانى كاد أن يتركنى عاجزا (برجل واحدة ! نعم ) اذا ذهبت انا وزوجتى الاجنبية واولادى لزيارة الأهل بسمالوط وحجزنا فى الفاخر وفرحانين بالقطر ’ ولما كان رصيف محطة سمالوط قصير امام طول القطار الفاخر ’ اضضرنا ان ننزل على القضبان بالشنط والعيال وبمعجزة!!!(ما يحدث فى البلاد الراقية كشأن يومى عادى يصير عندنا بقدرة قادر معجزة ! نحن ننتدب السماء لتقرر عنا ولنا !) تم حشرنا فى القطار ومع انهماكى نسيت رجلى معلقة والقطار داخل على الرصيف وهنا ركض ورائى اخى الرائد مهندس نبيل وصرخ بذكاء عسكرى (دخل رجلك) وهنا سحبتها بعد أن كادت تسحق تحت انباب القطار والرصيف والى اليوم لا يفارق هذا المنظر خيالى !
أهمال !لا أعرف ! تواكل ! لاأفهم ! زهق من الدنيا ’لا أدرى ! عجز ميزانيات ’ ! لا أفتى ! ما افهمه ان حياة المصرى صارت رخيصة جدا !الشئ العجيب ان هذه الطاقة البشرية يمكن أن تصير فى يد قادة مهرة طاقة منتجة وطاقة خلاقة وطاقة متحضرة ! والدليل احمد وبيشوى ومكاريوس وغيرهم يمكن أن يلدوا مصرا جديدة وهذا هو العزاء الوحيد للأهل المكلومين .فى الختام أود أن أهمس فى أذن المتولين علينا ومن يهمه الأمر ’ يشكل مرفق السكة الحديد من الاسكنرية الى اسوان جزء من تراثنا وحياتنا وكم يحب كل مهاجر ان يأتى باولاده يركبهم القطار اللى رباه وكبره فى رحلة ’كانت يوما جميلة ! القضية سياحية واقتصادية اذا لم يفهم البعض فى الثقافية والانسانية ! رحلة سعيدة يا زهور الشباب يا دكتور احمد ودكتور بيشوى والجندى مكاريوس ومن قضى معكم ظلما وأهمالا وبهتانا ’ توسلوا من أجل نهضة مصر والتى قضيتم سعيا لتحقيقها .