الأقباط متحدون - د. محمود العلايلي يكتب.. الماضي
  • ١٥:٢٧
  • السبت , ٢ مارس ٢٠١٩
English version

د. محمود العلايلي يكتب.. الماضي

مقالات مختارة | د. محمود العلايلي

٢٣: ١٢ م +02:00 EET

السبت ٢ مارس ٢٠١٩

الكاتب محمود العلايلي
الكاتب محمود العلايلي

د. محمود العلايلي
يعتبر الزمن الماضى بالنسبة لكثيرين من المؤثرات الرئيسية فى حياتهم الآنية، وربما فى تصورهم لحياتهم المستقبلية، ويتراوح مفهوم الماضى بين الماضى الشخصى وما اعترى الإنسان من أحداث خاصة، على مستوى الأسرة أو الدراسة والعمل والعلاقات الشخصية، والنوع الآخرمن الماضى فهو تاريخ الأحداث التى جرت فى دولة ما وتأثيرها على الأشخاص الذين يعيشون فيها سواء بشكل فعلى أو معنوى، بينما يأتى النوع الثالث هو ماضى ما يعتنق من أفكار، سواء كانت تيارات فكرية أوأيدلوجيات سياسية أو عقائد دينية.

يعتبر بعض التقدميين أن بلوغ المستقبل لا يتأتى إلا بالانقطاع التام عن كل أفكار الماضى وتداعياته، وخاصة فى مراحل التنوير والإصلاح، بينما ترى مجموعة أخرى من المفكرين أن تواصل الماضى بالحاضر من المحددات المهمة للفهم والتقييم، ولا سيما لتحديد المؤثرات إيجابية كانت أم سلبية، للاستفادة من الأولى وتجنب الثانية.

المحدد الآخر هنا هو أن هذا الماضى هل هو تاريخ حقيقى رُوى بصدق، أم طالته يد التلفيق والتطويع، أم أنه مجموعة من المبالغات والتهويلات للرفع من شأن فكرة أو حدث أو الحط من شأن فكرة أو حدث آخر، والأخطر من ذلك هو التعامل مع الماضى بشكل حنينى يحمل فيه الماضى بكل أنواع التوهيمات والمثاليات، لرسم صورة ماض متخيل عوضا عن صعوبة الحاضر وواقعه مما يؤدى فى النهاية إلى صراع هزلى بين مروجى هذه الفكرة الماضوية ومنتقديها، حيث يدور الصراع بين موهومين وبين من يحاجونهم على أرض الوهم والخيلات المزعومة.

إن كتابة التاريخ ليست معادلة رياضية، ولكنه يعتمد فى العديد من الأحيان على وجهات النظر أو مرجعيات كاتبه، وبالتالى يمكن لنفس الحدث أن يوصف بالانتصار من طرف أو بالهزيمة من طرف مغاير، كما يمكن أن يتأثر تقييم الماضى سواء كانت المراجع المتاحة من الندرة حيث ترمى فى اتجاه واحد، أو يتم انتقاؤها عمدا، حيث تؤدى إلى نفس النتيجة، وهو ما يحدث غالبا على مستوى العامة فى مراحل التعليم، حيث تنشأ أمم بأكملها على أفكار ماضوية معينة، لا يكتشف كذبها أو تباينها إلا المتخصصون ويكون من الصعب ساعتها تغيير فكر العقل الجمعى للمواطنين لأن هذه التواريخ أصبحت تعامل معاملة العقيدة الراسخة التى من الصعب تغييرها.

وبعد استعراض الماضى وطريقة تكونه، أرى أنه من الأحوط دائما التعامل مع كل فرد على حدة، لأن المعطيات تكاد لا تتغير وإنما ما يجب أن يتغير هو كيفية تعامل الفرد مع هذه المعطيات، فبسؤال أى شخص عن تأثير الماضى عليه نجد أن هناك تأثيرا ماديا يمكن قياسه، أما تأثير المعنوى فيصعب قياسه ومن ثم يستحيل تعميمه، وبالتالى علينا أن نذهب إلى المستوى التالى وهو سؤال الفرد: إلى أى مدى يمكن أن يؤثر الماضى الذى تعرفه فى صناعة مستقبلك؟ فهل يمثل لك الماضى أستاذك الذى تتبعه؟ أم إطارك الذى تعيش فيه، وبالتالى هو المحدد لآرائك وتصرفاتك؟ أم تعتبر الماضى قد حدث ولن يعود وتتعامل معه كحكايا على سبيل الفهم والعلم بها؟ أم أنه أمل تود لو أنه عاد بكل ما فيه أو أنك تتمكن من الوصول إليه والعيش فى كل تفاصيله!!؟. إن الذى نريد أن نصل إليه من هذا المقال أن صناعة المستقبل لا ترتبط أبدا بما حواه الماضى من فضائل أو نواقص، وإنما ترتبط حتما بما يحتويه الحاضر من خطط ورؤى وطرائق تطبيق حاضر أفضل ومستقبل مختلف، لأن الماضى قد ولى ولن يعود، فالحاضر واقع الأحياء، والماضى صار قصص الموتى، بينما ما نملكه، فعلا، هو الحاضر والعيش فيه، ثم المستقبل وكيفية تحقيقه.
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع