الأقباط متحدون - في مثل هذا اليوم.. مذبحة القلعة
  • ١٠:١٧
  • الجمعة , ١ مارس ٢٠١٩
English version

في مثل هذا اليوم.. مذبحة القلعة

سامح جميل

في مثل هذا اليوم

١٤: ١٢ م +02:00 EET

الجمعة ١ مارس ٢٠١٩

مذبحة القلعة
مذبحة القلعة

في مثل هذا اليوم 1 مارس عام 1811 ميلاديا..
حدثت أكبر عملية اغتيال سياسي في تاريخ مصر الحديثة، حيث كانت مذبحة المماليك - أو مذبحة القلعة - التي نفذها الوالي الجديد محمد علي باشا لتثبيت نفوذه وترسيخ سلطانه على الحكم، وتعتبر هذه المذبحة نهاية حقبة طويلة من حكم المماليك الذي ظل طاغيًا على البلاد ستة قرون كاملة، منذ مقتل الملكة شجر الدر وتولي عز الدين أيبك عرش مصر عام 1250.

تم التحضير للمذبحة في سرية بالغة، حيث لم يعرف بها مسبقًا إلا أربعة: محمد علي ولاظوغلي وصالح قوش وطاهر باشا قائد الألبان، ولا يعرف بالضبط من صاحب الفكرة ودور كل واحد في المذبحة، إلا أن تاريخ محمد علي في الخديعة والمكر - منذ كان في بلده - يشي بأنه لم يكن محتاجاً لمن يشير عليه بالمؤامرة.

ولكن يبدو أن محمد علي باشا لم يفكر في الغدر بالمماليك إلا في عام 1811، حيث كان قبل ذلك يجتهد في محاولة الاتفاق معهم بعقد مفاوضات عدة بينه وبينهم، انتهت إلى اتفاقات طالما نقضوها، وكان يهدف من اتفاقه معهم تأمين حكمه واستخدام فرسانهم الأقوياء في محاربة الوهابيين، إذ كان يعاني من ضعف وقلة فرسانه، وجرّب محمد علي باشا معهم العديد من الأساليب، فقد حاربهم وسالمهم وأقطعهم الإقطاعيات وساواهم بكبار قادته.

في نوفمبر عام 1809 - وبعد هجوم محمد علي باشا على المماليك بالصعيد - خضع هؤلاء لشروط صلح يقضي بأن يدفعوا الميري وكل الإتاوات والقروض الاستثنائية ويغادروا الصعيد، لكنهم سرعان ما نقضوا هذا الصلح فأخذوا يماطلون في تنفيذه ويطلبون مهلة بعد أخرى حتى يسوّوا شؤونهم في الصعيد، وما لبث الباشا أن ارتاب فيهم، إذ بلغه أن هناك اتصالات بينهم وبين دول أجنبية كفرنسا، وبين شاهين بك الألفي والإنجليز - وكان شاهين يطلب منهم إرسال جيش إلى مصر، أو على الأقل أن يمدوه بأموال يستخدمها في تحريض الجند والناس ضد محمد علي باشا لعلّه يصل إلى الحكم - ولذلك هدد محمد على باستئناف القتال إن لم ينفذوا الاتفاق، فاضطروا إلى الحضور إلى الجيزة في مايو 1810، لكنهم لم يركنوا إلى الباشا، فأخذ إبراهيم بك يسوّل لشاهين بك الألفي نكث عهده مع الباشا، بل وأغرى كبار رجال محمد علي بالخروج عليه، واستجاب له شاهين فانضم إليهم بمماليكه مقابل حصوله على رئاسة بيت مراد بك - وبذلك تتأتى له رئاسة المماليك كلهم - وهكذا لاح أمام محمد علي باشا شبح اتحاد المماليك جميعهم ضده لأول مرة.

ساءت العلاقات بين الطرفين وتأهّبا للحرب، إلا أن الباشا فضّل الانتظار حتى يحلّ الفيضان فتغمر المياه الأراضي فيتعذر على المماليك الاستفادة من تفوقهم في الفرسان، واستغل الوقت المتبقي من مايو حتى حلول الفيضان في إرسال حملة لتطهير الصعيد من المماليك الذين تخلفوا فيه.

وفي الوقت نفسه، نشط رسله في الإيقاع بين المماليك المتجمعين ضده في الجيزة، ونجحوا في إقناع فريق منهم بقبول الصلح مع الباشا، وبالفعل توجه إليه بعض المماليك الأمراء بمماليكهم مستأمنين، وتزايدت الوحشة بين الطرفين، وما إن ارتفعت مياه الفيضان حتى بدأت المعارك الحاسمة التي دارت عند الهوارة واللاهون في مديرية الفيوم في يوليو وأغسطس عام 1810، وانتهت إلى هزيمة المماليك ومقتل الكثيرين منهم وأسر آخرين، كما انضم كثيرون منهم إلى الباشا - ومنهم زعيمهم الجديد شاهين بك الذي حضر إلى القاهرة مستأمنًا للمرة الثانية، فأكرمه الباشا ووعده بإعادته إلى مناصبه السابقة - إذ يبدو أن الباشا كان حتى ذلك الوقت لم يكن قد غيّر سياسته تجاه المماليك، وهي إغراء المماليك بطاعته والترحيب بمن يحضر منهم إليه معترفا بسلطانه وضمّهم إلى قادته وإلحاق فرسانهم بجيشه الذي يزمع إرساله إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين، وفي الوقت نفسه كان يعتزم تعقب البكوات الآخرين المخالفين لتشريدهم والتنكيل بهم لإجبارهم عل الاعتراف بسلطانه، ولكن تآمر الفريقين معًا عليه - المخالفين والمستأمنين - جعله يغيّر سياسته ويعمل على القضاء عليهم جميعًا.

لقد كان الأمر خدعة انطلت على المماليك ونفذتها مجموعة من جنود محمد علي بإحكام، ففي ذلك المكان - وكما جاء في كتاب "تاريخ عصر المماليك" لعبد الرحمن الرافعي - قام محمد علي باشا بدعوة أعيان المماليك إلى احتفال كبير بمناسبة تنصيب ابنه طوسون على رأس حملة متجهة إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين، وقد لبّى المماليك الدعوة وركبوا جميعا في أبهى زينة وأفخم هيئة، وكان عدد المدعوين حينها يزيد على عشرة آلاف شخص من كبار القوم ومختلف الطوائف، وسار الاحتفال على ما كان عليه الحال حينها في مثل هذه المناسبات من طعام وغناء، إلى أن نادى المنادي برحيل الموكب، فعزفت الموسيقى وانتظم قرع الطبول، عندئذ نهض المماليك وقوفًا وبدأ الموكب يسير منحدرًا من القلعة، وكانت تسبق المماليك كوكبة من جنود محمد علي ومن ورائهم كان يسير جنوده الفرسان والمشاة وعلى إثرهم كبار المدعوين من أرباب المناصب المختلفة.

سار الموكب منحدرًا إلى باب العزب، ولم يكد هؤلاء الجنود يصلون إلى الباب حتى ارتج الباب الكبير وأقفل من الخارج في وجه المماليك، وتحول الجنود بسرعة عن الطريق وتسلقوا الصخور على الجانبين، وراحوا يمطرون المماليك بوابل من الرصاص، أخذت المفاجأة المماليك وساد بينهم الهرج والفوضى وحاولوا الفرار، ولكن كانت بنادق الجنود تحصدهم في كل مكان، ثم انهالت الطلقات مدوية من أمامهم ومن خلفهم ومن فوقهم تحصد أرواحهم جميعًا بلا رحمة، حتى قيل إن عدد القتلى في هذه الواقعة قارب الخمسمائة، وأن من نجا منهم من الرصاص قد تمّ ذبحه بوحشية، فقد سقط المماليك صرعى مضرّجين بدمائهم، حتى امتلأ فناء القلعة بالجثث، ولم ينج ــ كما يقال ــ من هذه المجزرة سوى أمين بك، الذي هرب بحصانه من فوق أسوار القلعة..!!