غزة تصلى صلاة الغائب على القتلة
مقالات مختارة | عادل نعمان
الجمعة ١ مارس ٢٠١٩
الآلاف من أهالى غزة يصلون صلاة الغائب على تسعة من قتَلة المستشار النائب العام، بعد تنفيذ حكم القصاص العادل فيهم، من قتل يُقتل ولو بعد حين «الحر بالحر والعبد بالعبد»، «وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين».
آلاف الفلسطينيين اشتركوا فى صلاة الغائب بالمسجد الأقصى على من نفذوا عملية اغتيال المستشار هشام بركات، وكان ضمن هؤلاء المصلين من درّبهم على أعمال القتال والمتابعة والرصد وتجهيز المفرقعات وأعمال التفخيخ واستخدام الأحزمة الناسفة وقتل الأطفال الأبرياء.
الإخوة فى غزة، الواقفون على معبر رفح، العالقون على أبوابه انتظاراً لساعة عبور للعلاج والتعليم والسفر، لا يصلون صلاة الغائب على قتلانا وشهدائنا من ضباط الشرطة والجيش الذين يؤمّنون لهم طريق الذهاب والعودة إلى بلادهم، أو المدنيين من أبناء الشعب الذين يقدمون لهم الخدمات من علاج وتعليم ولوازم الإنارة فى غزة، والذين اغتالتهم يد الإرهاب والغدر، وبيد إخوانهم وحلفائهم، ويصلون صلاة الغائب على من قتلهم.
يا أخى اتكسفوا على دمكم، لو كان عندكم شوية دم، أو حُمرة من الخجل، فلمَ لم تصلوا على شهداء الوطن صلاة الغائب ذراً للرماد فى العيون، أو دعوة مجاملة ومسايسة ومداهنة لفتح معبر رفح للمرور، أو «برو عتب» كما يقولون؟
يا أيها المصلون خلف إمامكم الكاذب، هؤلاء هم القتَلة الحقيقيون، وهم المجاهدون المزيفون، وأقروا بالرصد والنسف والقتل والتصوير، وهم معترفون اعترافاً صريحاً دون ضغط أو إكراه. وهذا عهدنا بكل الإخوان، يعترفون ويسردون ويُسهبون فى الشرح دون ضغط أو لطشة قلم، فلا تراجُع عن قتل القاتل مهما طال أمد المحاكمة، واستنفاد كافة الإجراءات، ومراحل التقاضى. تذكرت، بعد صلاة الغائب والبكاء على مئات القتلى فى شوارعنا وفى سيناء، ونسف المساجد والاعتداء على الكنائس والمصلين، والتفجيرات التى تحصد الأرواح هنا وهناك، ونحر الأقباط فى ليبيا، تذكرت روايات ومزاعم وأكاذيب الداعية زينب الغزالى، وحكاياتها ورواياتها عن الكلاب التى كانت تنهش لحوم الأبرياء، واغتصاب النساء، وحبس الله فى الزنزانة المجاورة فى العهد الناصرى. كلها كانت مزاعم وأكاذيب وأهازيج، وكانت من نبت خيالاتهم وأوهامهم وشطحاتهم وشيطانهم كما يرسمها نفس الشيطان الآن على لوحة هؤلاء التسعة. مظلومية الإخوان من مئات السنين «يتمسكن حتى يتمكن».
الكاذبون من أهل غزة والمضللون والأفاكون نسوا أن لهم دوراً كبيراً فى كل ما يدور من مصائب على أرض مصر، ولا أعرف ما هو سر إبقاء دولتنا على كسب ود هؤلاء، أو الصبر عليهم، أو سر التمسك بهم، فإن كنتم تشترون خاطرهم فلا خاطر لنا عندهم، وإن كنتم تعتبرونهم رصيدكم فرصيدهم فى بنوك الشهامة والمروءة صفر، وكان أولى بها أهلها، وإن كنتم تخافون من حضن تركيا الذى ينتظرهم ويسعون إليه سعياً ويتوقون إليه، فهم بين أحضانه من زمن، فلا تنتظروا من هؤلاء وداً أو محبة، أو عرفاناً أو معروفاً، أو رداً جميلاً، فهم على عهد الإخوان سائرون وكارهون، وإلى الجهاد ماضون ومستنفَرون وعازمون، لكنه ليس جهاداً ضد من احتل أرضهم وديارهم، واغتصب تاريخهم، لكنه جهاد ناحية سيناء.
آن الأوان أن نعامل هؤلاء بالمثل، ونرد لهم الإساءة بأسوأ منها، فما أكثر إساءاتهم، وما أبشع أضرارهم، وما أقبح ازدراءهم وذمهم، فلا أقلّ من أن نغلق المعبر والحدود فى وجوههم جميعاً، فما فتحناه يوماً إلا وجاءتنا المصائب فى اليوم التالى تزحف وتحبو على أربع، وتحصد من أولادنا ما استطاعوا وما سعوا وما خططوا إليه، وما فرّجنا عنهم كربة إلا وصدّروها لنا أطناناً من المتفجرات فى اليوم التالى، وما أقر واعترف قاتل من الجماعات الإرهابية إلا وذكر فضل وكرم هؤلاء عليه، فهذا درّبه على فنون القتال فى غزة، وذاك أحاطه بحزام ناسف وأرسله من غزة، وهذا حمل المتفجرات لقتل أولادنا مروراً بغزة، وهذا حمل السلاح والذخيرة عابراً الأنفاق من غزة، وما جاءنا من وراء فتح المعبر سوى المصائب والكوارث والمحن، وأثبتتها التحقيقات والأحكام القضائية. وأتساءل: ماذا قدمت «حماس» للقضية الفلسطينية منذ تأسيسها على يد المخابرات الإسرائيلية؟ واسألوهم عن المليارات التى دفعها العرب للشعب الفلسطينى، أين ذهبت وفى أى بنوك أودعت؟ وكان يجب أن يكون الشعب فى حال غير الحال من تعليم وصحة وعمل وثقافة، وهى أدوات التحرير والبناء بدلاً من هذه الفوضى والبلطجة؟ وأسألكم فى «حماس» سؤالاً أخيراً: هل بمثل هؤلاء تحررون أوطانكم وتنافسون فى بناء بلادكم الشعب الإسرائيلى؟ «حماس» تقدم لإسرائيل خدماتها الجليلة وما زالت، أما نحن فلا نحتاج من هؤلاء صلاة الغائب على شهدائنا، نحن أولى بهم منهم.
نقلا عن الوطن