فى مثل هذا اليوم .. وفاة طه باقر عالم عراقي في علم الآثار
سامح جميل
الخميس ٢٨ فبراير ٢٠١٩
فى مثل هذا اليوم 28 فبراير1984م..
طه باقر (1912 - 28 فبراير/شباط 1984) عالم آثار عراقي.
ولد في العراق في محافظة بابل في مدينة الحلة. وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها ثم تخرج من الثانوية المركزية في بغداد عام 1932. وكان من الأربعة الأوائل على الثانويات العراقية، لذلك فانه انتقل لاكمال دراسته وعلى نفقة وزارة المعارف إلى الولايات المتحدة لدراسة علم الآثار في المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو مع زميله فؤاد سفر بعد نيلهم شهادة ماتريكوليشن Matriculation الإنجليزية في مدينة صفد الفلسطينية، وبعد ذلك نقل ومن معه من طلاب البعثة إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لاجتياز مرحلة السوفومور Sophomore وهي عبارة عن مرحلة
دراسية تحضيرية، وبعد تلك المرحلة سافر إلى الولايات المتحدة الأميريكية لاكمال دراسة علم الآثار وبعد أربعة سنوات حصل على شهادة
البكالوريوس والماجستير وكانت العودة للعراق عام 1938م، حيث حصل على لقب الاستاذية من جامعة بغداد عام 1959م. يعد طه باقر من أشهر العاملين في مجال ترميم الذاكرة العراقية وصلتها بتاريخها الحيوي المتحرك الحي والمنتج. لقد عمل طه باقر في مجال التاريخ القديم وعلى الأخص تاريخ العراق، وشغله اعادة صورة الجماعة العراقية المنتجة والجدية في تفاعلها القديم مع بيئتها الطبيعية والاجتماعية، لقد كانت الدولة العراقية الحديثة والتي عاش بداياتها وفتوتها مدعاة للنظر في تاريخ هذا الإنسان العراقي وكيف أبدع في أشهر حضارات العالم القديم قبل وقوعه في براثن التخلف والانحطاط. لقد ربط طه باقر بين التاريخ وعلم الآثار ربطاً وظيفياً. فالآثار لدى باقر ليست حجراً أصم يؤرخ لأزمان جامدة ومعزولة. انه تعبير متحرك عن واقع بحاجة دائما إلى اغناء مضامينه الإنسانية بالكشف والتنقيب عن إمكانات الإنسان العراقي وقدراته الابداعية.
ومثلما أسس الفرنسيون علوم التاريخ والآثار في مصر كذلك فعل الإنكليز والفرنسيون أيضا في مجال الآثار العراقية. ولابد من ذكر حقيقة للتاريخ وهي التنويه بجهود العاملين بالآثار من الأجانب الذين حفزوا ونبهوا بلداننا على الإهتمام بتاريخها القديم. إلا أن ذلك لا ينفي جملة من السلبيات التي فطن إليها طه باقر في عمل هؤلاء. فبالإضافة إلى اعمال القرصنة والتهريب التي قام بها بعض من العاملين في هذا المجال فان نظرتهم إلى التأريخ العراقي وقراءتهم لآثاره لا تلائم المعنى الذي يبغيه المؤسسون العراقيون للتواصل مع حضاراتهم الأولى. وفي أول انطلاقته تحدث طه باقر عن " نحن العراقيين علينا ان نكتشف تاريخنا بجهدنا ودماغنا والمنطق الذي نحمله ".
درس طه باقر في بداياته الأولى في فلسطين " قبل احتلالها " ثم في الولايات المتحدة الأمريكية. وعند عودته إلى بغداد ساهم بقوة في تاسيس مجتمع المعرفة التأريخي والآثار العراقية. لقد كانت التربية الأسرية للعلامة باقر تشكل جزءا من شغفه بالتاريخ فهو سليل الامام زيد الشهيد ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن أبي طالب عليهم السلام. وكان قد أعتمر العمامة السوداء عندما درس علوم العربية التقليدية والفقه الإسلامي في طفولته، ولقد ترشح ضمن بعثة للدراسة في كلية صفد الفلسطينية ثم جامعة بيروت الأميركية عام 1933م، وقد أعتبرت هذه الدراسة تحضيرية حيث سافر بعدها برفقة فؤاد سفر لدراسة الآثار وتاريخ اللغات القديمة في المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو فنال شهادة البكالوريوس والماجستير بامتياز عام 1938م. لقد درس في هذه المرحلة اللغات التي كتبت بالخط المسماري " السومرية والأكدية " واللغة العربية. يتحدث كوركيس عواد عن علاقته بالعلامة باقر " حين عاد سنة 1938 من أميركا كنت يومذاك أمينا لمكتبة المتحف العراقي فوجدت فيه مطالعا غريبا لا اغالي في القول انه اصدق اصدقاء المكتبة حيث اطلع على الكثير مما زخرت به أمهات الكتب والمجلات الأجنبية المتصلة بعلم الاثار "..
من مؤلفاته:
مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة.
تعد موسوعة تاريخ الحضارات القديمة بجزئيه من أهم المحطات العلمية في تاريخ طه باقر. حيث صدر الكتاب بمجلدين عام 1951 وقد أختص الجزء الأول منه بتاريخ العراق وحضارته منذ أقدم العصور الحجرية حتى أواخر أيام الدولة البابلية الحديثة عام 536 ق. م. فيما يتعلق الجزء الثاني بحضارة وتاريخ وادي النيل وجزيرة العرب وبلاد الشام. ويعد الكتاب بمجلديه من أهم المصادر العالمية التي كتبت في الموضوع ولم ينافسهُ أي كتاب آخر في هذا المجال حتى الآن وقد أعيد طبعه أكثر من عشر مرات وما يزال مطلوباً من القراء والمختصين حتى الآن وهو يدرس ككتاب مقرر في أغلب مناهج التدريس الجامعات العربية وبعض مناهج الجامعات العالمية ويشكل مرجعا لا غنى عنه للقارئ العام والمختص وطلبة الدراسات العليا وأساتذة التاريخ والآثار.
ملحمة جلجامش:
في عام 1962 أصدر طه باقر كتاباً شكل هاجساً معرفياً ونفسياً له. هذا الكتاب هو ملحمة كلكامش الذي طبع أكثر من ست طبعات وما يزال حتى اليوم يحظى بالقراءة والإقبال والترجمة. لقد أتحف المكتبة العربية في ترجمته وتحقيقه لهذه الملحمة الفريدة في تاريخ الحضارات القديمة. لقد قدم باقر كلكامش إلى الثقافة العالمية وفرضه بقوة منذ صدور هذا الكتاب حتى غدا بعد ذلك شخصية حاضرة في الآداب والفنون والخيال الشعبي.
مجلة سومر.
أثمرت جهود وتنظيمات وخطط طه باقر عن صدور مجلة في التأريخ والآثار هي مجلة سومر. ولقد حظيت هذه المجلة باهتمام كل المختصين من علماء الآثار في العالم العربي والعالم، وقد صدرت بانتظام وبطبعة فصلية كل ثلاث أشهر، وبقي طه باقر ينشر في هذه المجلة حتى وفاته. وفي كل دراسة من دراساته التي نشرها هنالك جهد علمي يتلقفه المختصون وعامة القراء بشكل يشيع أجواء المعرفة الحقيقية وكيفية تحقيقها للذات والمجتمع.
المرشد إلى مواطن الاثار والحضارة (ستة اجزاء).
مقدمة في أدب العراق القديم.
موجز في تاريخ العلوم والمعارف في الحضارات القديمة والحضارات الإسلامية .
من تراثنا اللغوي القديم؛ وما يسمى بالعربية بالدخيل، ولهذا الكتاب قصة طريفة إذ يرد فيه طه باقر على عجز المعجمين العرب عندما تعوزهم الحيلة في اثبات أصل أو جذر بعض الكلمات والمصطلحات فيردوها نتيجة لهذا العجز إلى الدخالة أو العجمة. لقد أثبت طه باقر أصول هذه الكلمات والمصطلحات السومرية والأكدية، وبعضها شائع في اللغة العامية العراقية لا سيما في الجنوب العراقي.
كما ساهم في ترجمة الكتب التي تؤهل طلبة الدراسات العليا للبحث والتنقيب ومنها؛ (دراسة للتاريخ) للمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي ، وكتاب (ألواح سومر) الشهير لنوح كريمر، وكتاب (الرافدان)، وكتاب (الإنسان في فجر حياته)، إضافة إلى ترجمتهِ فصول من كتاب (تاريخ العلم) لجورج سارتون.
علاقته مع عبد الكريم قاسم:
في عهد عبد الكريم قاسم عرض عليهِ الزعيم منصب وزارة التربية، وكان الزعيم عبد الكريم قاسم قد أوكل إدارة جامعة بغداد إلى عالم الفيزياء العراقي الصابئي الدكتور عبد الجبار عبد الله، وقد رفض طه باقر طلب الزعيم قاسم باجابته " الآثار أفضل من الوزارة " فعينه الزعيم قاسم مديراً عاماً للآثار حتى عام 1963م، وبعد حركة 8 شباط 1963 سجنته سلطة الانقلاب الأولى بتهمة " الشغف بعبد الكريم قاسم ". ولقد تحدى طه سلطة الانقلابيين ولم ينكر محبته و" شغفه " بالزعيم قاسم أمام هيئات التحقيق. وكان قد قدم بعد ذلك طلباً لتأسيس حزب باسم الحزب الجمهوري مع الشاعر محمد مهدي الجواهري وعبد الحليم كاشف الغطاء. ولم يكن باقر شيوعيا رغم تأثره بأفكار العدالة الاجتماعية التي دعت إليها الأحزاب اليسارية.
اكتشاف موقع تل حرمل:
أكتشف طه باقر بعض المواقع الأثرية القديمة في بغداد، ومنها موقع تل حرمل وهي التسمية الحديثة لهُ إذ كان يسمى (شادوبوم)، وكان في الماضي مركزا اداريا تابعا إلى مملكة إشنونة والتي كان مركزها تل أسمر الواقع شرق بغداد في محافظة ديالى، ويقع قريبا منها تل محمد الذي كان يسمى بنايا، وكلا التلين الأثريين يقعان في منطقة بغداد الجديدة. وعثر على رقم طينية منها لوحين طينيين في حفريات آثار تل حرمل وسجلت فيهما مواد وأحكام قانونية، وتحتوي هذه المواد القانونية التي عثر عليها على أحكام مختلفة في السرقات والاعتداء والديون والأحوال الشخصية والأجور والأسعار والبيع والشراء إلى غير ذلك من الشؤون القانونية، ومما ذكره طه باقر في بحث لهُ في قانون أشنونا المكشوف عنه في تل حرمل: ((أن قانون مملكة أشنونا المعثور عليه في تل حرمل أقدم القوانين المدونة والتي جائتنا من العراق القديم، وكان قانون حمورابي إلى زمن قريب أقدم شريعة في تاريخ البشر، ثم بدل هذا الرأي بعد استكشاف أجزاء من قانون سومري يعود إلى الملك لبث عشتار وبما ان القانون المستكشف في تل حرمل أقدم زمناً من حمورابي بنحو من قرنين فيكون بذلك أقدم شريعة كشف عنها البحث حتى الآن))..
المناصب والوظائف:
في مديرية الاثار العراقية 1938 - 1963:
خبير فني 1938 -1941 وخلال هذه الفترة وفي آذار عام 1939 دعي إلى الخدمة العسكرية ضباط احتياط
أمين المتحف العراقي من 1941 - 1953م
معاون مدير الآثار العام 1953 - 1958
مفتش التنقيبات العام لفترة 1958
مدير الآثار العام 1958 - 1963
من مؤسسي مجلة سومر وعضوية هيئة تحريرها من عام 1945 -1958م وترأس تحريرها من عام 1958 -1963م.
عضو في المجمع العلمي العراقي.
في ليبيا:
سافر إلى ليبيا 1965 - 1970
عمل مستشاراً في مصلحة الآثار الليبية 1965 - 1970
عمل استاذ في الجامعة الليبية 1965 - 1970
في جامعة بغداد:
تدريس مواضيع التاريخ القديم والحضارة في كلية التربية دار المعلمين العالية سابقاً، من عام 1941 -1960
تدريس مواضيع التاريخ القديم والحضارة واللغات القديمة (الاكدية والسومرية) في قسم الاثار كلية الاداب - جامعة بغداد (1951 - 1963)
عضو المجلس التأسيسي جامعة بغداد 1957 - 1958
عضو مجلس جامعة بغداد 1960 -1963.
نائب رئيس جامعة بغداد 1961 -1963 ثم أحيل على التقاعد في 8 شباط 1963.
تمت اعادة تعيينه بمرتبة استاذ في جامعة بغداد كلية الاداب عام 1970 -1978 حتى تقاعده.
وفاته:
ساءت حالته الصحية منذ عام 1980 وسافر على أثرها إلى بريطانيا للعلاج إلا انه توفي بعد عودتهِ إلى العراق، ودفن رفاته في بغداد يوم 28 فبراير 1984!!