من رامي مالك إلى البؤساء
أماني موسى
الثلاثاء ٢٦ فبراير ٢٠١٩
بقلم – أماني موسى
فاز النجم المصري العالمي رامي مالك، بالأوسكار عن دوره في فيلم «Bohemian Rhapsody»، الذي جسّد فيه ببراعة مشهود لها بحجم الجوائز التي تلقاها عن هذا الدور، للمطرب الأشهر فريدي ماركوري.
والحقيقة أن فوزه يبث سعادة وطاقة إيجابية لكل شخص سوي طبيعي، وذلك لعدة أسباب أولاً لكونه أصغر ممثل يحصل على الأوسكار في هذه السن، فهذا الشاب لم يصل للأربعين من عمره، وهذا مدعى للتفاؤل وبث روح الأمل على تحقيق حلمك وهدفك أيًا كان وبأي مجال، نموذج مُلهم يجعلك تثق بقدراتك وتثابر أكثر لتصل إلى ما ترجوه وتحلم به.
والسبب الثاني لكونه أول مصري أو من خلفية عربية يصعد في سماء هوليود بهذا الشكل المشرف والمتميز أيضًا، ولم يظهر كإرهابي مثلاً لكونه من أصول عربية، ولم ينحصر في هذا الدور، ووصوله لما وصل إليه لم يكن سهلاً، أو مقبولاً حتى على المجتمع الأمريكي المنفتح القابل للثقافات المتعددة، وهو ما ذكره مالك نصًا في أحد لقاءاته مع مراسل BBC، بأن خلفيته العربية كانت تُشكّل تحدي لقبوله، وصعوده بهذا الشكل، وهذا على عكس ما يعتقد البعض بأن طريقه كان سهلاً مفروش بالورود والترحاب، لكن الواقع أن وصول أمريكي من أصول مصرية أو عربية لهذا أمر غير مسبوق.
لكن بعض البؤساء الذين اعتادوا سرقة فرحة الآخرين وتنغيصها وانتزاعها، لهم رأي آخر فأخذوا ينعقون "يصيحون" على فكرة رامي مش مصري، بلاش تتلزقوا فيه، رامي وصل عشان هو أمريكي، بالمناسبة لم يقل أحد أن مصر لها فضل عليه فيما وصل إليه، لكن هذا عزيزي البائس لا ينفي كونه مصري، عليك بقراءة كبريات الصحف الأجنبية الذين وصفوه بـ الفرعون المصري، والذين حرصوا على إرفاق كلمة المصري الأصل قبل اسمه، كونك لديك مشكلات نفسية وحقد أو مشكلات وكراهية للبلد، فهذا شأنك وليس شأننا أو شأن رامي مالك.
رامي مالك بنفسه حرص على ذكر أصوله المصرية أمام كاميرات العالم أجمع أثناء تسلمه الأوسكار، كما حرص على الإشادة بالتراث المصري الثقافي والفني وأنه يستمع له منذ صغره، وكان يحب سماع الأفلام الكوميدية وأم كلثوم وغيرها، كما أنه ينطق بالعربية العامية أيضًا، فلا تنفث سمومك في وجوهنا صارخًا أنه مش مصري.
فقياسًا بذات المنطق المعوج فأن مجدي يعقوب وزويل والباز وغيرهم ليسوا بمصريين لسببين أن نجاحهم وتميزهم تم خارج مصر وليس داخلها، ولكونهم انفصلوا عن الثقافة المصرية الشعبية التي باتت تميل للعدوانية والحقد والكراهية، فهم تربوا وتعلموا ببلاد الغرب ولديهم نسق قيمي مغاير للمصري.
وبذات المنطق فهناك كثير من المصريين الذين يعيشون على هذه الأرض لكنهم انفصلوا وجدانيًا عن أغلبية الشعب بسلوكياته ونمط تفكيره، فهل نعتبرهم غير مصريين أيضًا يا مصري؟
بالمناسبة وارد لو كان رامي مالك استمر هنا وسط هذا الشعب لكان أصبح أحد أفراده البؤساء.
أخيرًا لمن يردد أن طريق مالك كان مفترشًا بالورود ولم يواجه أية مصاعب أو عناء لكونه في أرض الأحلام، وأنه نام في ليلة ثم استيقظ في صباح اليوم التالي، ووجد نفسه قد فاز بالأوسكار، دعني أخبرك عزيز البائس أن هذه حيلة دفاعية يمارسها عقلك الباطن لتهدئة عقلك الواعي من حالة الغضب والسخط على أحوالك، ولتخدير نفسك باستكمال النوم إلى أن يأتيك الحظ الذي سينتشلك من أقدارك السيئة، تخدير نفسك بأنه لا لوم عليك أو أي مسؤولية، فحظك هو اللي وحش وهو المسؤول عن كل ما تواجهه.
يسعدني أقول لك "صح النوم" مفيش حاجة في الدنيا بتيجي سهلة كدة خاصة لو نجاح بالشكل دة، هذا النجاح المبهر لا يمكن أن يكون وليد الصدفة أو الحظ كما تعتقد يا مصري، هذا النجاح ليس وليد الجلوس على المقاهي أو مشاهدة المبارايات العالمية، هذا النجاح وليد إرادة وتعب وهدف وحلم ومجهود ثم توفيق من الله حتى صار حقيقة.
هذا بالإضافة إلى ما ذكره مالك في حوار صحفي له مع الكاتب سماحة سامي، الذي قابله بأحد مقاهي العرب بلوس أنجلوس في عام 2015، وروىَ له كيف كان الطريق صعب، دعني أسرد نصًا ما قاله مالك: "عشت لحظات إحباط وألم وصل إلى حد اليأس.. معاناتي لا تقل عن تلك التي يراها أي شاب في مصر لكي يحقق حلمه، لك أن تعلم أنني بعد الحصول على التعليم الجامعي وهو ليس مجانيًا كما الحال في مصر.
كان عليّ البدء في تسديد القرض التعليمي الذي حصلت عليه، ومع ذلك قمت بالعمل في محل فلافل وشاورما في هوليوود لمدة تزيد على العام ونصف العام. كنت أرسل خلالها سيرتي الذاتية ولم أسمع شيئًا من أحد، كنت أتخيل أن صوري وأوراقي ترمى في "الزبالة".
كما أنه مر بفترة اكتئاب وبعدها أدرك أن عليه المحاولة، فإن نجحت فقد تحقق ما أراد، وإن لم تنجح فلن يلوم نفسه وأنه فعل ما عليه للوصول.
ختامًا.. رامي مالك وغيره سيكملون طريق نجاحهم وستبقى أنت بائس تولول وتندب حظك التعس.