الأقباط متحدون - عزيزى د. عمارة إيه العبارة؟
  • ١٣:٤٤
  • السبت , ٢٣ فبراير ٢٠١٩
English version

عزيزى د. عمارة إيه العبارة؟

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٠٦: ٠٨ ص +02:00 EET

السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٩

عبدالمنعم عمارة
عبدالمنعم عمارة

مفيد فوزي

عزيزى د. عبدالمنعم عمارة..

قد يدهشك أن أكتب لك على صفحات «المصرى اليوم» وأنت زميلى من كتاب أفاضل فى هذه المطبوعة يجمعنا الهدف الواحد وليس «الرأى الواحد» الذى أعتبره انتكاسة فى حرية الرأى، أحد أضلاع مثلث صحى فى بناء مجتمع الرشد. أنا واحد من قراء زاويتك الأسبوعية فى «المصرى اليوم»، قارئ مواظب لسطورك المبطنة بالرياضة المكحلة بالسياسة. أعرفك منذ كنت محافظاً للإسماعيلية يوم قلصت المسافة بينك وبين المواطنين، وكان أداؤك خارج الصندوق، وهو ما أفتقده الآن. أعطنى خبرتك: هل المحافظ صاحب مبادرات أم مقيد بسلاسل التوجيهات؟ هل المحافظ يمثل بحق رئيس الجمهورية فى المحافظة؟ هل المحافظ الشجيع هو المحافظ المطيع؟ وهل شحبت توقيعات المحافظ على أوراق خشية الرقابة الإدارية فتعطلت لغة الكلام مع الناس محتمياً بالروتين؟ ومتى يا د. عمارة تختصر حركة الأوراق بين وارد وصادر ومتى تختفى كلمة «للعرض» دون عشرات الإمضاءات؟ أسألك كمحافظ وقد عشت التجربة فى ظروف أخرى كيف نبسِّط إجراءات الإدارة كما تحلم هالة السعيد، فتقود انقلاباً على روتينية الإدارة فى مصر، هل صحيح أن مشكلة مصر هى الإدارة كما يصرخ الخبير بعلومها صبرى الشبراوى؟ وإذا كنت أشكو كمواطن من تعسف محافظ وكتبت شكوى لوزارة الإدارة المحلية أليس من الكوميديا السوداء أن تذهب «شكواى» للمحافظ الذى أشكوه؟ أعطنى خبرتك: كيف أشكو من يعرقل طريقى؟ هل باللجوء إلى الإدارات القانونية التى تكيف الأوضاع وتستف الأوراق؟ وإذا عاش البلد حواراً مجتمعياً حول مشكلة ما كالسكان، ماذا يفعل المحافظ غير تسديد الخانات ويكون قد أدى دوره؟ فهل الحكم المحلى فى مصر «فاعل» أم «مفعول به»؟

عزيزى د. عبدالمنعم عمارة..

كلمة «مواطنة» ليست ترفاً، إنها معنى كبير ومغزاها أكبر، كلمة مواطنة تعنى أن يكون لى رأى فى كل ما يخص الوطن وإلا صارت يافطة للاستهلاك المحلى يتشدق بها بعض الناس من باب الوجاهة الاجتماعية. تعال نتتبع فى المجتمع حال المواطنة، هل أبالغ إذا قلت لك إن أغلبية الناس تعيش فى مدينة «نعم» وقلة تحيا فى مدينة «لا». أتحدث عن «لا» العاقلة الرشيدة الرصينة، أتحدث عن «لا» التى ترفض بمنطق، وليست «لا» التى تأخذ شكل العصا أو الأمر المباشر، أتحدث عن «لا» المستنيرة وليست «لا» الغوغائية؟ ولكن من الذى يحدد المستنيرة من الغوغائية؟ هل هو ضابط أمن وطنى أم منصة قضاء؟ إننى أنتفض قلقاً كلما سمعت الفاضل د. على عبدالعال، رئيس البرلمان، بسرعة خاطفة دون إحصاء إلكترونى دقيق يقول «موافقة»!! إن بعض الديمقراطية خطايا، ولم يكذب من قال إن للديمقراطية مخالب، ما كرهت فى برلمان مصر إلا الضوضاء التى تنعكس سلباً على معترض يتوه صوته فى الزحام والصخب.

لم يتوقع د. عبدالعال هذا الصخب إلا إذا كان مفتعلاً، لكننا نرى مجلس العموم البريطانى يسيطر عليه «صمت الرشد» فهذا المكان يمثل أمة، وفى بعض الأحوال أشفق على د. عبدالعال من «المناهدة» مع النواب ويعلو صوته مضطراً، هناك البرلمانى المتمرس وهناك المبتدئ وربما تغيب عنه التقاليد البرلمانية. إن السرعة فى التعديلات الدستورية ليست مطلوبة، واحترمت نقابة المحامين حين أصدرت بياناً تعلن فيه أنها «تتدارس» الأمر، قبل الموافقة على التعديلات الدستورية ومدى الحاجة إليها وإلا صارت «تعديات» على الدستور وليست تعديلات! أليس كذلك يا د. عمارة؟

ولعلك تشاهد الشاشات وما جرى فيها؟ فأنا المشاهد صاحب الرأى. إن BBC أرادت أن تغير موعد إذاعة برنامج فاسفتت جمهور مشاهديها عن أنسب الأوقات، وما جرى فى الشاشات المصرية تم بالأمر، ينقل فلان من القناة الفلانية للعمل بالقناة الفلانية ويخفى فلان من الظهور، وممنوع ظهور فلان وفلانة على الشاشات المصرية الخاصة، ويؤجل البرنامج الفلانى ويلغى برنامج كذا، هذه التغييرات تمت فى الإعلام مع ظهور أسماء جديدة لمذيعين ومذيعات مع وجود مذيعات لهن تجارب مثل نجوى إبراهيم ورولا خرسا وهبة الأباصيرى وغيرهن، ولا تجد سبباً مقنعاً للاستغناء عن خدمات صاحبات التجارب لأن الأمر لا يتم بشكل راشد بل يتم بأسلوب النقل من «الوحدات»، أطع الأمر ثم تظلم، والذين ينفذون الأوامر ليس منهم أى إعلامى حصيف، بل هم- مع كل احترامى وتقديرى- ليسوا احترافيين، وتعال يا د. عمارة إلى «المحتوى» لقد صارت الشاشات تعوم على ملعب كرة!! الدورى يشغل الناس عن كل شىء حولهم! مذيعون يتميزون بالرصانة صاروا يقدمون برامج فنية خفيفة وهم غير مؤهلين لها بالمرة، لأن من يتحاور فى قضايا الفن لابد أن يكون محيطاً بعالمه وليس ضيفاً عليه! المهم كثرت البرامج الفنية وتنوعت بمطربات يجلسن فى مقاعد المذيعين والمذيعات، فلا أحد «مرجعية» له رأى فى توازن مختل فى إعلام مصر المفترض أنه يرفع منسوب الوعى كما يحلم به الرئيس. كرة وأغانٍ ومسلسلات لا تصنع وجداناً سليماً، وفى زمنى كان هناك «حديث المدينة ورئيس تحرير وسلوكيات والبرنامج الثقافى 20 سؤال وعالم البحار» فى وقت واحد، هذا التنوع ضرورة للمشاهد وإلا اتجه لشاشات بديلة، ولكن السؤال: أين جرعة التربية السياسية؟ لقد انتبه د. جمال العطيفى، أول وزير إعلام للبرامج السياسية، فجاءت الندوات السياسية على الشاشة المصرية ومائة مليون مواطن مصرى فى حاجة إلى تربية سياسية وليس إلى «تغييب» بالكرة والفن، ولست- يا د. عمارة- ضد الكرة أو الفن ولكن بحصة معقولة.

أعلم- كما تعلم أنت يا د. عمارة- أن الناس ما عادت تقرأ، والصحافة الورقية فى محنة وصارت الشاشة هى المنقذ وإن أدمن الشباب شاشة الموبايل ومخاطر المواقع، فهل نترك الإعلام يتردى، بكرة وفن ومشاكل الطلاق والرؤية وهذه موضوعات معادة؟ إيه العبارة يا د. عمارة؟! لا أعرف كيف نربط المشاهد بالحرب على الإرهاب، تلك الحملة التى يتبناها الرئيس فى مصر وأفريقيا والعالم، فالناس تعيش فى غفلة ثم تتيقظ على أحداث إرهاب، وعلم الإعلام يقول: من المهم أن تظل الحرب على الإرهاب حاضرة ولو بمقاطع من الجرائم فى فواصل البرامج، ولهذا أفتقد الاحترافيين فى الإعلام وليس الهواة أو النظريين أو فرسان الإعلان، الذين «ينفذون» التكليفات والأوامر الصادرة، هل لهذا السبب سيظل منصب وزير الإعلام شاغراً؟ إيه العبارة يا د. عمارة؟ أنا- فقط- أفكر فى مصر، فى إعلامها، فى كلمة حق تقال للناس، فى منهج فكرى عبر شاشة وطنهم الغالى، من يحرمنى من حرية التفكير؟!

هناك نقطة مهمة أطرحها أمامك فى شفافية مطلقة، وهى الخوض- بأمانة- فى أمور محورية ومصيرية يا د. عمارة.

أحياناً أجد بعض الزملاء ينصحوننى: اشترى دماغك، أو سيب الأمر لصاحب الأمر والنهى وانت مش مهندس الكون، مثل هذه التحذيرات السلبية تحول الحصان إلى «نعجة»! وذات مرة قال لى زميل أحترم رأيه: افرض أنك كتبت ما هو «خارج على النص» وجاءك أحد رجال الأمن الوطنى يستوضح منك ما تقصد، سترتفع نسبة السكر عندك، إيه لازمته؟! فهل الأفضل يا د. عمارة الصمت؟ أم الهمس؟ أم المجاهرة؟

ربما تتساءل: لماذا أنت تغامر بالكتابة؟ أقول لك إن عمرى لا يسمح لى بالمراوغة، ثانياً، لا أريد شيئاً بالمرة لا برامج ولا لجانا ولا مناصب، ثالثاً أعرف أن رئيس مصر يريد أن «يعرف» وما دمت أملك معلومة، فلا بأس أن أكتبها، أكتبها ولا ألتفت خلفى، لأنى لو تقاعست وتقاعس غيرى عن الكتابة والطرح، فنحن «نخون» أمانة الكلمة.

عزيزى د. عمارة، لعلك لاحظت أن هذه السطور ليست سوى تفعيل «للمواطنة»، فأنا أنتقد أداءً مصرياً داخل حدود الوطن وليس خارج حدوده، وأنا أتكلم عن أمور أعايشها ولى رؤية فيها، ومصر الآن بحاجة إلى التجربة المتمرسة فى كل الميادين لنعوض ما فاتنا ونمحو أثر «الجماعة» الذين عبثوا بهوية البلد، وقال القضاء المصرى كلمته، وتم تنفيذ الحكم، ونتوقع بعد قليل «رد فعل» أحكام القضاء، ويظل الانتباه شعارنا لا الغفلة، يجب أن نفيق من الإغماءات الكروية والأغانى العاطفية، فالوطن له توقعاته من ملف التجارب يا د. عمارة، إيه العبارة؟ هل ما أكتبه هذيان؟ ومعاك يا مصر، هل تذكر هذه العبارة البليغة: تكلم حتى أراك هاأنذا أتكلم، ولست أحلم برؤية لشخصى المتواضع، وإذا كنت أتكلم، أفتح قلبى، وقلمى مختلف، فهل اختلافى مقبول؟
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع