سور برلين وسور السفارة
بقلم: مينا ملاك عازر
صدقوني، أنا أقصد الترتيب بأن آتي بسور "برلين" قبل سور السفارة. فالترتيب التاريخي يلزمني بهذا، كما أن ترتيب التأثير يلزمني بهذا. ففي التاريخ، سور "برلين" بُنِي قبل سور السفارة الإسرائيلية في "القاهرة"، وسور "برلين" انهدم قبل سور السفارة الإسرائيلية بـ"القاهرة". أما من ناحية الأهمية، كان سور "برلين" يعبِّر عن انقسام العالم بين المعسكرين الأشهر حينها: المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، أو المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي- وأما سور السفارة الإسرائيلية في "القاهرة"، فهو يفصل بين الشعور بالأمان والشعور بعدم الأمان. وإن كان ذلك السور المفترض أن يعطي الشعور بالأمان الذى سقط بضربات معاول الهدم مع سقوط السور، فلن تسقط "مصر" والمصريين في نفس هذا الشعور. والدولة الإسرائيلية ليست غريبة على بناء الجدران، فقد بنت الجدار العازل، ومن قبله خط بارليف الذي كان أسطورة عسكرية وهدمه المصريون. ومع الفارق، فالخط لما هدمناه كان هدمًا عن حق، ورغبةً في استرداد الكرامة، أما السور فكنا كالمعتدين، وكأننا لا نثق بقدرة من يقودنا في استرداد حقوقنا، ونريد أخذه بأيدينا.
صدقوني يا أحبائي، إن هدم السور الخاص بالسفارة الإسرائيلية، يعبِّر عن عدم ثقة بالمجلس العسكري، وكأننا نقول له: تعالى على جنب، إحنا حانخلص، إنت مش أدهم، أنت يا من أسقط خط بارليف الذي فاق في تحصينه خط ماجينو لا تستطيع أن تعيد حق شهدائنا، ولا تستطيع أن تؤمن أولئك الإسرائيليين القابعين خلف سورهم، يشعرون بغربتهم، ويحتاجون لمن يؤمنهم. فأنت يا من هدمت السور لم تعلن عن عدم ثقتك في قدرة المجلس العسكري في استعادة حقك فقط، وإنما أيضًا أعلنت للعالم كله عن عدم قدرته عن حماية ضيوفه. فهل أنت يا من تحالفت معه حين جعل الانتخابات أولًا، تقبل أن تفعل هكذا في من يقود بلادك؟ أم أن غضبك أعماك عن حق الضيف في أن تؤمنه مهما كان ضيفًا ظالمًا وقاتلًا وسافك دماء.
وإن كان سقوط سور "برلين" أدى إلى أن صار العالم قرية صغيرة، ماذا نجم عن إسقاط سور السفارة الإسرائيلية بـ"القاهرة"؟، وماذا تنتظرون من عملكم هذا؟.. أنا لا أدافع عن "إسرائيل"، وإنما أدافع عن كرامتنا نحن، وقدرات أولي الأمر فينا على أن يكونوا مؤثرين وأصحاب كلمة مؤثرة في العالم، ولهم الهيبة بين قادة العالم. فلا يُعقل أن نصالحهم متى كانت المصلحة لنا في مصالحتهم، وأن نقلل من شأنهم متى أردنا أن نعمل أبطال وندَّعي البطولة!! ويا من أسقطوا سور السفارة وألقيتم بوثائقها، أين كنتم حين قتل الحمساويون جنودنا وضباطنا، وانتهكوا حدودنا، وأسقطوا الجدار الذي بنيناه على الحدود، ودخلوا أرضنا بلوادرهم؟
لماذا لم تفعلوا شيئًا مع رجالهم ومع أتباعهم؟ لماذا لم نسمع لكم صوتًا يومها؟ لماذا الكيل بمكيالين؟ لماذا الظلم؟ أين السياسة؟ إلى متى ستستمرون في استخدام اليد وتوقيف العقل وتعطيل الفهم؟..
القوة الغاشمة لن تجدي. فما أسقط سور "برلين" حقًا ليست المعاول، وإنما السياسة والعمل والعقل. ولذا، سقط فعلًا ولن يعود. أما ما أسقط سور السفارة، فهي القوة الغاشمة التي بلا عقل ولا سياسة. لذا، سيعاد بناؤه، وتبقى "إسرائيل"؛ لأنها تعمل، وتفكر، وتنتج، وتبني. أما نحن.. فقط نهدم.
المختصر المفيد، إن أردت البناء فاعمل بعقل، وإن أردت الهدم فاعمل أيضًا بعقل.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :