الأقباط متحدون - فى مثل هذا اليوم.. مصرع احمد حسنين باشا
  • ٢٠:١٥
  • الثلاثاء , ١٩ فبراير ٢٠١٩
English version

فى مثل هذا اليوم.. مصرع احمد حسنين باشا

سامح جميل

في مثل هذا اليوم

٥٢: ٠٩ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٩ فبراير ٢٠١٩

 احمد حسنين باشا
احمد حسنين باشا

 فى مثل هذا اليوم 19 فبراير 1946م..

سامح جميل

رئيس الديوان الملكي المصري في عهد الملك فؤاد الأول وعهد الملك فاروق الأول. وقد كان له دور كبير في الحياة السياسية المصرية في فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر.
 
وقد برز دوره بشكل أكبر في مساندة الملك فاروق، الذي بدأ حياته السياسية كشاب صغير السن، وجد في حسنين باشا المعلم والمستشار الأمين والمخلص له.
 
وهو أيضاً رحالة ومستكشف كبير كان له الفضل في اكتشاف واحتي أركنو والعوينات على الحدود المصرية الليبية, كان مصرع أحمد حسنين باشا حادثا غامضاً إن لم يكن مريباً وأثيرت شكوكٌ حول ما إذا كان حادث التصادم بين سيارته وشاحنة تابعة للقوات البريطانية مدبراً لنعد إلى تلك الأيام لنستقريء أحداثها المثيرة.
 
في مطلع فبراير شباط عام 1946 كانت الوزارة البريطانية يومئٍذ من حزب العمال بزعامة كليمنت أتلي، وكان وزير الخارجية إرنست بيفن. وعرف حسنين كيف يوجه صديقه عبد الفتاح عمرو سفير مصر في لندن إلى استغلال صداقته مع بيفن.
 
وكان أن استدعت وزارة الخارجية البريطانية مايلز لامبسون من مصر، وهو ما أسعد الملك فاروق الذي كان يضمر عداء شديداً لهذا الرجل الذي أهانه بشدة وانتقص من سلطاته كملك في أزمة فبراير شباط 1942.
 
وهكذا برَّ حسنين بوعده أو بقسمه وثأر لنفسه وللملك من مايلز لامبسون. غير أن حسنين لقي مصرعه بعذ ذلك بأسبوعين اثنين. وبدا موته مفاجأة مثيرة كما كانت حياته سلسلة من المفاجآت التي تحبس الأنفاس.
 
وكان أمضى سهرة يوم الأحد 17 فبراير 1946 في مسكن مع بعض الأصدقاء ومنهم أم كلثوم، التي غنت لهم "سلوا قلبي" كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي، وتلحين رياض السنباطي.
 
وحمل حسنين مقعداً صغيراً جلس فيه بين يدي أم كلثوم، وكان ينصت بكل جوارحه إلى تلك الأغنية المكتوبة في مدح الرسول الكريم وامتدت السهرة حتى مطلع فجر يوم الاثنين.
 
وفي يوم الثلاثاء 19 فبراير شباط كان حسنين مدعواً لتناول طعام الغداء عند أسرة صديقه الظاهر حسن المحامي في المطرية.. ولكن تراكم الأعمال أبقاه في مكتبه بقصر عابدين إلى الساعة الثالثة بعد الظهر.. ورأى حسنين أنه تأخر كثيراً عن الموعد فاعتذر هاتفياً لصاحب الدعوة، وقيل إنه اقترح تأجيل الدعوة إلى المساء، لتكون عشاء بدلاً من الغداء، لأنه يشعر ببعض التعب ويريد أخذ قسطٍ من الراحة.
 
وهكذا عدَّل حسنين خط سيره في اللحظة الأخيرة، كأنما كان على موعدٍ مع الموت في الطريق المؤدية إلى بيته استقل حسنين سيارته عائداً إلى داره في الدقي، وكانت السماء تمطر.
 
وبينما كانت سيارته تجتاز كوبري قصر النيل في طريقها إلى الدقي، أقبلت سيارة لوري بريطانية من الجهة المضادة.. وانزلقت عجلات السيارة البريطانية بفعل المطر ولفت اللوري نصف لفة على الكوبري -الذي وضع الملك أحمد فؤاد حجر أساسه في 4 فبراير شباط 1931- وصدمت سيارة حسنين من الخلف صدمة شديدة.
 
وسمع سائق السيارة صوت حسنين باشا الجالس في المقعد الخلفي وهو يقول: "يا ساتر.. يا ساتر يارب". وتقهقرت سيارة اللوري إلى الخلف بعد أن ارتبك سائقها، ودار نصف دورة حول سيارة أحمد حسنين، ففوجئ بسيارة قادمة من الاتجاه الآخر، فعاد إلى الخلف مرة أخرى ليصدم سيارة أحمد حسنين مرة ثانية والتفت السائق خلفه فرأى أحمد حسنين وقد انحنى قليلاً في مكانه بالسيارة وبدأ الدم ينزف من أنفه.
 
أوقف السائق السيارة ونزل منها يصيح ويطلب المساعدة. ومرت مصادفة في اللحظة نفسها سيارة وزير الزراعة أحمد عبد الغفار باشا صديق حسنين وزميله أيام الدراسة في أكسفورد.
 
وأسرع أحمد عبد الغفار وحمل صديقه إلى مستشفى الانجلو أمريكان بالجزيرة، قريباً من مكان الحادث ولكن حسنين كان أسلم الروح، فنقلوه إلى داره في الدقي. وطار الخبر إلى القصر، وأسرع فاروق، وكان يرتدي بيجامة وفوقها (روب دي شامبر) وفي قدميه شبشب، أسرع بملابسه هذه واستقل إحدى سياراته إلى دار حسنين في الدقي. بعد نحو ساعة، كان فاروق واقفاً أمام الجسد المسجى أمامه لحسنين.. رائده وأستاذه ومربيه ثم رئيس ديوانه..ثم قال: "مسكين يا حسنين"، وسأل ذلك عن مفاتيح مكتب حسنين، وتناولها ودخل غرفة المكتب وأغلق وراءه الباب.
 
وكان فاروق يبحث عن أية مذكرات يكون حسنين قد كتبها، وعن عقد زواجه بأمه الملكة نازلي، وأية أوراق مهمة أخرى قد يكون تركها وراءه ويقول كريم ثابت في مذكراته إنه ذهب إلى منزل حسنين فور علمه بالحادث، وجلس مع بعض مساعدي الفقيد الذين هرعوا إلى المنزل أيضاً.
 
ثم دخل عليهم فاروق وكان بادي الانزعاج،ـ فغادر المساعدون تاركين لهما في الغرفة "فعزيته، فقاطعني بقوله: لقد جمعت بنفسي كل أوراقه الخصوصية هنا وفي عابدين قبل أن تمتد إليها يد!". وخرجت صحف مصر والصحف العالمية في اليوم التالي تحمل أخبار الحادث الذي راح ضحية له أحمد باشا حسنين رئيس الديوان الملكي.
 
وكان عنوان مانشيت جريدة "الأهرام" هو: "من فجعات القدر: وفاة أحمد حسنين باشا في حادث تصادم" مع عنوان أصغر هو: "مصاب فادح". وأفردت الصحيفة صفحتها الأولى بالكامل لسرد تفاصيل وقوع الحادث، مع الإشارة إلى منح اسم الفقيد الوشاح الأكبر من نيشان محمد علي. وقالت بعض الصحف إنها تشك في أن الحادث قضاء وقدر.
 
قالوا إن أحمد حسنين قُتل، وإن نهايته لم تكن مجرد مصادفة.. واتهم بعضهم الإنجليز بتدبير الحادث، وذلك تصفية لمواقف سياسية قام بها أحمد حسنين، لم تعجب الإنجليز، خاصة أثناء فترة الحرب العالمية الثانية.. لكن البعض الآخر اتهم الملك فاروق بأنه هو الذي دبر حادث مصرع أحمد حسنين رئيس ديوانه. وقالوا إن الملك فاروق لم ينس أبداً حقده وغضبه علي أحمد حسنين، الذي جعل نازلي تجبر ابنها الملك فاروق على زواجها منه.
 
ودلل هؤلاء على ذلك بأن الملك فاروق بمجرد أن سمع خبر وفاة أحمد حسنين حتي أسرع إلى فيلا أحمد حسنين في الدقي، وحصل على مفاتيح مكتبه، ثم عاد إلى القصر وفي جيبه هذه المفاتيح، واستولى على بعض الأوراق والمستندات. وقال محمد زكي حسين وزير الأوقاف لجريدة "الأخبار": بعد حادث وفاة أحمد حسنين بسنوات ست، أنه كان أحد الشهود الذين رأوا الملك فاروق في فيلا أحمد حسنين يوم وفاته، وقال إنه كان يشغل وقتها وظيفة رئيس مجلس إدارة المجالس الحسبية في مصر، وقد حضر بصحبة رئيس مجلس حسبي مصر إلى فيلا حسنين لحصر تركته بعد وفاته، وأنه فوجئ بوصول الملك فاروق إلى الفيلا ودهش حين رآه يصعد درجة المنزل بسرعةٍ جنونية وفي أقل من لمح البصر، ثم اتجه في الحال إلى مكتب أحمد حسنين وأخذ يجري تفتيش المكتب، ولم يمكث طويلاً وسرعان ما غادر المنزل دون أن يلاحظ أنه قدم العزاء إلى أهل الفقيد.
 
وأضاف قائلاً: "بعد أن غادر الملك المنزل بدأت بمساعدة رئيس مجلس حسبي مصر حصر التركة، واتجهنا إلى مكتب حسنين باشا الذي اعتدى عليه الملك بتفتيشه وبعثرة ما به من أوراق، مما زاد مهمتنا صعوبة، وهنا حضرت شقيقة حسنين باشا، وذكرت لنا أن الملك فاروق تناول من هذه الأوراق وثيقة زواج شقيقها من الملكة نازلي.. لكن شقيقة أحمد حسنين أرسلت إلى الجريدة تكذّب هذا الكلام، ما جعل الجريدة تعرض التكذيب على محمد زكي حسين الذي عاد ليؤكد الواقعة.. وقال بالنص: "لقد توجهت إلى منزل الفقيد أحمد حسنين باشا، ومعي رئيس مجلس حسبي مصر وعددٌ من الخبراء، وذلك بعد أن أخطرنا بوفاته في حادث تصادم، وقابلتني السيدة شقيقته وبادرتني بالقول إن الملك حضر إلى المنزل، وصعد إلى الطابق الأعلى ودخل غرفة الفقيد ومكتبه، وقالت إنها تستنتج أنه أخذ بعض الأوراق من مكتب الفقيد.
 
فصعدت معها إلى الطابق الأعلى، ورأيت جميع أدراج المكتب مفتوحة، والأوراق مبعثرة فيها، ما يدل على أن أحداً اعتدى على المكتب وعبث بمحتوياته، فلما سألتها عما تظنه قد أخذ من هذه الأوراق أجابت بقولها إنها تظن أنه أخذ عقد زواج المرحوم شقيقها من الملكة نازلي!" وقد نشرت جريدة "الأخبار" في أول ديسمبر كانون أول 1952 تصريحاً لكريم ثابت المستشار الصحفي للملك فاروق قال فيه: الذي حدث أنه لما توفي أحمد حسنين أسرعت إلى بيته، وذهب إلى هناك الملك فاروق فوراً عندما بلغه الخبر، ودخل فاروق حجرة المرحوم أحمد حسنين الخاصة وفتح جميع أدراجها، وأخذ الأوراق وانصرف، وقال لي فاروق في نفس اليوم إنه عثر في أدراج أحمد حسنين على وثيقة عقد زواجه بالملكة نازلي.
 
وفي العدد نفسه، قال أنطون بوللي أقرب أفراد حاشية الملك فاروق: "في يوم وفاة أحمد حسنين كان فاروق متأثراً جداً، وما كاد يسمع بوفاته حتى صحبني معه إلى فراش الموت الذي كان راقداً عليه أحمد حسنين، وراح يبحث وينقب حتى أخذ أوراقا، كان مهتماً بألا تقع في يد أي إنسان، ولم يخبرني الملك عن هذه الأوراق بشيء. وأضاف بوللي قائلاً: أظن أن الملك فاروق كره أحمد حسنين باشا، لأنه شعر بعد وفاته أنه كان محتاجاً إليه، وأنه "لاص" بعد وفاته، وكان فاروق يتضايق من الشائعات عن علاقة الملكة نازلي بأحمد حسنين، لكنه في قرارة نفسه كان يعلم أنها علاقة شرعية، لكنه لم يجد عنده الشجاعة ليقول حقيقتها للناس! "وعموماً فقد أخبرني فاروق أنه عثر على وثيقة زواج الملكة نازلي من أحمد حسنين، وأنه أعدمها حتي لا تقع في يد أي إنسان" يومها قال فاروق لصديقه ومستشاره الصحفي كريم ثابت إن رئيس الديوان "تركنا وإحنا في عز الشغل"! وبعد قليل، أنعم فاروق على اسم أحمد حسنين بالوشاح الأكبر من نيشان محمد علي.
 
وفسر فاروق هذه الخطوة بأنها لكي تقام جنازة عسكرية لرائده ورئيس ديوانه وفي تلك الليلة، سهر فاروق في "أوبرج الأهرام" مع كريم ثابت، وقال له أثناء السهرة: "لا بد أن هناك مأتماً آخر الليلة في الدقي". وكانت نازلي منذ خلافها معه تقيم في الدار التي كانت لوالدها في حي الدقي. ثم أردف فاروق قائلاً: "من حسن الحظ أن كل شيء قد انتهى الآن". ثم حدَّث مستشاره الصحفي عن الليلة التي طلبت فيها أمه الملكة نازلي منه الموافقة على زواجها من أحمد حسنين، وغضبه الشديد من هذه الفكرة.
 
وكلَّمه كيف أنه في مرةٍ أخرى لم يستطع تحمل "ما يجري تحت سقف القصر الذي مات فيه والدي، فأصدرت أمري إلى الخدم بأن يلقوا بفرش حجرة أحمد حسنين في حديقة القصر".
 
واسترسل فاروق في الحديث عن طلاق أحمد حسنين من لطفية هانم "زوجته الشرعية بعدما ذاقت المر من علاقته بأمي"، قبل أن يفسر ما قام به في ذلك اليوم العصيب قائلاً: "ولذلك كان أول ما عملته اليوم بعد وفاته أن جمعت أوراقه الخصوصية بنفسي خوفاً من أن يكون فيها شيء يتصل بهذه الفضيحة، فيقع في يدٍ غريبة". وبرر الملك فاروق لجليسه سبب إبقائه على أحمد حسنين طوال تلك الفترة بالقول: "ولكني كنتُ مضطراً إلى الاحتفاظ بحسنين..كان يعرفُ طبيعتي وأخلاقي..وكان يعرفُ سياستي وأسراري..وكان يعرفُ دخائلي وشؤوني الخاصة..وكنتُ في البداية محتاجاً إليه في عملي، ثم لم أعد في حاجةٍ إليه، ولكني كنتُ قد اعتدتُ العمل معه، وكان يريحني فظل في خدمتي بقوة الاستمرار، سيما أنه كان في عمله مطيعاً ومؤدباً" الغريب أن جثمان أحمد حسنين قد دفن مرتين!.
 
المرة الأولى بعد وفاته ودفن في مقبرة الأسرة "بقرافة المجاورين".. والمرة الثانية بعد وفاته بأربع سنوات، حين بنت له الحكومة مقبرة خاصة في الجزء الشمالي من مقبرة مملوكية -بالقرب من طريق صلاح سالم الآن- تكلفت 22 ألف جنيه، وتم نقل رفات أحمد حسنين إليها، وأشرف على عملية النقل حيدر باشا وأحمد عبد الغفار باشا وعثمان المهدي باشا وطارق وهاشم ولدا أحمد حسنين وابن اخته محمد علي رمضان، وتولى القيام بنقل الرفات 15 جندياً من رجال البحرية الملكية وثلاثة ضباط، وقد صمم المقبرة الجديدة حسن فتحي أستاذ "عمارة الفقراء" الشهير..والذي لا يعرفه كثيرون هو أن المهندس حسن فتحي - أشهر مهندس مصري عرفه العالم منذ إيمحوتب- كان صهر أحمد حسنين باشا، إذ تزوج الأول لفترةٍ من عزيزة حسنين، شقيقة أحمد حسنين.
 
وكانت الحكومة المصرية قد طالبت الحكومة البريطانية بتعويضٍ عن حادث مصرع أحمد حسنين، فأرسلت القيادة البريطانية ـ بعد سنتين من الحادث ـ شيكاً بمبلغ 12500 جنيه إلى القصر الملكي تعويضاً لأسرة الراحل أحمد حسنين.. الغريب أن مصر كانت قد دفعت نصف مليون جنيه قبل ذلك تعويضاً عن مصرع السردار الإنجليزي سير لي ستاك، فور وقوع الحادث وفي يوميات محمد التابعي كتب يقول يوم وفاة حسنين: "مات أحمد حسنين كما مات سنيكا!.
 
كانت الشائعات قد تواترت بأن الملك فاروق هو الذي قتل حسنين، خطر على بالي ما حدث لسنيكا على يد نيرون ووجه الشبه بين نيرون وفاروق واضح، فكلاهما طاغية، أحدهما حرق روما، والآخر حرق القاهرة، أحدهما قتل أمه وأخاه، والآخر قتل عرض أمه وأخوته!.. أما وجه الشبه بين حسنين وسنيكا، فهو أن حسنين كان رائد فاروق، وسنيكا كان رائد نيرون، وقد اختلف الناس في أمر سنيكا كما اختلفوا في أمر حسنين.. فحتى الآن لم يصدر التاريخ حكمه في أحمد حسنين، وهل أعان فاروق على البغي والعدوان، أم أنه كان يحاول أن يروضه على العدل والدعة؟ بل إن التاريخ لم يصدر حكمه على سنيكا، وقد مضى على وفاته 1890 عاماً، لقد كان سنيكا فيلسوفاً، وكانت حياته مليئة بالمآزق والأهوال، وكان حسنين عالماً وأديباً ورحالة، كانت حياته كلها مآزق وأهوال، وكلاهما كان يرتفع وينخفض، يفشل وينجح، ويغوص في قاع البحر، ثم ما يلبث أن يطفو فوق سطح الماء.. وكما كان لحسنين صلة شرعية بأم فاروق، كان لسنيكا مثل هذه الصلة بأم نيرون، وقد ظل سنيكا يعلم نيرون ويشير عليه إلى عام 63، وطلب سنيكا من نيرون أن يعتزل الحياة العامة فلَّبى طلبه في عام 65، أصدر نيرون أمراً سياسيا لسنيكا بأن ينتحر! وتلقى سنيكا أمر الانتحار، وكان بين أهله وأصدقائه، والتفت لهم وقال له: إنه لا يستطيع أن يجازيهم على حسن صنيعهم بأكثر من أن يعتبروا ما حدث له على يد نيرون.
 
وفي نوفمبر 1945 أرسل أحمد حسنين إلى الملك فاروق استقالته من منصب رئيس الديوان، وقال في هذه الاستقالة: "لقد ضحيت بحياتي من أجلك،
وكان أملي أن أجعل من وجودي إلى جانبك قوة أسخرها في خدمة بلادي، وكم يؤسفني أن أملي قد خاب".. وكانت هذه الاستقالة قبل وفاته بأربعة أشهر.
 
وكذلك فاروق أصدر أمراً سامياً لحسنين بالبقاء في وظيفته، أي بالانتحار!. وهكذا مات حسنين كما مات سنيكا". نهاية درامية لرجلٍ عاش حياة حافلة بالدراما ويذهب البعض إلى القول بأن رحيل أحمد حسنين أربك فاروق كثيراً وطويلاً، فقد كان حسنين بالرغم من كل شيء أباً ومرشداً، وهنا انكشف فاروق وأصبح يتصرف بتخبط؛ نظراً لتضارب آراء مستشاريه، وعدم قدرته على ضبط الإيقاع بين الوفد والإنجليز والقصر.
 
وبعد مصرع حسنين كتبت عنه الصحف والمجلات الأجنبية باهتمام قائلة إنه كان المستشار الأول للملك فاروق وإنه كان المستشار الذي تتلمذ فاروق على يده، ما أغضب الأخير لدرجة أن كريم ثابت يقول: "وامتعض فاروق من تلك الكتابات امتعاضاً شديداً، ورسم خطاً أحمر تحت كل عبارةٍ وردت فيها لفظة مستشار استنكارا لها، وقال لي يوماً معقباً عليها: "إن هؤلاء المغفلين – إشارة إلى أصحاب تلك الكتابات- يظنون أن حسنين كان هو الذي يعمل ويتصرف، ولا يعلمون أن حسنين لم يكن سوى آلة منفذة!". وبعد وفاة حسنين ظل منصب رئيس الديوان شاغراً سنة كاملة، لا لأن فاروق لم يجد الرجل الذي يُعيَّنه فيه، وإنما لأنه أحب أن يظهر للملأ أنه يستطيع أن يستغني عن حسنين، بل يستطيع أن يصرف شؤون الدولة بدون رئيس ديوان.
 
بل إن كريم ثابت ينقل عن فاروق قوله: "لم الاستعجال في تعيين رئيس للديوان.. ألستُ أنا الرئيس الفعلي للديوان وإن لم يعرف الناس ذلك!".
 
وبعد وفاة حسنين بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع ذهب فاروق يزور أمه نازلي في قصرها الذي ورثته عن أبيها في الدقي، ودخل عليها في قاعة القصر الكبرى.. وتسمرت قدماه عند الباب. فقد رأى أمامه في صدر القاعة صورة لأحمد محمد حسنين بالحجم الطبيعي وقد جللت بالسواد. وأمام الصورة­ على الأرض­ جلست أمه الملكة نازلي وحولها سيدات حاشيتها وخادمات القصر وجميعهن متشحات بالسواد.
 
وعلى جانبي القاعة الكبيرة جلس نحو عشرين شيخاً يتلون الأوراد ويدعون بالرحمة للراحل. توقف فاروق لحظة عند باب القاعة، وقد عقدت الدهشة لسانه، ثم مشى إلى حيث كانت أمه وقال لها وهو يشير بيده إلى الصورة وإلى السيدات والمشايخ، قبل أن يقول: "إيه ده كله؟! وعلشان إيه ده كله! مات.. خلاص مات.. فلزوم ده إيه؟!".
 
انتفضت نازلي واقفة على قدميها وانفجرت في ابنها قائلةً: "ده؟ ده اللي عملك راجل.. ده اللي حافظ لك على عرشك.. بكرة راح تشوف يجرى لك إيه.. بعد موت حسنين".
 
هز فاروق كتفيه ساخراً، وانصرف وإن هي إلا أسابيع معدودة حتى غادرت نازلي مصر إلى أوروبا للعلاج والراحة كما زعمت. ولكنها غادرت مصر وفي نيتها ألا تعود.. وكان منها ما كان.. وكان كذلك ما كان من فاروق.. وكيف استهتر إلى أبعد حدود الاستهتار، إلى أن وقعت ثورة 23 يوليو تموز 1952 ..!!