حول التعديلات الدستورية
يوسف سيدهم
الأحد ١٧ فبراير ٢٠١٩
يوسف سيدهم
الآن وبعد أن وافقت اللجنة العامة بمجلس النواب علي طلب تعديل الدستور المقدم من 155 من أعضاء المجلس, وبعد أن تأكدت اللجنة من استيفاء الشروط الدستورية والإجرائية في الطلب وفقا للمادة (226) من الدستور, تدخل مصر برلمانا وشعبا في مرحلة مهمة للغاية لمناقشة التعديلات الدستورية المقترحة وبلورة الصياغات المناسبة لها تمهيدا لطرح الأمر علي الشعب في الاستفتاء.
ودعونا نراجع نص المادة (226) من الدستور باعتبارها المادة الحاكمة لإجازة أي تعديل دستوري, حيث وردت المادة في الباب السادس الذي يحمل عنوان الأحكام العامة والانتقالية ضمن الفصل الأول منه وتنص علي: لرئيس الجمهورية أو لخمس أعضاء مجلس النواب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور, ويجب أن يذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها وأسباب التعديل. وفي جميع الأحوال يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسلمه ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كليا أو جزئيا بأغلبية أعضائه.. وإذا رفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالي. وإذا وافق المجلس علي طلب التعديل, يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يوما من تاريخ الموافقة, فإذا وافق علي التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس, عرض علي الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدور هذه الموافقة, ويكون التعديل نافذا من تاريخ إعلان النتيجة وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء. وفي جميع الأحوال لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية أو بمبادئ الحرية أو المساواة ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات.
أما عن التعديلات التي تضمنها طلب النواب الـ155 والتي أتصور أنها ستستحوذ علي اهتمام الدوائر السياسية والبرلمانية والإعلامية بالإضافة إلي الرأي العام الشعبي في الفترة المقبلة فقد شملت الآتي:
** دعم تمثيل المرأة في المجالس النيابية ووضع نسبة محجوزة دستورية لها.
* تعقيب: هذا المطلب ظاهره طيب لكن يظل مرهونا بما يسفر عنه مسار الاستقرار علي النسبة المحجوزة للمرأة في المجالس النيابية وكيف يتم تحديدها ومن الذي يقررها.. ففي هذا السياق أجدني ممزقا بين موقفين: الأول أن تمكين المرأة كان مبدأ انتقاليا مقرونا بفترة زمنية محددة بعدها يترك للمرأة أن تحصل علي ما تستحق وفقا لآليات مشاركتها في العمل النيابي وما تحصل عليه باستحقاق وهو ما قد يفوق أي نسبة محجوزة لها سلفا. أما الموقف الثاني فهو أن المرأة نصف المجتمع وأي نسبة تقل عن النصف -أي 50%- يجود بها الرجل عليها تعتبر أبلغ إهانة لها وأبلغ حط من شأنها وأبلغ استهانة بقدرتها علي المنافسة في العمل النيابي.
** استمرار تمثيل العمال والفلاحين والشباب والأقباط والمصريين في الخارج وذوي الإعاقة بعد أن كان تمثيلا مؤقتا.
* تعقيب: أيضا هذا المطلب ظاهره طيب لكنه يلبس ثوب تقسيم الكعكة النيابية طبقا لمبدأ الكوتة, وهذا له مضاره الواجب إدراكها, فمسألة توزيع مقاعد التمثيل النيابي علي شرائح المجتمع ترسخ التقسيم أكثر مما ترسخ الاستحقاق, كما تضع وصاية علي إرادة الناخب, وقد سبق وصف مبدأ الكوتة بنظام اللبننة أي قياسا علي تقسيم المناصب في النظام اللبناني, وأظن أن الدوائر الوطنية المصرية طالما رفضت هذا النظام, وأكرر أن النص الدستوري علي تمثيل هذه الفئات كان يستهدف فترة مؤقتة لإعطائها الفرصة في المشاركة وبعدها يجب فطامها لتعتمد علي نفسها في دخول المجالس النيابية حتي نضمن عدم الاعتداءعلي الاستحقاق الانتخابي وحرية الناخب.
** إمكان تعيين نائب لرئيس الجمهورية أو أكثر.
* تعقيب: هذا المطلب يكتسب أهميته من الدور الذي يحدده الدستور لمنصب نائب رئيس الجمهورية والسلطات الممنوحة له, فلا يمكن أن يقتصر دوره علي أن ينوب عن رئيس الجمهورية في المراسم أو الاحتفالات أو الزيارات الخارجية أو سائر المهام البروتوكولية, إنما يلزم أن يتأكد الاحتياج لهذا المنصب من واقع الدور المحدد له في العمل السياسي.. ولنا في ذلك أن نرجع وندرس النماذج الخاصة بهذا المنصب في سائر دول العالم الديمقراطي المتقدم.
* تعديل مدة رئاسة الجمهورية لتصبح ست سنوات بدلا من أربع مع وضع ما يلزم من أحكام انتقالية.
** تعقيب: أدرك تماما أن هذا التعديل سيستحوذ علي النسبة الغالبة من المناقشات في جميع الدوائر المشاركة في مناقشة التعديلات الدستورية, ولكن دعوني أفصل بين أمرين في غاية الأهمية: أولا التعديل المطروح يتناول تعديل فترة الرئاسة من أربع سنوات إلي ست سنوات, وهو ما تتضمنه المادة رقم (140) من الدستور, لكنه لم يتطرق إلي ما تنص عليه المادة نفسها من: … لا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة.. إذا لا يجب أن تكون هناك هواجس متصلة بإطالة عدد فترات الرئاسة عن المنصوص عليه دستوريا, وثانيا يبقي التساؤل الأهم: في حالة إقرار إطالة فترة الرئاسة من أربع إلي ست سنوات, هل يسري هذا التعديل علي فترة الرئاسة الحالية للرئيس السيسي, أم يبدأ سريانه علي الفترة التالية لإقراره؟… هذا هو مربط الفرس الذي تتأهب لمتابعته كافة الدوائر.
** نلتقي في مقال قادم حول باقي طلبات التعديلات الدستورية.