الأقباط متحدون - صلاح الدين الأيوبي بين النبل والحقارة
  • ٠٧:٠٤
  • الخميس , ١٤ فبراير ٢٠١٩
English version

صلاح الدين الأيوبي بين النبل والحقارة

فاروق عطية

مساحة رأي

٤٩: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ١٤ فبراير ٢٠١٩

صلاح الدين الآيوبى
صلاح الدين الآيوبى
كتب: فاروق عطية
إختلف المؤرخون محدثون كانوا أم قدماء في نعت صلاح الدين فمنهم من اعتبره بطلا قوميا وقائدا مغوارا يمتلك صفة الفارس النبيل، ومنهم من يري العكس ويعتبره محبا لنفسه عمل لمجد ذاته ولم يكن قائدا مغوارا بل كان جبانا ومن أحقر من عرفهم التاريخ. وأنا ككاتب محايد عليّ فقط أن أسقط بقعة من ضوء علي تلك الآراء وعلي القارئ أن يقارن ويختار.
 
ممن يرونه بطلا نبيلا يُمكن ذكر عشرات من المؤرخين الكبار من أمثال: أرنولد توينبي، وج. هيربرت ويلز، وهاملتون جب، وميخائيل زابوروف ممن وصفوا صلاح الدين بأنه كان شخصية عظيمة. كذلك يمكن الإشارة إلى وقائع بعينها تبين مدى نبل وشجاعة صلاح الدين كما رآوها، ونكتفي بهذه الحجة التي قدمها كل من روبيرت إروين وجايمس فرانس، والتي تؤكد تاريخياً كون صلاح الدين رجلاً نبيلاً ومن أعظم الشخصيات التاريخية. وما مكّن هؤلاء المؤرخين من التوصل لتك الحقيقة هو أنهم لم يفرضوا قيماً خاصة بهم، كـ«الإنسانية» مثلاً، وانساقوا وراءها، بل وضعوا منهاجية صارمة مكنتهم في الأخير من تمييز صحيح الروايات من مكذوبها:
 
يرى روبيرت إروين أن صلاح الدين الأيوبي قد وُصِف تقريباً بشكل جماعي بعدة صفات منها أنه كان: قائدًا عظيماً، ورجلاً نبيلاً، شجاعاً، ورجلاً ذا خلق. هذه الصفات تقريباً قد أُجمِعَ عليها؛ فحتى أولئك الذين حاولوا أن يُظهروا صلاح الدين على أنه رجل أسّس ملكه الخاص على حساب كل شيء لم يستطيعوا أن ينفوا عنه تلك الصفات.
 
يؤكد جايمس فرانس أحد أهم المختصين بتاريخ العصور الوسطى والحملات الصليبية، على أن صفة النبل قد حملت معنى معينا وإيجابيا في عصر صلاح الدين الأيوبي، معنى أن الموصوف بها يتمتع بخلق عظيم وشجاعة كبيرة يجدر أن يكون منافساً يُحتَرم
 
وعلى النقيض، من المعاصرين يري الدكتور يوسف زيدان: "أن صلاح الدين الأيوبي من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني، فقد قام بجريمة ضد الإنسانية للقضاء علي الفاطميين، حيث عزل الذكور منهم عن الإناث فانقطع النسل، ولذلك لا نري الآن أي فرد فاطمي من الأسرة التي حكمت مصر والشام لأكثر من 260 سنة. وهو الذي أحرق مكتبة القصر الكبير التي كانت من أهم مكتبات العالم".
 
وما يقال عن صداقته بريتشارد قلب الأسند وأنه قام بعلاجه قال زيدان: "ريتشارد قلب الأسد شخص حقير جدا، وأن طبيب صلاح الدين الخاص موسى بن ميمون هو الذي عالجه". أما عن المعارك التي خاضها صلاح الدين وتحريره للقدس قال: "دخل صلاح الدين الأيوبي في حياته ثلاثة معارك، الأولى كانت معركة أرسوف، وانهزم فيها ودُمر جيشه كله، والمعركة الثانية كانت معركة حطين وانتصر فيها، والمعركة الثالثة كانت معركة الرملة ودُمر فيها جيشه كله، وتصالح على القدس، وليس هو من حرر القدس كما يروجون ولكن الذي حررها هو المنصور قلاوون، وما أقوله موجود في كل كتب التاريخ المعتمدة.
 
من سيئات صلاح الدين أيضا أنه أفنى حيًّا كاملًا في القاهرة اسمه المنصورة، والمؤرخ المقريزي يقول إن القتلى فيه كانوا 50 ألفا، وشمس الدين الذهبي الذي يعد أدق مؤرخ يؤكد أن صلاح الدين قتل 200 ألف من السنة، وأنا عندي الشخص الذي يقتل 200 ألف إنسان مسلم عشان يحكم ما لوش وصف غير الوصف الذي استعملته سابقا، ولن أتراجع عنه".
 
ويري زيدان أن صلاح الدين كان رجلا لا ولاء له، فهو من قواد السلطان السني نور الدين محمود زنكي، وتقلد وزارة الخليفة الفاطمي الشيعي العاضد لدين الله في مصر في نفس الوقت وقد خان الإثنين، فقد خان الخليفة الفاطمي وسمح بالخطابة للخليفة العباسي في المساجد والعاضد لدين الله علي فراش المرض، وحين توفي العاضد لدين الله أصبح صلاح الدين الحاكم الفعلي لمصر، ونصّب نفسه سلطانا، وبهذا زالت الدولة الفاطمية التي استمرت 262 سنة. كما خان السلطان نور الدين زنكي وانقلب عليه وأنهى الدولة الزنكية.
 
وأرجع زيدان الهالة التي وضعت علي رأس صلاح الدين كونه رجل عسكري ليكون خير دعاية للحكم العسكري الذي مثله نظام ثورة 23 يوليو بزعامة عبد الناصر. أن صورة صلاح الدين كقائد عظيم هي اختراع حديث ولا يوجد لها مصداقية تاريخية في الوجدان المسلم بشكل عام، وإذا نظرنا لكتب التاريخ قبيل الثورة لن نجد أي ذكر لبطولات صلاح الدين المزيفة.
 
 أيضا صرح عباس النوري الممثل والمخرج السوري في تصريحات للإذاعة السورية بأن صلاح الدين مجرد كذبة وانتقد وجود تمثال كبير له في وسط دمشق، وقال إن " صلاح الدين لم يحرر القدس بل صالح على القدس وبشروط صليبية بحتة"، واتهم "الناصريين والإخوان" بتأسيس "مناخ مخلص الأمة" في ستينيات القرن الماضي، مضيفا أنهم "وجدوا أن صلاح الدين هو المخلص والمحرر الحقيقي للقدس، وهو لم يدخلها بحرب بل دخلها بصلح وأرجع اليهود إليها".
 
  ومن المحدثين أيضا الشيخ علي آل محسن الشيعي السعودي يقول: اقتصر كثير من الناس في تقييم صلاح الدين الأيوبي من خلال كونه بطل معركة حطين، ومتصالحا علي القدس، واكتفوا بذلك متغافلين عن تقييمه كحاكم له مساوئ وسلبيات أخرى ربما تدعو المنصف إلى أن يعيد النظر في نظرته المثالية إلى صلاح الدين، فإني سأذكر بعض المآخذ التي عيبت عليه، منها:
 
1ـ كثرة حروبه مع المسلمين وكثرة سفكه لدمائهم، أراد أن يوسّع مناطق حُكْمه ليبسط نفوذه وسلطانه على جميع البلاد الإسلامية، فشنَّ حروباً متواصلة في المناطق المجازرة، من دون أن يراعي أيّ قيمة للدماء المحرّمة التي سيسفكها للوصول إلى أهدافه. وبعض الحوادث دلّت على أن صلاح الدين كان يستخدم الأساليب القذرة للتغلب على خصومه، كما حدث في حربه مع السودان، فإنه لما عجز عن دحرهم ذهب إلى محلّتهم (المنصورة)، فأحرقها على أموالهم وأولادهم وحرمهم.
 
2ـ سلَّم أكثر مدن فلسطين وغيرها للصليبيين، يقول الدكتور حسين مؤنس:" ثم دخلوا في مفاوضات مع صلاح الدين انتهت بعقد صلح (الرملة)، الذي نصّ على أن يترك صلاح الدين للصليبيين شريطاً من الساحل يمتد من صور إلى يافا، وبهذا العمل عادت مملكة بيت المقدس - التي انتقلت إلى طرابلس- إلى القوة بعد أن كانت قد انتهت، وتمكّن ملوكها من استعادة الساحل حتى بيروت... إلى أن قال" وبعد عقد صلح الرملة اعتبر فيليب أغسطس أن مهمّته قد انتهت، وأنه برَّ بقسمه بأن يفتح الطريق إلى بيت المقدس، وعاد إلى بلاده من ميناء عكا في 8 يونيو 1192م. أما ريتشارد فقد بقي في بلاد الشام وأتمَّ الاستيلاء على الموانئ الواقعة جنوب عكا حتى عسقلان، ثم عقد صداقة مع صلاح الدين، وأتمَّ حجَّه إلى بيت المقدس ووضع يده على قبرص... وبذلك تكون معظم المكاسب التي حقَّقها صلاح الدين - فيما عدا استعادته لبيت المقدس - قد ضاعت بسبب تنافس الأمراء الأيوبيين واختلاف كلمتهم”
3ـ تقديم صلاح الدين مصلحته الخاصة على مصلحة الأمة، وقف عدة مواقف كان يراعي فيها مصلحته الخاصة علي مصلحة الأمة، منها عدم رغبته في استئصال الفرنج لئلا تؤخذ منه مصر، وكان الخوف من نور الدين المانع له من الغزو، فإنه كان يعتقد أن نور الدين متى زال عن طريقه الفرنج أخذ البلاد منه، فكان يحتمي بهم عليه، ولا يؤثر استئصالهم، وكان نور الدين لا يرى إلا الجد في غزوهم بجهده وطاقته، فلما رأى إخلال صلاح الدين بالغزو، وعلم غرضه، فتجهز للمسير إليه، فأتاه أمر الله الذي لا يرد.
 
   ومن المؤرخين القدامي تقي الدين المقريزي الذي أوضح كيف أنهي صلاح الدين الدولة الفاطمية وقضي عليها تماما حيث قال: ولما مات العاضد لدين الله في يوم عاشوراء سنة 567هـ، احتاط الطواشي قراقوش على أهل العاضد وأولاده، فكانت عدّة الأشراف في القصور: مائة وثلاثين، والأطفال خمسة وسبعين، وجعلهم في مكان أفرد لهم خارج القصر، واحترز عليهم، وفرّق بين الرجال والنساء لئلا يتناسلوا، وليكون ذلك أسرع لانقراضهم. 
 
   ومن المؤرخين القدامي إبن الأثير عز الدين أبي الحسن الجزري الذي لام صلاح الدين علي استخدامه للأساليب القذرة في محاربة خصومه حيث دون الآتي: فغضب السودان الذين بمصر لقتل مؤتمن الخلافة حميّة، ولأنه كان يتعصب لهم فحشدوا وجمعوا فزاد عدتهم عن خمسين ألفا، و قصدوا حرب الأجناد الصلاحية، فاجتمع العسكر أيضا وقاتلوهم بين القصؤين، وكثر القتل في الفريقين، فأرسل صلاح الدين إلى محلّتهم المعروفة بالمنصورة، فأحرقها على أموالهم وأولادهم وحرمهم، فلما أتاهم الخبر بذلك ولّوا منهزمين، فركبهم السيف، وأُخذت عليهم أفواه السكك، فطلبوا الأمان بعد أن كثر فيهم القتل، فأجيبوا إلى ذلك، فأُخرجوا من مصر إلى الجيزة، فعبر إليهم شمس الدولة توران شاه أخو صلاح الدين الأكبر في طائفة من العسكر، فأبادهم بالسيف، ولم يبق منهم إلا القليل الشريد.
 
   أوضح ابن العديم عمر بن أحمد بن جرادة، أن غاية صلاح الدين هي بسط نفوذه على البلاد لأجل مآربه الخاصة، فقد قال في (زبدة الحلب): وخاف صلاح الدين من نور الدين أن يدخل مصر فيأخذها منهم، فشرع في تحصيل مملكة أخرى لتكون عدّة له بحيث إن نور الدين إن غلبه على الديار المصرية سار هو وأهله إليها وأقاموا بها، فسيَّر أخاه الأكبر توران شاه بإذن نور الدين له في ذلك، وسيَّره قاصداً عبد النبي بن مهدي، وكان دعا إلى نفسه، وقطع خطبة بني العباس، فمضى إليها وفتح زبيد وعدن، ومعظم بلاد اليمن.
 
وأوضح كل من تقي الدين المقريزي وعماد الدين الكاتب الاصفهاني (المعاصرلصلاح الدين) الصلح بين الفرنجة وصلاح الدين:
 
قال المقريزي: "وعاد إلى القدس، وعقد الهدنة بينه وبين الفرنج مدّة ثلاث سنين وثلاثة أشهر، أوّلها حادي عشر شعبان، على أنّ للفرنج من يافا إلى عكا إلى صور وطرابلس وأنطاكية، ونودي بذلك، فكان يوماً مشهود اً.
 
وقال عماد الدين الكاتب: وجعل لهم من يافا إلى قيسارية، إلى عكاء إلى صور، وأبدوا بما تركوه من البلاد التي كانت معهم الغبطة والسرور، وأدخلوا في الصلح طرابلس وأنطاكية والأعمال الدانية والنائية.
 
   وقد أدان كل من المقريزي وابن الأثير استيلاء صلاح الدين علي مكتبة القصر الفاطمي وإتلاف وتبديد ما كان بها من نفائس الكتب.
 
قال المقريزي: ومن جملة ما باعوه: خزانة الكتب، وكانت من عجائب الدنيا، ويقال إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت بالقاهرة في القصر، ومن عجائبها أنه كان فيها ألف ومائتا نسخة من تاريخ الطبري إلى غير ذلك، ويقال إنها كانت تشتمل على ألف وستمائة ألف كتاب، وكان فيها من الخطوط المنسوبة أشياء كثيرة.
 
وقال ابن الأثير: وكان فيه من الكتب النفيسة المعدومة المثل ما لا يُعد، فباع [صلاح الدين] جميع ما فيه.
 
   وعلى كل حال صلاح الدين الأيوني بشر له ما له وعليه ما عليه. وأن التاريخ دائما يدونه المنتصرون، وما أكثر ما زُور التاريخ.