ثروت الخرباوي يكتب.. الاخوان في متحف الشمع
محرر المتحدون ا.م
٣١:
٠٣
م +02:00 EET
السبت ٩ فبراير ٢٠١٩
كتب – محرر الأقباط متحدون أ. م
كتب الكاتب والباحث ثروت الخرباوي، "الإخوان في متحف الشمع.. فانتازيا ساخرة"، قائلاً، خذ نفسًا عميقًا من الهواء النقى، ثم اغمض عينيك وأصخ السمع لى، ففى السطور القادمة ستسمع منى ما لم تسمعه فى حياتك، فذات يوم يا صديقى قررت أن أسافر إلى لندن، ففى السفر سبع فوائد، ولكن الفائدة التى خرجت بها من هذا السفر أعظم من أى فائدة أخرى، وكان من حسن طالعى أننى اصطحبت معى فى سفرى هذا مجموعة من الأصدقاء، والحمد لله أنهم كانوا معى لأن كل واحد منهم أصبح شاهداً على صحة ما سأقصه عليك.
وتابع الخرباوي في تدوينة عبر حسابه بالفيسبوك، المهم يا عزيزى أن فرصة السفر هذه كانت مناسبة، فقد كانت فى بداية الشتاء الذي سيغادرنا، مع أنه لا يريد! والأصدقاء الذين قرروا أن يسافروا معى تناسبت ظروفهم مع ظروفى، وميولهم مع ميولى، ثم إنهم كانوا قد حزموا حقائبهم بالفعل، وها هى أيها البشر إجازة طويلة نشاهد فيها متاحف العالم، هل تسألنى من سيكون مرشد الرحلة؟ طبعا لن يكون مرشد الرحلة هو مرشد الإخوان! ولا طبعا مرشد المباحث! ولا مرشد السفن فى قناة السويس الجديدة، ولا هو المرشد السياحى (ألا تلاحظ أن البلاد كلها مرشدون!).
ولكن المرشد فى هذه الرحلة هو أنا، نعم أنا المرشد! ورغم خطورة هذا التصريح إذ إننى أعرف أن أحدهم سيصيح فى أحد مواقع التواصل الاجتماعى وسيقول لك: «كل شىء انكشف وبان، ثروت الخرباوى طابور خامس وقد اعترف أنه المرشد»، ثم سيرد عليه آخر: «ألم أقل إننى لا أرتاح لهذا الرجل وإنه إخوان ولكنه كان يتحرى إخفاء هذه الحقيقة حتى يستطيع أن يدلف لمؤسسات المجتمع ثم سيعمل بعد ذلك على إعادة الجماعة للحياة مرة أخرى؟». اعذرنى يا صديقى، فإننى رغم هذا أعترف أننى كنت مرشداً، ولكن مرشد هذه الرحلة، فأنا خبير فى المتاحف والتحف والأنتيكات، هل تسألنى ما علاقة لندن بالمتاحف؟ سأقول لك يا سيدى إن لندن نفسها تحفة معمارية، وفوق هذا فإن أهميتها الثقافية تكمن فى متاحفها، خاصة متحف «مدام توسو» الشهير بمتحف الشمع، تسير فى أرجاء هذا المتحف فتقابلك معظم الشخصيات الشهيرة فى العالم فتظن أنها حقيقية فتهرع إليها كى تصافحها فإذا بها شمع لا حياة فيه، فتعود أدراجك وأنت تجرجر أذيال الدهشة. أخذت الأصدقاء وسافرنا إلى لندن.
وما إن اطمأن قلبى على السكن فى الفندق الأثرى الذى وضعنا رحالنا فيه حتى أخذت صديقين، وتركنا الباقين يستريحون من عناء السفر، وذهب ثلاثتنا إلى متحف الشمع كى نتعرف عليه ونحفظ دروبه ومسالكه وردهاته وتماثيله، فأنا الآن مرشد، ويجب أن أكون «الشاطر» من بين الأصدقاء، وسبحان الله، ما إن وصلت المتحف حتى أيقنت أنه «بديع» فى كل شىء.
ولكن كانت هناك مفاجأة فى انتظارى، فالمتحف يغلق عند الغروب وأنا وصلت عند وقت الإغلاق، هل من حيلة كى ندخل المتحف؟ الإنجليز مواعيدهم مضبوطة ليس فيها هزار، فماذا أفعل؟ فتح الله لى فرصة قد لا تتكرر، فقد وجدت باباً خلفياً مفتوحاً ولم يكن عليه حارس، فدلفنا إلى داخل المتحف من هذا الباب، وبعد أن دخلت وجدت من يسك الباب خلفنا!
نحن الآن وحدنا، التزم أصدقائى الصمت وساروا خلفى على أطراف أصابعهم كأنهم ليسوا معى، بدأت أمشى الهوينا، وفجأة وجدت أمامى صالة مكتوباً على لافتة معلقة أعلاها (جماعة الإخوان).. ياااه، هل صنع المتحف تماثيل شمع لحسن البنا! فلأدخل إذن، ها! إنها مفاجأة، ما هذا التمثال الذى أراه أمامى؟! إنه تمثال للمرشد الأول الشيخ حسن البنا! والتمثال الذى بعده للمرشد الأخير محمد بديع.
اقتربت من تمثال بديع، سبحان الله، كأنه هو! يكاد ينطق من فرط دقته، ما هذا التمثال المنصوب خلفه، أها! إنه تمثال خيرت الشاطر، وبجواره تماثيل لعدد من أعضاء مكتب الإرشاد الأخير للجماعة، محمود عزت ومحمد مرسى والكتاتنى، فجأة سمعت صوتاً يقول لى: إيه اللى جابك هنا؟ عدو ولا حبيب؟ تعجبت من الصوت وقلت: يا لطيف اللطف يا رب.
أنا لا عدو، ولا حبيب، ولا حتى محمد حبيب، ولكن من أنت أيها المتحدث؟ رد الصوت: انظر خلفك، أنا محمد بديع مرشد الإخوان. قلت له: أنت بشحمك ولحمك؟! قال: لا يا شاطر، أنا محمد بديع بشمعى، أنا تمثال الشمع. قلت متعجباً: وكيف نطقت؟ قال: أنطقنى الله الذى أنطق كل شىء، أتكفر بقدرة الله تعالى؟ قلت: لا يا سيدى، أنا مؤمن. وإذا بصوت آخر يقول لى: «يا واد يا مؤمن». تلفتّ حولى وأنا أقول: بسم الله، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليكم، من أنت أيها الظريف؟ قال: أنا وجدى غنيم. قلت: ما شاء الله، ما الذى جاء بالإخوان إلى متحف الشمع. إذا بتمثال خيرت الشاطر يظهر بطوله الملحوظ ويقول: انتهت مدة صلاحيتنا فى الحياة السياسية والدينية فقلنا نستريح من عناء السنين السابقة، وها نحن ذا نقف مثل الخفر فى متحف الشمع، ثم أضاف متأففاً: لعن الله من أحضرنا هنا.
قلت: ولكن هذه سمعة طيبة لكم كجماعة مشهورة، شىء جيد أن يكون لكم تماثيل فى متحف الشمع. رد تمثال محمد بديع: لا يا شاطر، هم صنعوا لنا تماثيل الشمع هذه لأننا دخلنا التاريخ. قلت: وما الذى أدخلكم التاريخ؟ قال تمثال خيرت الشاطر: شوف يا أستاذ، أنا دخلت الاتحاد الاشتراكى ودى كانت نهاية الاتحاد الاشتراكى.
ثم دخلت الحزب الشيوعى التروتسكى ودى كانت نهاية التروتسكية فى مصر، ثم دخلت فرقة الإخوان المسلمين، ودى كانت نهاية جماعة الإخوان. أضاف تمثال بديع: وأنا دخلت التنظيم القطبى، ودى كانت نهاية التنظيم القطبى، ثم دخلت بالجماعة إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير ودى كانت نهاية الثورة.
نطق تمثال الكتاتنى قائلاً: وأنا دخلت بالجماعة للبرلمان، ودى كانت نهاية البرلمان، وقمنا بتشكيل لجان تقصى حقائق، ودى كانت نهاية الحقائق، وقمنا بتشكيل الهيئة التأسيسية لدستور 2012 ودى كانت نهاية الدستور. وإذا بتمثال محمد مرسى يقول: وأنا أصبحت رئيساً لحزب الحرية والعدالة ودى كانت نهاية الحزب، ودخلت انتخابات رئاسة مصر ودى كانت نهاية دخول الإخوان للانتخابات. وهنا قال محمود عزت وهو يصطنع الوقار: يعنى يا أستاذ نحن تخصص تقفيل حركات سياسية وجماعات وأحزاب وانتخابات ولجان، لذلك نحن الذين «جبنا درف جماعة الإخوان» فحق لمتحف مدام توسو أن يصنع لنا هذه التماثيل. قلت لهم: وهل هناك أمل أن تعود الحياة لجماعة الإخوان بعد هذه النكبات والنكسات؟ وإذا بتمثال وجدى غنيم ينتفض قائلاً بزفارة لسانه المعروفة: حياة مين يا أستاذ؟! حياة دى تبقى خالتك ولا مؤاخذة، أيها «الشرا...».
نحن تخصص شمع، والشمع لا حياة فيه، ولكننا نطمح فى شىء آخر. قلت له: وما هذا الشىء الآخر؟ قال: نريد أن ندخل متحف التاريخ، نحب أن نرى على أبواب متحف التاريخ لافتة تقول: كانت هناك جماعة اسمها جماعة الإخوان أنشأها حسن البنا وقضى عليها بديع والشاطر، سيكون هذا سبقاً تاريخياً لنا.
ومن بعيد رأيت تمثال مدام توسو يصيح قائلاً بعربية فصيحة: يا ويلتاه، اخرجوا من متحفى، لا تمكثوا فيه دقيقة واحدة بعد الآن. قال تمثال الشاطر متعجباً: ولِمَ يا سيدتى؟ قال تمثال مدام توسو: دخلتم إلى كل الكيانات فأغلقتموها وقضيتم عليها، ولا أريد أن أسمعك ذات يوم وأنت تقول: ثم دخلنا متحف «مدام توسو» للتماثيل الشمعية ودى كانت نهاية المتحف والشمع والتماثيل!
الكلمات المتعلقة