الأقباط متحدون - فى مثل هذا اليوم.. اضراب الازهريين
  • ١٢:٤٤
  • الاثنين , ٤ فبراير ٢٠١٩
English version

فى مثل هذا اليوم.. اضراب الازهريين

سامح جميل

في مثل هذا اليوم

٤٠: ٠١ م +02:00 EET

الاثنين ٤ فبراير ٢٠١٩

اضراب الازهريين
اضراب الازهريين

فى مثل هذا اليوم 4 فبراير 1927م..
فى يناير عام 1927 قام الأزهريون بإضراب كبير فى أروقة الأزهر والمعاهد الدينية، بسبب أن البرلمان قرر عرض ميزانية الأزهر فى جلساته، وكذلك فصل مدارس دار العلوم والمعلمين الأولية والقضاء الشرعى من الجامعة الأزهرية وردها إلى وزارة المعارف، ورأى الأزهريون أن ذلك ليس إلا العدوان الأكبر عليهم، ويراد التنكيل بهم، والإضرار بمستقبلهم.

وفى 4 فبراير عام 1927 كتب عبد القادر حمزة صاحب ورئيس تحرير صحيفة البلاغ ، واعتبر أن أمر هذا الإضراب ليس إلا دسيسة من الرجعيين الذين أرادوا تأليب الأزهريين على البرلمان، وعلى سلطته.

ولم تكن هذه الدسيسة منفصلة عن سلسلة دسائس أخرى، حاول هؤلاء الرجعيون أعداء الدستور والبرلمان والديمقراطية، وضعها أمام المصريين، لتعطيل الحياة النيابية فى مصر، وألمح فى بداية مقاله، إلى أن هؤلاء الرجعيين أرسلوا منذ عدة أشهر -آنذاك- رسلهم إلى لندن ليحاولوا إقناع الإنجليز بأنه لا خير فى الحكم النيابى فى مصر، وأن الخير كل الخير فى أن يحكموها هم بغير دستور، وراح هؤلاء الرجعيون يعملون فى سلق البرلمان بألسنة حادة -حسب وصف حمزة- حتى بلغ من أنهم مصريون، ولوحوا للإنجليز بأن وجود برلمان فى يده سلطة يمنع من أن تخمد فى الأمة روح المطالبة بالاستقلال ويدفع هذه الروح بالعكس إلى القوة يوما فيوما.

ويسرد حمزة بضعة تحركات قادها هؤلاء الرجعيون لتأليب الإنجليز على المصريين، ومحاولة تحريض هؤلاء الإنجليز على أن يحكموا المصريين بلا دستور، مثلما يفعل هؤلاء الرجعيون حتى الآن، والذين يستقوون بالخارج على إخوتهم وبنى وطنهم فى الداخل.

وعندما فشلت كل هذه التحركات، تذكروا أن لهم بضعة أصابع قوية فى الأزهر، يستطيعون تحريكها لإرهاق الحكومة، وتعطيل الدستور والبرلمان فكانت خطتهم التى دبروها فى ذلك أن يحركوا أصابعهم ما استطاعوا.. هذه هى الخطة التى بيّتوها وكانوا قد جرَّبوا فى عام 1924، فعرفوا أن لهم فى الأزهر أصابع استطاعت أن توقد نيران الشغب، فأخذوا يحركونها فابتدأت فى ديسمبر الماضى، فقُدمت لدار المندوب السامى البريطانى عرائض شكوى من الحكومة ثم دأبت على أن تسمم عقول الطلبة الأبرياء بأن البرلمان لا يريد خيرًا لهم .

وهنا لا بد من أن يتوقف المرء مندهشا، فما أشبه اليوم بالبارحة، فالمشهد يتكرر فى زمننا هذا، وبطرق متشابهة إلى حد كبير، فعندما يفشل الرجعيون فى الجلوس على مقاعد الحكم، يحاولون تحريك وتأليب رعاياهم، وللأسف يصبح الأزهر وطلابه مرتعا حرا لهؤلاء، وأنا هنا أستعيد مشاهد الأمس القريب، وما فعله طلاب الأزهر من تخريب وتدمير بكل ما ملكت قواهم من حقد أسود مثير للتحليل النفسى، أكثر من أن يكون مجالًا لأى قراءات أخرى.

ونعود إلى حمزة الذى يستكمل: ولو أن الطلبة فكروا فى رزانة وهدوء، لفهموا من تلقاء أنفسهم أن عرض الميزانية على هذه الجهة أو تلك أمر لا يمسهم فى شىء، لأن المال فيها لا يصرف على غيرهم، ثم لو فكر أيضا هؤلاء الذين تُصرَف لهم أموال الميزانية لفهموا أن النزاع على أىّ الجهات تنظر فى هذه الميزانية أمر لا يمسهم فى شىء، لأنه نزاع على سلطة النظر، لا على سلطة المال ومقداره .

وأصدر البرلمان بيانًا لتهدئة الأمور، ولكن كما تقول الشواهد الصحفية آنذاك، وقف الرجعيون بقوة حتى لا تلين عريكة المتمردين والمشاغبين، ووقف أحد مشايخ الفتنة ويُدعَى أبو العيون، لينفخ النار فى رعاياه، مثلما فعل فى سنة 1924، فأضربوا عن الدرس وحاولوا أن يسيروا فى مظاهرة إلى قصر عابدين، فلم يفلحوا فاكتفوا بالإضراب واتفقوا على أن يظل حتى يعْدل مجلس النواب عن قراره.

ويعقّب حمزة وأنت لا ترى أن هذا الإضراب ليس لظلم يُشتكى منه، ولا لإصلاح يُطلب، وإنما هو جزء من كيد يكيده الرجعيون للدستور، وقد علقت حباله بالطلبة المساكين فوقعوا ضحيته .

ونسأل هنا: لماذا يقع طلبة الأزهر دوما وعلى وجه التخصيص، ضحايا لهؤلاء الرجعيين؟ وهل هناك علاقة بين طرق التدريس ومضامين هذه الدروس ما يتصل بمثل هذه الهيمنة؟ ولماذا يصبح هؤلاء الطلبة منذ ذلك الحين، إلى اليوم هم الوقود الذى تستخدمه الرجعية الدينية فى كل زمان، لتعطيل حياة الاستقرار، ليس بالنسبة إلى الجامعة أو إلى الأزهر فقط، بل إلى البلاد جميعا؟

ولم يكن حماس الأزهريين المضربين متوقفا على مقاعد الدرس وأروقة الأزهر، ولكنهم أصدروا بيانات تلو البيانات، وحملها البعض إلى قراهم ليوزعوها على الناس جميعا، كأن القضية ليست قضية خاصة، ولكنهم عمموها، وهذا يكشف ما كان يريده القادة من تحريك هذا الإضراب، وكان الأساتذة يتظاهرون بأنهم ليس لهم أى علاقة بما يحدث، ولكن الأمور تفضح أكاذيبهم بطرق عديدة، وهذا المشهد كذلك يتكرر بحذافيره، مع بضعة رتوش على المشهد الجديد.

ويتطرق حمزة إلى أن نقودًا كانت توزَّع بالفعل على قيادات هذا الإضراب، وعلى المطبوعات والمنشورات التى كان المضربون يطبعونها ويوزعونها على الناس، وهذا ما أكده كثيرون، ويقول حمزة: وأكد مراسلنا أيضا أن محرضين معينين جمعوا فريقًا من الطلبة وكلفوهم بأن يتوزعوا على مساجد القرى القريبة يخطبون الناس فيها بأن البرلمان يحارب الدين، ويعمل على هدم الأزهر، فذهب هؤلاء فلم يصادفوا إلا فشلا .

وإذا كان حمزة يعلق على هذه التحركات فى المساجد آنذاك بأنها فشلت، فإننا نؤكد أن الفشل لم يكن مصاحبا دائما لهذه التحركات التى تجوب مساجد مصر طولا وعرضا، وعلينا أن نتذكر أن هذا حدث فى عام 1927، قبل قيام حركة جماعة الإخوان المسلمين بعام واحد، وهذا ما يدفعنا إلى دراسة وتأمل مثل هذه التحركات التى سبقت تكوين الجماعة التى ظلت قائمة حتى الآن، وفعلت بمصر ما نراه ماثلًا أمامنا من تسميم وتخريب للخطاب الدينى والتعليم الدينى بشكل عام.!!