مصر والدولة الأيوبية
فاروق عطية
الاربعاء ٣٠ يناير ٢٠١٩
بقلم : فاروق عطية
في أواخر دولة الفاطميين وضعف آخر خلفاؤهم العاضد لدين الله، واستقواء واستحواز الوزراء علي السلطة تنازع علي الوازة كلا من شاور وضرغام، أستعان شاور بملك الشام "نور الدين محمود بن زنكي" وأستعان ضرغام بملك بيت المقدس الإفرنجي، فقام نور الدين بإرسال حملة من الشام لنصرة شاور، كان علي رأسها أسد الدين شيركوه وأبن أخيه صلاح الدين يوسف الإيوبي، أثناء تلك الحملة وقعت مصر موقعاً كبيرا في نفس أسد الدين شيركوه، وبعد أن عاد إلى الشام ظل يحلم بها وبوحدتها مع دمشق وحلب، لتحرير بيت المقدس، فعزم مع نور الدين محمود ملك الشام علي الخروج بحملة ثانية إلي مصر، وجرت الأمور في صالحهم عندما زحفت جيوش ملك القدس نحو مصر، فما كان من العاضد إلا أن بعث إلي نور الدين محمود، يستنجد به علي ملك الإفرج، فأرسل نور الدين محمود حملة كبيرة بقيادة أسد الدين شيركوه، فقام الأخير بإصطحاب ابن اخيه صلاح الدين معه، وما أن أستتب الأمر في مصر حتي عمل الوزير شاور علي إخراج الجيش الشامي من مصر فقتلوه بإمر من الخليفة العاضد الذي كان ناقماً عليه لسوء سياسته، وقام العاضد بتعيين أسد الدين شيركوه في وزارة جديدة. حكم صلاح الدين في بداية ظهوره كمدبر لأمور عمه وزير الخليفة الفاطمي أسد الدين شيركوه وكان في نفس الوقت ممثلا للملك نور الدين محمود بن زنكي حاكم الشام الذي أرسل شيركوه على رأس قواته لإنقاذ مصر من غزو الفرنج بطلب من الخليفة العاضد نفسه، وظل كذلك لمدة شهرين، وعندما توفي أسد الدين شيركوه أسند الخليفة الفاطمي الوزارة لصلاح الدين فثبت بذلك أقدام بني أيوب في مصر، مما مهد الطريق أمام صلاح الدين لحكم مصر فيما بعد.
الدولة الأيوبية هي دولة إسلامية نشأت في مصر، وامتدت لتشمل النوبة والشام والحجاز واليمن وبعض أجزاء من المغرب العربي. يعتبر صلاح الدين يوسف بن أيوب (المولود في تكريت 532 هـ/ 1138م) مؤسس الدولة الأيوبية، وكان ذلك بعد أن عُيِّن وزيرًا لآخر الخلفاء الفاطميين العاضد لدين الله ونائبا عن السلطان نور الدين محمود زنكي في مصر، عمل على أن تكون كل السلطات تحت يده، وأصبح هو المتصرف في الأمور. لم يمرّ تولّي صلاح الدين وزارة مصر بسلام، فقد تعرّض بعد بضعة أشهر من توليه لمحاولة اغتيال من قبل بعض الجنود والأمراء الفاطميين، وتبيّن أن المحرّض الرئيسي على هذا كان مؤتمن الخليفة الفاطمي وكان خصيًا بقصر العاضد لدين الله، وكان هذا الخصي يتطلع للحكم، فقُبض عليه وأعدم. فحاك أرباب المصالح مؤامرة أخرى، حيث ملأوا صدور الآلاف من الجنود الزنزج بالحقد والكراهية ضده، لكنه استطاع أن يقمعهم ويكسر شوكتهم، وكانت تلك آخر انتفاضة ضد صلاح الدين تقع في المدينة.
بعد سقوط مصر في أيدي الزنكيين، أرسل الملك عموري الأول رسائل إلي البابا اسكندر الثالث وملوك أوروبا شارحا فيها خطورة الأمر وتغيير موازين القوى في المنطقة مطالبا بشن حملة صليبية، فعرض الإمبراطور عمانوئيل كومنينوس تعاون الأسطول الإمبراطوري مع حملة عموري الأول، الذي وجد الفرصة مناسبة بسبب انشغال الملك نور الدين زنكي في مشاكله الداخلية إضافة لوفاة أسد الدين شيركوه وتعيين صلاح الدين خلفا له وزيرا للخليفة الفاطمي بمصر والذي كان الملك عموري يراه شخصا غير محنك. استعد صلاح الدين بشكل جيد، فقد استطاع التخلص من حرس قصر الخليفة الفاطمي واستبداله بحرس موالين له.
استهل الصليبيون حملتهم بحصار مدينة دمياط في 25 أكتوبر 1169م، فأرسل صلاح الدين قواته بقيادة شهاب الدين محمود وابن أخيه تقي الدين عمر. كما سار نور الدين إلى الإمارات الصليبية في بلاد الشام وقام بشن الغارات على حصون الصليبيين ليخفف الضغط عن مصر. وقامت حامية دمياط بدور أساسي في الدفاع عن المدينة وألقت سلسلة ضخمة عبر النهر منعت وصول سفن الروم إليها، كما هطلت أمطار غزيرة حولت المعسكر الصليبي إلى مستنقع فتهيأوا للعودة وغادروا دمياط بعد حصار دام خمسين يومًا. لاحق صلاح الدين وجيشه فلول الجيش الصليبي المنسحب شمالا حتى اشتبك معهم في مدينة دير البلح سنة 1170م، فخرج الملك عموري الأول من مديبة غزة لقتال صلاح الدين، لكن الأخير استطاع تفادي الجيش الصليبي وحوّل مسيرته إلى غزة نفسها حيث دمّر البلدة التي بناها الصليبيون خارج أسوار المدينة، كما قام صلاح الدين بفتح قلعة إيلات التي بناها الصليبيون على جزيرة صغيرة على خليج العقبة في العاشر من ربيع الثاني 566هـ.
بعد هذا الانتصار، ثبّت الزنكيون أقدامهم في مصر، وأصبح من الواضح أن الدولة الفاطمية تلفظ أنفاسها الأخيرة، فأرسل نور الدين إلى صلاح الدين طالبًا إياه بإيقاف الدعاء إلى الخليفة الفاطمي والدعاء إلى الخليفة العباسي في مساجد مصر. لم يرغب صلاح الدين الامتثال إلى أن جاء شيخ سني من الموصل زائرا وقام في الجامع الأزهر وخطب للخليفة العباسي المستضيئ بأمر الله في أول جمعة من ستة 567هـ/ شهر سبتنبر 1171م لتحذو القاهرة كلها حذوه، في الوقت الذي كان فيه العاضد لدين الله علي فراش الموت مريضا. توفي العاضد لدين الله في 13 سبتنبر 1171م بالقاهرة، فأصبح صلاح الدين الحاكم الفعلي في مصر، ليس لأحد فيها كلمة سواه ونقل أسرته ووالده إليها ليكونوا له أعوانا مخلصين، ونصّب نفسه سلطانا على مصر ولُقب بالملك الظافر وكنيته أبو المظفر، وبهذا زالت الدولة الفاطمية التي استمرت 262 سنة.
تمكن صلاح الدين من تقوية مركزه في مصر، فاستمال قلوب المصريين عن طريق بذل المال، وأخضع مماليك شيركوه وسيطر على الجند بالإحسان إليهم، قوى علاقته الحذرة بنور الدين زنكي في دمشق الذي أمده بالمساعدات العسكرية، إلا أنه ما لبث أن دب الخلاف والوحشة بينهما بعد أن اتبع صلاح الدين سياسته الانفصالية عن الدولة الزنكية، فقرر نور الدين غزو مصر لإخضاع صلاح الدين إلا أن الموت عاجله سنة 569هـ/1174م قبل أن يحقق غرضه، فترك بذلك الساحة خالية أمام صلاح الدين ليتبوأ زعامة المسلمين، فضم بلاد المغرب الأدنى واليمن وبلاد النوبة.
بعد وفاة نور الدين زنكي توجه صلاح الدين إلى بلاد الشام ودخل دمشق، ثم ضم حمص وبعدها حلب، وبذلك أصبح صلاح الدين سلطانا علي مصر والشام. امتدت الدولة الأيوبية إلي الحجاز، كما قام صلاح الدين بتحصين جنوب فلسطين استعدادا لأي أمر يقوم به أرناط صاحب قلعة الكرك والذي كان يجهز للهجوم علي الأماكن المقدسة الإسلامية في مكة والمدينة. إعتنى صلاح الدين بميناء القلزم (السويس) وميناء جدة، وذلك لأن أرناط كان قد أنشأ أسطولا في ميناء إيلة (العقبة)، وأرسل بعضا من سفنه وصلت عيذاب، فاستولي صلاح الدين علي أيلة. استرد صلاح الدين بيت المقدس في 2 أكتوبر 1187م، بعد ثلاثة أشهر من انتصاره في معركة حطين، عقب ذلك سقطت في يده كل مواني الشام ما عدا مينائي إمارة طرابلس وإنطاكية. إنتهت الحرب الصليبية الثالثة بسقوط عكا بيد الصليبيين، وتوقيع صلح الرملة بين صلاح الدين وريشارد فلب الأسد. توفي صلاح الدين عام 589هـ/ 1193م بعد أن قسم دولته بين أولاده وأخيه العادل، ودفن بالمدرسة العزيزية بدمشق.
بعد وفاة صلاح الدين تولي الملك بعده إبنه عثمان الملقب بالملك العزيز عماد الدين وكنيته أبو الفتح (1193- 11938م). تلاه إبنه محمد الملفب بالملك المنصور ناصر الدين (1198- 1200م)، تلاه أحمد بن الأفضل نجم الدين أيوب الملقب بالملك العادل سيف الدين وكنيته أبو بكر (1200- 1218م)، تلاه محمد بن العادل سيف الدين أحمد الملقب بالملك الكامل ناصر الدين وكنيته أبو المعالي (1218- 1238م)، تلاه الملك العادل سيف الدين وكنيته أبو بكر وهو ابن الكامل ناصر الدين محمد (1238- 1240م)، تلاه أيوب بن الكامل ناصر الدين محمد الملقب بالملك الصالح نجم الدين وكنيته أبو الفتوح (1240- 1249م) تلاه توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب الملقب بالملك المعظم غياث الدين (1249- 1250م)، وآخرهم موسى بن الملك العادل سيف الدين أحمد الملقب بالملك الأشرف مظفر الدين (1250- 1252م). وانتهت الدولة الأيوبية فعليا في عهده وبقيت إسميا تحت سلطة المماليك.