بقلم:يحيي الوكيل
فى ذكرى قيام أحمد عرابى بوقفته الشهيرة فى ميدان عابدين أمام الخديو توفيق، قام الشعب المصرى بإعادة المشهد و لنفس الأسباب – و يبدو بنفس النتائج أيضا؛ فقد تمكنت القوى الليبرالية بحشد مليونى من التأكيد على قوتها و وجودها فى الشارع السياسى و دحض مقولة ان المليونيات لا تتحقق إلا بمشاركة تيار الإسلام السياسى، و قامت تلك القوى بإرسال نفس رسائل أحمد عرابى لأبواب مصر العالية:
فللمجلس العسكرى الحاكم حاليا، الرسالة كانت أننا لن نورث بعد اليوم، و لن يجثم على صدر مصر حكم ديكتاتورى عسكرى يرى نفسه وريث إنقلاب 1952 أو ديكتاتورى دينى يرى نفسه وريث خلافة عثمانية.
و للمماليك من جهاز الشرطة، الرسالة كانت أننا لن نستعبد بعد اليوم، و لن نقبل منكم معاملة الأسياد الذين ليس من حقنا نقدهم بل و لا حتى مهاجمة الخونة منهم، و أن التصعيد الذى قامت به الشرطة ضد مجموعة ألتراس النادى الأهلى لمجرد أنهم هاجموا خائنا نعلم مدى خيانته هو و مماليكه هو تصعيد غير مقبول و لا يمكن السكوت عليه و كأحرار سنرد و سنقاوم حتى تعلموا مكاننا منكم و تعلموا مكانكم منا.
لكن، و كما حدث لثورة أحمد عرابى، تحركت ضده عدة قوى فى آن واحد و أخطرها القوى الدينية لإفشال الثورة و تحقيق أكبر المكاسب للعمائم و كالعادة على حساب الشعب.
 
كانت الأمور تسير بيسر لدرجة كبيرة حتى بعد العصر فى جمعة "تصحيح المسار"، و كانت الضغوط المتولدة عن الحشد قد أفلحت حتى قبل أن يبدأ اليوم و ذلك بسحب قوات "حفظ الصينية" و عدم رفع حالة الطوارئ بالجيش و حتى عن الإعلان باحتمال إعادة النظر فى بعض الأحكام العسكرية ضد المدنيين، و كان واضحا أن نجاح اليوم سيعنى تحريكا لقضايا الدستور أولا و منع الأحزاب الدينية العنصرية.
فقررت قوى الظلام التدخل بكل ما تقدر عليه من مكر و دهاء و حتى بالخيانة لإفشال اليوم.
لفهم السطور القادمة، علينا ان نستحضر أحد مبادئ علم البحث الجنائى و هو البحث عن المستفيد من فعل ما أو جريمة ما؛ و لأن ما حدث فى يوم الجمعة 9-9 هو جريمة كاملة الأركان فنستعين بهذا المبدأ فى فهم الأحداث الأخيرة من اليوم.
المستفيد الوحيد من فشل جمعة تصحيح المسار بل و التسبب فى اعوجاجه هم الخونة من أتباع الإظلاميين و التلفيين و جناحهم العسكرى الممثل فى المجلس. و لما كان الإظلاميون قد أعلنوا عدم مشاركتهم فى أحداث جمعة تصحيح المسار عز عليهم نجاح اليوم و تدخلوا لإفشاله – هذه المرة ليس بارسال أعداد كبيرة تركب النجاح و تنسبه لنفسها، فهذه اللعبة صارت مكشوفة و مستهلكة و الإصرار عليها سيفقدهم تعاطف العديدين معهم، لكن بإرسال أعداد قليلة لتسخين الشباب الأسهل تأثرا و دفعهم لتخريب اليوم بالعنف و البلطجة.
فى رابط الفيديو الآتى:
http://www.youtube.com/watch?v=sgiL5stPX1Q&feature=share
 
 
ستشاهدون بوضوح عدد قليل من السلفيين يقومون بتسخين الشباب لمهاجمة "سور السفارة الإسرائيلية" – و كان من السهل عند الوصول للسفارة التسخين بدرجة أكبر للهجوم على السفارة نفسها و توريط مصر فى أزمة ديبلوماسية تلغى تماما الآثار الدولية الرائعة لما حدث فى يناير و ما بعده و تفتح الباب لعقوبات على مصر ينجم عنها ازدياد فى الكراهية الشعبية للغرب و المجتمع الدولى و ساعتها يتقدم الإظلاميون ببرنامج متصادم مع الحضارة الإنسانية يقبله الشعب لعدائه المكتسب للحضارة الغربية حسب خطة الإظلاميين.
نفس سيناريو الثورة الإيرانية..
فى نفس الفيديو ستشاهدون مشهدا عجيبا – و هو الجزئية الثانية فى التحقيقات: سلاح الجريمة، و هو فى هذه الحالة مطرقة قوية يمسك بها سلفى لهدم السور. لا يمكن لهذه المطرقة الدخول من نقاط التفتيش المكلفة بتامين ميدان التحرير، و من معرفتى الجيدة بالمكان لأننى تربيت فيه فهذه اللقطة تم تصويرها خارج الطوق الأمنى للميدان مما يعنى أن هناك استعدادات مدبرة للسير إلى الجدار الأمنى بكوبرى الجامعة و تحطيمه؛ و من نافلة القول أن من يستعد لهدم السور يستعد أيضا لاقتحام السفارة الإسرائيلية.
إذن لدينا جريمة و فاعل و له دافع و سلاح جريمة؛ و لكن ليس هذا هو كل شيئ.
الشرطة أيضا كانت تدبر لأمر، ففى حالتى الهجوم على وزارة الداخلية – التى لم يتمكن أحد من اقتحامها و لن يتمكن أحد أبدا من ذلك – و مجرد التواجد بالقرب من مديرية أمن الجيزة تطورت الأمور إلى حرائق من داخل المبنيين؛ و لما كان كلا المبنيين لم يتم اقتحامه كان من الضرورة استنتاج أن الحرائق أشعلها من هم بداخل المبنى فعلا.
و الهدف؟
 
 
الهدف التخلص من أية وثائق يرغبون الخلاص منها فى مبنى الداخلية، و استعداء العالم على الثائرين بدعوى همجيتهم و تخريبهم للمال العام فيكون لهم الحق فى استعمال العنف المطلق ضدهم و بتأييد من الرأى العام هذه المرة بعد أن خسروه فى قضية ألتراس النادى الأهلى.
يبقى الضلع الثالث للمثلث الذى أطبق على الثورة لخنقها و القضاء عليها.
عندما ألقى مستوطن بحجر على قنصلية مصر فى إيلات قامت الشرطة الإسرائيلية بتوقيفه و وجهت له تهمة "الإضرار بدولة صديقة"، و كثفت من تأمين بعثتنا الديبلوماسية فى إسرائيل لأنها تعلم أن الفشل فى تأمين البعثة الديبلوماسية هو فشل للدولة المضيفة و لا يمس الضيوف فى شيئ. الغريب انه حتى لو كانت الجموع الجاهلة على غير علم بهذا و تفرح لإنزال علم إسرائيل و اقتحام السفارة فالمفروض أن المجلس على علم بذلك و كذلك قائد القوة المناط به حماية السفارة؛ فكيف قبل هذا القائد التقصير فى حماية السفارة و ليس مرة واحدة بل عدة مرات؟ و لماذا كان قائد القوة المناط بها حماية السفارة السعودية و هى قريبة جدا من السفارة الإسرائيلية أقدر على تنفيذ مهمته؟
لقد بلغ عدد المصابين فى أحداث "المثلث" – و هو الشكل الهندسى الذى يرسمه توصيل مواقع سفارة إسرائيل و سفارة السعودية و مديرية أمن الجيزة – حتى لحظة كتابة هذه السطور حوالى 900 مصاب منهم قتلى، مما يعنى أنه قد تم استخدام العنف؛ فلماذا لم يستخدم العنف لتحقيق التزام مصر بمعاهداتها الدولية و منع اقتحام السفارة الإسرائيلية؟
هناك إذا جريمة شارك فيها فعلة و متواطئون و محرضون؛ و الدليل موجود.
لقد كانت أكبر ضربة وجهت لأحمد عرابى هو إعلان المشايخ أنه خارج عن الملة لخروجه على الحاكم المسلم ممثل الخلافة، فانفض الناس عنه و تعرض لخيانات لا أول لها و لا آخر انتهت بهزيمته و تسليم مصر لاحتلال طويل.
الإسلام السياسى خان عرابى بالأمس و الإسلام السياسى يخون أحفاده اليوم؛ لكن الاحتلال الإنجليزى الذى نجم عن هزيمة عرابى هو بكل المقايس أقل وطأة من الاحتلال الوهابى الذى تنويه لما قوى الإظلام و التلفيون.
و أنا رافض للاحتلال بكل أشكاله – و سأقاوم الخونة الذين يسعون إليه و يحاولون تحقيق إعوجاج مسار الحراك السياسى فى مصر حتى و نحن نحاول تصحيحه.