سليمان شفيق
مئوية ثورة 1919 تعيد الي الاذهان الدور الوطني للمواطنين المصريين الاقباط ، والكنيسة الوطنية ، ومن 1919 وحتي 2019 ، 100 عام من النضال من أجل المواطنة من ثورة الي اخري ، والتمييز لايتوقف،والاضطهاد من المتشددين مستمر .
ومنذ 2010 وحتي الان هناك نخب جديدة ظهرت ، منهم فئة خرجت بالكنيسة للوطن وليس من الكنيسة للوطن كما يدعي البعض ، ظهرت هذة الفئة منذ الاحتجاج المسيحي الأول 2010 أمام محافظة الجيزة بعد أحداث كنيسة العمرانية، ومن تابع أسماء ال(154) معتقلًا الذين أفرج عنهم بعد تدخل الكنيسة سيجد أنه للمرة الأولى من بينهم مسيحيين من طوائف أخرى غير أرثوذكسية. ثم المظاهرات التي تلت تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية، ومن يراجع قضية (مسرة بشبرا) سيجد أنها ضمت للمرة الأولي مسلمين ومسيحيين، ورفعت شعارات إسقاط العادلي ومبارك، نفس شعارات ثورة 25 يناير، وما تلي ذلك من تطور موضوعي من صدام ماسبيرو وكسر طوق الخوف الذى كان يطوق عنق المواطنين المصريين الأقباط الثلاثين عاما الماضية، هذا التطور الموضوعي للخروج بالكنيسة بدا برفع الصلبان في المظاهرات كرد فعل لحرمانهم مؤخرا من رفع الصلبان علي الكنائس، ثم اصطحابهم لبعض ابائهم الروحيين في الاحتجاجات (علي غرار اباء لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية) وصولا للانصهار المذهبي والقومي في صلوات بين مختلف المذاهب المسيحية والإسلامية في وعي جديد اعاد انتاج الاندماج الديني لثورة 1919 من منظور” قومي عولمي”، وهكذا استطاع الثوار الأقباط التماهي بين الوطن والكنيسة ولعل ذلك التطور من ماسبيرو للتحرير والذى جعل الهلال والصليب يتماهيان هو أحد العوامل المهمة التي عجلت بوحدة المصالح بين المجلس العسكري حينذاك والإسلاميين والغزوة الإسلامية الاخوانية للوعي المصرى.
من الملاحظ ان الثورتين الشعبيتين الأساسيتين 1919، 2011 استبقتهما تحركات قبطية احتجاجاً على تمييز ديني وقع عليهم، في مطلع القرن العشرين و بعد وفاة مصطفى كامل، وهجرة محمد فريد، تبوء عبد العزيز جاويش رئاسة الحزب الوطني القديم، وساد تيار يدعو للخلافة الإسلامية، وتعددت مظاهر التعصب ضد الأقباط مما دعاهم إلى عقد المؤتمر القبطي 1910 و تلاها المؤتمر الاسلامي 1911، و الغريب أن قادة المؤتمرين صارا فيما بعد قادة ثورة 1919 وكانت اول مظاهرة احتجاجية اندلعت بعدها الثورة خرجت من البطرخانة الأرثوذكسية القديمة بالدرب الواسع بقيادة الأب الثوري سرجيوس،
ما أشبة الليلة بالبارحة، بعد تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية، شهدت شوارع سيدي بشر، وشبرا مظاهرات أقباط ومسلمون، هتفت بإسقاط حبيب العادلي وحسني مبارك (3، 4 يناير 2011، قبض على 11 منهم 8 من المسلمين و 3 مسيحيين بتهمة الدعوة لإسقاط نظام الحكم)
واثارت هذه المظاهرات الرئاسات الكنسية للكنيسة الارثوذكسية حتى ان الانبا شنودة الثالث صرح: “هؤلاء ليس بأولادنا – (جريدة المصري اليوم 5 يناير 2011)” في دلالة واضحة على ان المشاركة الايجابية السياسية للشباب القبطي غربية عن التربية الكنسية التي تعتمد على مقولة “ابن الطاعة تحل عليه النعمة”.
ولكن الشباب القبطي لم يستمع لهذه الخطابات.. واتجه إلى قلب ميادين مصر سعياً للثورة، ومن يراجع أسماء الشهداء والجرحى، (من 25 يناير حتى 28 يناير) سيجد أن 80% من الضحايا المسيحيين استشهدوا او جرحوا في مطلع الثورة (الشهيد مينا نبيل 28 / 1 / 2011 حينما كان الاخوان يحرقون الاقسام ويقتحمون السجون)، وسيذكر التاريخ أن اول بيان مؤيد للثورة يصدر من جهة دينية كان من لجنة العدالة والسلام، كما أن أول بيان مدني مؤيد للثورة 29 يناير 2011 وقع عليه راهبين يسوعيين هما الأب وليم سيدهم والأب هنري بولاد اليسوعيان، وأول رئاسة دينية تنشر مقالاً مؤيد للثورة كان الأنبا موسى أسقف الشباب ( جريدة الأهرام 1 فبراير 2011).
كل ذلك الحراك ادي لظهر هؤلاء اصحاب الاحتجاج السياسي والاجتماعي في الشارع ، ومهد الي نضال الاقباط كجزء لا يتجزء ضد حكم الاخوان ، حيث كان الأقباط اول من انسحبوا من الجمعية التأسيسية لدستور 2012، وكان لهم حضور مؤثر في الاحتشاد أمام الاتحادية، ومنذ نوفمبر 2012 وحتي 30 يونيو 2013 ساهم المواطنون المصريون الأقباط بشكل طليعي ومباشر في التصدي للحكم الاخواني، وكان البابا تواضروس الثاني بجوار شيخ الازهر في طليعة مكونات حلف 30 يونيو، وبالطبع لا ننسي كيف عاقب الإخوان الأقباط قبل الثورة بالاعتداء علي الكاتدرائية المرقسية بالعباسية (مايو 2013) للمرة الاولي منذ تأسيس مصر الحديثة، ثم العقاب الثاني الجماعي (أغسطس 2013).
ولا ننسي ما أصدرة نيافة الانبا مكاريوس،الاسقف العام لايبارشية المنيا وابو قرقاص للأقباط الأرثوذكس، كتاب يحمل عنوان: “رحيق الاستشهاد”، قدمه قداسة البابا تواضروس الثاني قائلا:(هذه صفحات للتاريخ نسجلها ومازالت الأحداث الدامية ماثلة أمامنا: كوطن وككنيسة ولمجتمع.. نسجلها بصدق شهادة لكل العالم وكيف قدم أقباط مصر صورة مضيئة عن معاني الوطنية والأخوة والمواطنة وكيف طبقوا الوصية المسيحية بصورة اذهلت العالم والمصريين.. إننا نحبكم أيها المعتدين.. ونسامحكم.. ونغفر لكم ونصلي من أجلكم وسلامة حياتكم..ومبارك شعبي مصر)
يضم الكتاب الوثائقي، ثلاثة فصول، الأول: أبواب الجحيم لن تقوي عليها، ويضم الأماكن والأحداث من قبل الإرهابيين، أما الفصل الثاني فيشمل: المقالات التي صدرت إبان هذه الأحداث، والفصل الثالث: الملاحق: ويضم قائمة بالكنائس والمنشآت.
بلغ عدد الكنائس التي تم حرقها وتدميرها بالكامل (36) كنيسة ومنشأة مسيحية، في حين تم حرق وتدمير(16) كنيسة ومنشأة بشكل متوسط، و(8) بشكل جزئي، كما تم نهب وسلب 4 كنائس ومنشآت مسيحية.
بلغ عدد الخسائر بممتلكات الأقباط الخاصة (421)، كما جرح وأصيب وقتل العشرات.
لكن الصراع ضد المواطنين المصريين الاقباط من القوي المتأسلمة استمر ، خاصة في صعيد مصر ، ومن ثم ظهر الجيل الثاني الذي اسميتة "جيل الاحتجاج الليتورجي" ، اي الجيل الذي ناضل ضد الاسلاميين المتشددين بالصلاة والنضال من اجل "حق العبادة" ، مثلما حدث في قرية "اللوفي" بسمالوط وقري "الفرن" ، و"دمشاو هاشم" بالمنيا ، و"منشية الزعفران" بابو قرقاص، ومواقف الانبا مكاريوس الاسقف العام للمنيا وابو قرقاص ، والانبا اغاثون اسقف مغاغة ، وكهنة ايبارشية سمالوط ، برعاية المطران بفنتيوس ، وغيرهم .
وعلي هامش النظم السياسية دائما تظهر بعض النخب القبطيةالرسمية، تتمسح في الكنيسة من أجل الولوج للدولة ، منذ عام 1952 وحتي الان ، الا ان هؤلاء " المتأقبطين" ، يمثلون للمناضلين من أجل الوطن والمواطنة "حجر عثرة" ، ويتحالفون مع بعض القيادات الدينية والاجهزة ، ولكنهم خارج السياق
هكذا من ثورة 1919 وحتي ثورة 30 يونيو مرورا بثورة 25 يناير 2011، مئة عام من أجل المواطنة ، في سياق الوطنية المصرية .