بقلم: يحيى الوكيل
هذه الصيحة كنا نسمعها فى فترة التجنيد عندما يرغب القائد فى عقابنا و تكديرنا لسبب أو لآخر و ذلك بأداء تمارين بدنية مرهقة جدا؛ و يبدو أن الفكر العسكرى واحد فى التعامل مع المجندين و التعامل مع الشعب كله.
فعلى مدى يومين، كان مجمل الأخبار يصب فى اتجاه المضى نحو "أزهى" عصور الديكتاتورية العسكرينية (منحوتة من العسكرية الدينية)، و يحمل طعم دفتر الأوامر و رائحة أورنيك الذنب.
فهاهو حجم الحريات الإعلامية يتقلص و المجلس العسكرى يصدر قرارا بمنع إصدار تراخيص لقنوات جديدة تحت زعم منع التحريض على الشغب و أعمال الفتنة - و لا أدرى كيف تحرض قناة لم تبدأ بثها على أعمال الفتنة!
يأتى هذا فى الوقت الذى تنتشر فيه كالسرطان القنوات السلفية و الإخوانية و تبث فعلا كل ما يحرض على رفض الآخر و تكفيره من علمانيين و ليبراليين و مسيحيين و يهود و كل أطياف الفكر و الإيمان المغايرة لفكرهم الجهلوى، و لا يحرك المجلس نحوهم ساكنا و لا حتى اللسان.
الأولى بالمجلس - إن كان يقاوم بقراره هذا نشر الفتنة - هو إغلاق القنوات الدينية السلفية كافة و ليس منع الجديد على علاته.
المثير للانتباه أن هذا المنع جاء بعد أيام قليلة من الإعلان عن انطلاق قناة الكنيسة المصرية "مار مرقص"، و لعل غضب الجناح السلفى للمجلس من هذه الخطوة هو ما حدا إلى اتخاذ هذا القرار فى هذا التوقيت - فالجناح السلفى لا يريد لغير صوته أن يسمع، و مهما حوى هذا الصوت من غثاء أو ثغاء.
http://www.masrawy.com/news/Egypt/Politics/2011/September/7/army_gov.aspx
الخطير فى هذا الأمر هو أن عبارة "منع التحريض على الشغب و أعمال الفتنة" عبارة مطاطة جدا و ممكن تطبيقها بشكل عريض جدا؛ فمن يجزم ما قد يظن الرقيب الذى يقرأ هذا المقال و من يدرى أن يكون قراره أن المقال يحوى "تحريضا على الشغب و أعمال الفتنة"؟
و أين يتوقف هذا المنع؟
هل يتوقف عند منع التراخيص للقنوات الفضائية الجديدة أم يمتد للصحف الورقية و المواقع الألكترونية بالحجب مثلا - كما هو الحال فى مهد الوهابية و مفرخة التطرف و الإرهاب؟
و هل رق قلب المجلس لمايكل نبيل فقرر أن يؤنس وحدته و يملأ عليه محبسه من المدونين و أصحاب القلم و الرأى؟
الخبر السابق يحمل أيضا تقليصا أكبر لحجم الحرية فيتوعد المعتصمين و يتهددهم بتفعيل "القانون" ضدهم - و الذى لم أره يُفَعَل ضد من ثبتت عليهم جرائم حرق الكنائس و هدمها بالصوت و الصورة - و يقرر أن لا تفاوض معهم.
و هو ما يعنى أن أى اعتصام من أى نوع لن يقابل بالتفاوض بل سيتم فضه بالقوة تحت ستار "القانون"؛ و لا عزاء لحق التظاهر السلمى حيث أن المجلس قرر أيضا فى نفس الإطار "تفعيل قانون منع الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت ومنع كافة الوقفات التي تعطل العمل واتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد المخالفين."
و أى مظاهرة تحمل بعضا من تعطيل العمل بطبيعة الأمور، فهناك من يعمل حتى أيام العطلات؛ فعلينا إذن أن نتوقع الأسوأ.
و "توقع الأسوأ" ليس ناجما من فراغ، لكن هناك شواهد عليه.
فحادثة هجوم قوات الأمن المركزى على مشجعى النادى الأهلى فى مباراة لا تحمل أهمية تنافسية على الإطلاق لمجرد أنهم تطاولوا على قمة أوليمب الشرطة "حبيب العادلى" بما يستحقه هو و مماليكه الخونة الذين أذاقوا الشعب كله المر لعقود طويلة، هذا الهجوم يعنى أن المماليك قد تجمعوا ثانية و ذهب خوفهم من الدعوة إلى مأدبة القلعة - بل و علموا أن الوالى ليس محمد على و لن يكون.
الوالى صار منهم و بمباركة العمائم.
و الوالى - فى مشهد غريب جدا - يأخذ بشهادتهم ضد ضحاياهم، كما جاء فى هذا الرابط
http://www.akhbarak.net/articleview.php?id=2748916
قاضى القضاة أيضا صار منهم.
فالذات الإلهية التى لا تمس صار منها شخوص القضاء، و صار انتقادهم ينذر بالحساب العسير - كما جاء فى الرابط التالى
http://www.akhbarak.net/articleview.php?id=2750731
و هذه كارثة.
فمع كل احترامنا للقضاء - و هو احترام أشارك فيه كل من يقوم بعمله بأمانة و شرف مهما كان هذا العمل - فالقاضى انسان يخطئ و يصيب و ليس معصوما عصمة الملائكة، و لو كانت استضافة متهم فى غرفة رئيس الجلسة لا تستوجب النقد فقل على العدالة السلام.
و عندما يكون مقياس العدالة أن لا حق لمواطن فى نقد الشرطة و القضاء فقد عدنا إلى أسوأ مما منا فيه - و نحن لم نشهد حتى هذه اللحظة أفضل مما كنا فيه، بل نحن فيما نحن فيه دوما سواء أكان الوالى شركسيا أم مملوكا.
و لا رجاء فى القضاء.
و الإشارات لا تتوقف.
فالعمائم يمدون كروشهم خارج قفاطينهم و يعبثون بلحاهم و يوجهون رسائل شديدة اللهجة للأرناؤوط ممن يخشون أن ينحازوا للشعب كما فعل محمد على - بينما فى الحقيقة أن هؤلاء الأرناؤوط هم من أخرجوا العمائم من جحورهم - و ليتهم ما فعلوا، لكن الجناح العسكرينى هو من بيده الأمور الآن.
الإخوان المسلمون وجهوا رسائل و ليس رسالة واحدة تحوى اتهامات و تهديدات مبطنة للعسكرينيين كما لو كان الإخوان هم من أتوا بالمجلس إلى السلطة و ليس المجلس هو من أخرج الإخوان من تحت الأرض؛ و الروابط التالية تحمل نصوصا من هذه الرسائل و أترك لكم الحكم عليها: من يحرك من؟ و من فى يده فعلا مقاليد الحكم حاليا فى مصر؟
http://www.shorouknews.com/ContentData.aspx?id=535560
ملحوظة: عندما يصف بيان رسمى من جماعة ما نائبا لرئيس الوزراء بالخديعة، ألا يستحق هذا المسائلة يا مجلس؟ أو أنكم فقط تسائلون مايكل نبيل و من فى حكمه من أصحاب الرأى؟ و لكنكم أبدا لا تسائلون مفتاح و من على شاكلته من المحرضين قولا و فعلا على الحرق و القتل لأنهم تابعون لأجنحة العسكرينى.
هذا الرابط http://www.akhbarak.net/articleview.php?id=2750592
يحمل نفس المعانى و إن كان قد زاد بمطالبة المجلس صراحة بترك السلطة التى يتم الترتيب مباشرة لنقلها للعمائم، و الذين يجد المجلس لهم كل الحق فى قول كل ما يشاءون بينما يعتبر أقل منه بكثير تحريضا إن صدر عن غير الجناح الدينى للديكتاتورية العسكرينية.
هذا و لم نصل إلى أقوى الإشارات و أكثرها خطورة.
فبعد أن فشل المجلس فى صرف الناس عن مليونية "هوجة عرابى" كما أسميها أنا لوقوعها فى تاريخ اليوم نفسه الذى وقف فيه عرابى وقفته المشهورة أمام الخديوى توفيق، و لمس المجلس إصرارا من الناس على التوجه إلى ميدان التحرير للمشاركة و غيره من الميادين مهما حاول المجلس صرف انتباه الناس عن هذا بالاحتفال بعيد الفلاح فى الاستاد أو بالبيانات عن العواقب الوخيمة التى قد تترتب على المشاركة فى المليونية، تصرف المجلس تصرف العسكر.
انتشرت الفرقة 19 - و ما أدراك ما الفرقة 19 - فى السويس حيث يمتد أحد أهم جذور ثورة يناير و المروية بدماء السوايسة، و قام القائد العام بزيارة ميدان المعركة المرتقب كما هو الحال فى كل عملية عسكرية أن يتم الاستطلاع على الأرض و أعطى تعليماته النهائية لقوات حفظ الصينية، و لا بد ان القادة الأقل رتبة قد أتموا استعداداتهم بنفس الطريقة فى الأماكن الأخرى.
ما شهدناه إذن فى مباراة الأهلى لم يكن إلا بروفة و مناورات بالعصيان الحية على معركة الصينية المجيدة.
فيا كل الشعب:
ستة استعد