الأقباط متحدون | بحث الإنسان عن معنى
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:١٤ | الاربعاء ٧ سبتمبر ٢٠١١ | ٢ نسئ ١٧٢٧ ش | العدد ٢٥٠٩ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

بحث الإنسان عن معنى

الاربعاء ٧ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم :مرثا فرنسيس  

فيكتور فرانكل هو طبيب نفسي كان يمارس الطب في وقت الحرب العالمية الثانية والمعتقلات النازية التي كان يوضع فيها المعارضين لنظام هتلر ، وكانت أفران الغاز تميز هذه المعتقلات حيث يحرق فيها المعارضين والمرضى وكبار السن وكان التهديد بالموت يوميا مع المعاملة بكل قسوة هو النغمة السائدة.
سُجن فرانكل أربع سنوات في أحد اسوأ هذه المعتقلات النازية وخلال هذا الوقت توفي بالمعتقل كلٍ من أمهِ وأبوه وأخوه وزوجته فكانت مأسأة فظيعة بالنسبة له ،كان فرانكل يراقب الآخرين ويشاهد ردود أفعالهم تجاه الأحداث والضغوط الشديدة والتهديد بالموت في كل لحظة من لحظات اليوم وتجاه التجويع والتخويف أيضا ً، فوجد أن البعض يتحمل ويتأقلم مع هذه المعاناة الرهيبة حتى عبروا منها في تماسك نفسي وعقلي والبعض الآخر لم يحتمل فكان ينتحر بواسطة السور الكهربي وهو مايطلق عليه الذي ينهي عمر الإنسان بلمسة واحدةWalk to defense
والبعض الثالث يدخلون في اكتئاب فظيع وامراض جسدية ثم يموتون وذلك بسبب عدم تأقلمهم مع الأحداث .وقال فرانكل ان مايحدث في المعتقل لايختلف كثيراً عما يحدث في الحياة وفي العالم وهو قد يكون اقل قساوة وألم من الذي يحدث بالمعتقل ولكن بكل تأكيد توجد أيضا صعوبات وضغوط وتهديدات ومخاوف وقلق وكأنها سجن من سجون النازية حتى لو كانت بصورة أقل 
 
كان رأي فرويد أن سلوك الإنسان وردود افعاله واتجاهاته ومشاعره هي ماينتج في عقله الباطن نتيجة الضغوط وطريقة التربية وهذا يرتبط بالتكوين البيولوجي والنفسي ،كل هذا يدخل في اللاوعي وبالتالي فإن الإنسان غير مسئول عن اختياراته وكان لفرويد مثل مشهور يقول انك إذا أتيت بمجموعة من الناس من خلفيات مختلفة ولهم شخصيات مختلفة ووضعتهم تحت ضغط معين كالجوع او التهديد بالموت فستجدهم بمرور الوقت سلكوا كحيوانات فيتقاتلون ويتصارعون بحثاً عن الطعام بلا تقييم عقلي او تفكير منطقي ومن افكار فرويد أيضا في هذا الشأن ان اللذة والمتعة هي اقوى دافع وحافز للإنسان للتمسك بالحياة ، ويقصد الدافع الحسي واللذة في الجنس وتطورت فكرة فرويد بواسطة اتباعه فأضافوا ان اللذة النفسية النابعة من تحقيق الذات ايضا تشكل الدافع والحافز اضافة للذة والمتعة الجنسية ،وأضاف الفريد ادلر التأثيرات الإجتماعية كعامل آخر على ماقاله فرويد ، قائلا ان البحث عن القوة والسلطة وان يصبح الإنسان الأعظم والأفضل هو مايعطي الحافز والدافع للحياة .
 
ولكن كسر فرانكل هذه الأفكار قائلا أن من مشاهداته للسجناء والمعتقلين في المعتقل وعلى الرغم من انهم كانوا جميعا في نفس الظروف وتحت نفس الضغوط الفظيعة كلهم مهددين بالموت كلهم يعانون من الجوع وكلهم يواجهون نفس التحدي : فهم اما أن يصروا على الحياة او يموتوا . كانت تصرفاتهم مختلفة فالبعض كان يتصرف بمنتهى الحقارة والبعض الآخر بمنتهى النبل تجاه بعضهم البعض ،البعض امتلأ مرارة من هذا الوضع ومن الآخرين والبعض استطاع مساعدة الآخرين في ان يتحملوا الألم فأصبحوا جزء من حل المشكلة بدلا من أن يزيدوا المشكلة , هناك اناس سحقهم الألم وحطمتهم المعاناة ، وآخرين زادهم الألم بريقا وتمسكا بالحياة استنتج فرانكل ان سلوك الإنسان وردود افعاله ومشاعره ليس مرجعها فقط الضغوط التى توضع عليه او الى تكوينه البيولوجي او النفسي او الإجتماعي ولكن بالدرجة الأولى هي ترجع الى قراره ، هل يتصرف كباقي الناس او يتصرف حسب توقع الآخرين ام بإرادته الحرة وتقييمه الواعي وأعطى مثلا من رؤيته في المعتقل ان الشخص الذي كان ينجز مايطلب منه كان يكافأ بسيجارة ورغم ان السيجارة تعطي متعة ولذة للبعض الا انها في المعتقل تمثل الفرق بين الحياة والموت لأنه من الممكن تبديلها بالخبز عندما لايحصلوا على طعام ، وكان من يصل الى مرحلة اليأس التام ويرجو الموت يرفض ان يقوم من مكان نومه وهو يعلم ان هذا يعني القتل في أفران الغاز بدون محاكمة ولكنه يجلس في مكانه ويشعل سيجارته ليموت بسببها ، وهذا دليل على ان المتعة واللذة ليس الشئ الذي يسعى من اجله الإنسان ولكنه نتيجة ثانوية لما يسعى اليه . كما كسر ماقاله ادلر عن ان المال والسلطة هي مايحفز الإنسان ويجعله راغبا في الحياة قائلا انها كارثة لأنه عندما يحصل الإنسان عليها لايجد الشبع فيضع هدفا ثانيا وهكذا وغالبا يصل به هذا الى الإنتحار وهذا يفسر انتحار مارلين مونرو في أوج مجدها ويفسر مافعله
مخترع حفار البترول Haward Hughe
 
وكان ثريا جدا وتزوج من أجمل سيدة في ذلك الوقت ريتا هيوارث ولكنه أصيب بحالة اكتئاب جعلته ينعزل عن العالم لدرجة انه كان ياخذ طعامه من المصعد حتى لايرى احد وظل على هذا الحال حتى مات بعد 13 عام 
ملخص مايقوله فرانكل ان الإنسان مسئول عن تصرفاته وردود أفعاله واختياراته ، كما انه مسئول عن مشاعره لأن لكل انسان سلطان على مشاعره فالمشاعر تكون تحت سيطرة الإنسان بطريقة مؤجلة بمعنى ان هناك اشياء يفعلها الإنسان فلا يستسلم تماما لمشاعره الى ان تتغير وهو يستطيع ان يتصرف بطريقة معينة تؤدي الى تغيير مشاعره في نهاية الأمر 
كما استنتج فرانكل ان الإنسان يستطيع التغلب على الظروف الصعبة التي يعاني منها ويتغلب على متاعبه النفسية ومشاعره السلبية اذا كان لحياته معنى وهدف لأن المعنى والهدف هو الدافع الرئيسي عند الإنسان وليس اللذة كما قال فرويد او الرغبة ان يكون الأعظم كما قال الفريد ادلر 
ويقول ان من جعل العمل او حتى الأولاد هو المعنى الوحيد لحياته فإن خروجه على المعاش وزواج اولاده او سفرهم سوف يجسد الفراغ الوجودي له ويدمر شخصيته لأنه سيعتبر حياته عندئذ بلا هدف او معنى 
ويعتبر مارتن لوثر كنج الذي قاد المسيرة ضد التفرقة العنصرية بالصيحة الشهيرة( انا عندي حلم .. احلم بأن يأتي اليوم ويجلس احدنا بجوار الآخر في الأتوبيس وفي الكنيسة ) هو مثلا لمن له هدف اسمى منه شخصيا ،هذا الحلم سعى لوثر كنج لتحقيقه وكان يعيش له بكل امكانياته ومواهبه ورغم انه كان من الممكن الا يتحقق في حياته ، الا انه لم يتوقف عن المحاولة .
يقول فرانكل ان ماساعده ان يعبر فترة السجن المرير ولم ينتحر هو وجود هدف واضح امامه وهو ان يكتب كل ماتعلمه في السجن في كتاب ينشر بعد خروجه من السجن فكان يأخذ قطعة فحم ويكتب ملاحظاته واستنتاجاته على قصاصات من ورق الجرائد ويخبئها ،كان هدفه ان ينشر افكاره بعد خروجه من المعتقل ، وهذا مافعله بالفعل وخرج لنا هذا الكتاب الرائع .
لايستطيع احد ان يحقن انسان بشئ ليصبح له معنى او هدف ولكن من الممكن ان يتحداه بأمور كثيرة يفكر فيها ويُخِرج من داخل نفسه هدف ومعنى يعيش من أجله .
ان لم يكن لحياتك معنى إصنع لها معنى .




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :