الحوار الوطني الفرنسي: رؤساء البلديات "الرابط بين الدولة والأمة مقطوع"
سليمان شفيق
الاربعاء ١٦ يناير ٢٠١٩
سليمان شفيق
افتتح أمس الثلاثاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من إقليم النورماندي "الحوار الوطني الكبير"، وهو نقاش غير مسبوق على المستوى الوطني سعيا لإيجاد حل لأزمة "السترات الصفراء" التي تهز البلاد منذ أكثر من شهرين.
وتنطوي هذه المبادرة على رهان أساسي للرئيس العازم على إعادة إطلاق ولايته واستعادة المبادرة في ظل الأزمة المستمرة منذ شهرين وهبوط شعبيته في استطلاعات الرأي. كما ستحاط هذه الزيارة الأولى لماكرون خارج باريس منذ شهر بتدابير أمنية مشددة، في حين دعا محتجون ونقابات إلى التظاهر في الموقع نفسه ، أطلق الرئيس "الحوار الوطني الكبير" غير المسبوق و"بدون محرمات" على المستوى الوطني سعيا للاستجابة لمطالب حركة "السترات الصفراء" التي تهز البلاد.
وأعلن الرئيس أن هذه اللحظات التي تعيشها البلاد يمكن أن تكون "فرصة"، مضيفاً أن "كل التساؤلات مفتوحة" خلال الشهرين المقبلين من النقاش الوطني الذي يستطيع كل الفرنسيين المشاركة به والذي "لا يجب أن يتضمن محرمات".
يحضر ماكرون إلى النورماندي برفقة أربعة وزراء بينهم وزيرة الانتقال البيئي إيمانويل واغون ووزير السلطات المحلية سيباستيان لوكورنو المكلفان الإشراف على النقاش.
وتتصدر مسائل العدالة الضريبية الشكاوى التي تم جمعها، وتحديدا إعادة فرض الضريبة على الثروة، وهو موضوع وضعه ماكرون خارج النقاش، والقدرة الشرائية للمتقاعدين. وإن كان الرئيس قد حدد مسبقا أربعة محاور كبيرة سيتم مناقشتها هي:
الضرائب والانفاق ، اليات الانتقال البيئي ، تنظيم عمل المؤسسات ، الديمقراطية والمواطنة ) على طاولة الحوار.
وراي الرئيس ماكرون أيضا طرح مسألة الهجرة ، واقترح سياسة تعتمد على نظام سنوي للحصص، ما أثار ردود فعل سياسية متباينة يمينا ويسارا. ولم تكن هذه النقطة ضمن البرنامج الانتخابي لوزير الاقتصاد السابق ، لكن الرئيس رسم خطوطا حمراء مثل إلغاء الضريبة على الثروة وزواج المثليين، محذرا من أن النقاش "ليس انتخابات ولا استفتاء"
وصرح مصدر حكومي لفرنسا 24 :"الوقت ليس وقت الاختباء، يجب الخروج، الناس لا يرغبون في رئيس قابع في الإليزيه " ، بدأ الحوار تحت شعار الإصغاء، وأكدت الرئاسة أن "الكلام سيترك لرؤساء البلديات"، حتى ينقلوا مشاغل مواطنيهم، وردا على سؤال عما إذا كان سيلتقي مواطنين ويتناقش معهم على غرار ما يفعله عادة، قال قصر الإليزيه إن المسألة تتوقف على الأجواء السائدة.
وأكد رئيس جمعية رؤساء بلديات أرياف فرنسا فانيك بربيريان الاثنين بعد استقباله في قصر الإليزيه أن ماكرون "قال لنا إنه لا ينوي التكلم، إلا في نقاط محددة. إنه بالأحرى في مرحلة إصغاء.
وأمام 600 مسؤول محلي من قرى وبلدات النورماندي، تحدّث ماكرون عن سلسلة من "الانقسامات، الاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية"، التي اعتبر أنها سبب غضب المتظاهرين المنتفضين منذ أكثر من شهرين على سياسة الحكومة الاجتماعية والضريبية ، وبدأ الرئيس في الاستماع ،ولأكثر من ساعتين إلى رؤساء بلديات عدة مدن من المنطقة سيحضرون لعرض شكاوى سكان مناطقهم.
من جهتهم، تحدث أعضاء المجالس البلدية عن مشاكل مناطقهم، من نقص في عدد الأطباء، إلى مشاكل النقل العام، وإغلاق مستشفيات توليد، والتفاوت في القدرة على الوصول إلى شبكة الإنترنت، وغيرها
وقال رئيس بلدية مينيل أن "نعاني من العزلة مع أننا لا نبعد سوى 160 كلم عن باريس".
وأعلن نائب رئيس المجلس الإقليمي في النورماندي غي لوفران أن "الجميع يدرك أن فرنسا ليست على ما يرام"، معتبرا أن "الرابط بين الدولة التي تمثلونها، والأمة التي هي نحن، مقطوع"
وقدّم رؤساء البلديات مقترحات عديدة لرئيس الجمهورية، تتراوح بين الاهتمام بالأرياف وإقامة حكومة وحدة وطنية وإعادة العمل بالضريبة على أصحاب الثروات.
وحظر مرسوم صادر عن الإدارة المحلية التظاهر حتى الأربعاء في منطقة غران بورترود التي اعطي الرئيس منها إشارة الانطلاق للحوار الوطني ، هذه البلدة البالغ عدد سكانها 3500 نسمة والتي لا تحظى بأي مواصلات عامة، هي المحطة الأولى من جولة على فرنسا يستمع ماكرون خلالها إلى رؤساء بلديات جميع المناطق الفرنسية خلال حوالى عشرة لقاءات مماثلة
وفي روان، على مسافة ثلاثين كلم، سار أكثر من 2500 محتج السبت في شوارع وسط المدينة، ما أدى إلى مواجهات مع قوات الأمن وتعديات على صحافيين.
ويحرص قصر الإليزيه على تبديد الانطباع بأن الحكومة تفرض قيودا على النقاش، وهو ما يتهمها به قسم من "السترات الصفراء" والمعارضة، ومن غير الوارد بالتالي أن يحسم الرئيس أي موضوع قبل انتهاء المناقشات في منتصف مارس.
وقال جان مارسيل بوغورو من صحيفة "لا ريبوبليك دي بيرينيه" مبديا مخاوفه إنه "إن أخفق في هذه المرحلة، فستكون الأضرار جسيمة له وللبلاد على السواء". لكن لوران بودان من "لالزاس" يرى كالعديدين أنه "من المصلحة العامة أن يفضي هذا النقاش إلى نتيجة"
وكما يبدو انة سيتحتم على الرئيس ماكرون ، بذل جهود كبرى لإقناع العديد من الفرنسيين الذين لا يرون أي جدوى في النقاش، سواء كانوا من مؤيدي ماكرون أو من أنصار المحتجين، فإن كان حوالى ثلث الفرنسيين ينوون المشاركة في هذا النقاش الكبير، يعتقد 31% منهم فقط أنه سيسمح بالخروج من أزمة "السترات الصفراء"، بحسب استطلاع للرأي أجرتها "أوبينيون واي" ونشرت نتائجه الاثنين.