الأقباط متحدون | أمريكا: ما لها وما عليها..
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:١٠ | الاثنين ٥ سبتمبر ٢٠١١ | ٣٠ مسرى ١٧٢٧ ش | العدد ٢٥٠٧ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

أمريكا: ما لها وما عليها..

الاثنين ٥ سبتمبر ٢٠١١ - ١٢: ١١ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 بقلم: منير بشاي- لوس أنجلوس

في زيارتي الأخيرة لمصر، منذ حوالى 3 سنوات، دخلنا محلا تجاريا لشراء بعض السلع. وعرف الرجل أننى زائر من أمريكا. وإذا به فجأة يتحول إلى ثور هائج ويصرخ بطريقة هستيرية: أمريكا..أمريكا.. بوش.. بوش.. وخشيت إن إستمر الرجل فى هياجه أن يصاب بمكروه، أو أن ينقلب ضدى فأصاب أنا بمكروه. وبطريقة دبلوماسية حاولنا أن نهدئ من روعه، ونقنعه أن يطمئن، لأن حكم بوش يقترب من نهايته، ثم انصرفنا بسرعة. ولكن الحقيقة أن مجرد ذكر كلمة أمريكا فى شرقنا العربى تقابل غالبًا برد فعل سلبى من السامع. ولا أظن أن الناس هناك يتفقون على شىء قدر اتفاقهم على "شيطنة" أمريكا وإلصاق كل ما يعانوه من مشكلات إلى مؤامرة خيالية يعتقدون أن أمريكا ضالعة فيها. فهل أمريكا فعلا هى ذلك الشيطان الأكبر الذى لا هدف له سوى إيذاء الناس وإلحاق الأضرار بهم؟ ولماذا تقوم بهذا الدور؟

لا أنكر إعجابى بأمريكا، فهى بلدى الثانى بعد بلدى الأم مصر. عشت فيها فترة تزيد عن ما عشته فى مصر. ولذلك أزعم أننى أعرف شيئًا عن أمريكا وعن القيم التى تحكمها، والمبادئ التى تحاول أن تبثها. وأعلم أيضًا أنها تتكون من بشر فيهم كل حسنات وخطايا البشر. ولكن أعلم أن الأخطاء عندما تظهر للسطح، لا توجد قوة تستطيع أن تخبئها، بل يتم إدانتها وعقابها مهما كان المخطىء. وقد رأيت فى فترة وجودى فى أمريكا رؤساء جمهورية ووزراء وأناس من علية القوم يعاقبوا من قضاء مستقل ونزيه أشد أنواع العقاب. من هؤلاء أذكر الرئيس نيكسون الذى لم يرتكب جريمة فى قضية الوترجيت سوى أنه تستر على معاونيه عندما علم بأنهم سطوا على الحزب المعادى لمعرفة أسرار انتخابية. وكانت النتيجة أنه أضطر الى الاستقالة من منصبه وكان يمكن أن يدخل السجن لولا صدور إعفاء رئاسى بعد التأكد من أنه عانى بما فيه الكفاية . كما رأيت فتاة من عائلة بوش كانت ابنة حاكم ولاية فلوريدا، وكان عمها فى ذلك الوقت رئيس الولايات المتحدة وجدها الرئيس السابق. بالإضافة إلى أنهم من أكثر الناس ثراء. ولكن لم يستطع نفوذ أسرتها أو أموالهم أن يمنع القبض عليها ومحاكمتها وعقابها، عندما ضبطت تقود سيارتها تحت تأثير المخدر.

الإحساس بالحرية الكاملة أن تقول ما تشاء مع المسئولية الكاملة لتحمل عواقب كلامك هو الذى يحكم تصرفات الناس فى أمريكا. من أجل ذلك أحببت هذا البلد وأيضا أكن تقديرا لشعبه المتحضر الذى يحترم النظام ويحرص على النظافة ويصون المال العام ويراعى حقوق الجار بمثل مايراعى حقوقه. أذكر أن جارنا أراد أن يقيم سورًا خشبيا بيننا وبينه وهذا حقه. وبعد بناء السور دهنه من ناحيته باللون الذى يفضله. وليرضينى جاء إلى ناحيتى ودهنه باللون الذى أفضله.
أمريكا بلد حديث قام على مبادىء احتاج لها شعبها الذين كانوا يعيشون تحت وطأة الاضطهاد فى بلادهم الأم فجاءوا إلى العالم الجديد ليكونوا مجتمعًا خاليًا من الاضطهاد قدر الإمكان. ولذلك كانت أمريكا وما تزال مرفأ الآمان لكل مظلوم ومقدامة حقوق الإنسان فى العالم. ومع أن الكثيرين جعلوها مهنتهم سب أمريكا ليلا ونهارا، ولكننى متأكد أن الكثيرين من هؤلاء على استعداد أن يدفعوا أى شىء مقابل حصولهم على تصريح إقامة دائمة فيها.

ولكى تحقق أمريكا مثالياتها حرصت على تكوين جيش قوى يردع كل خارج عن الشرعية فى العالم. ولقد كان الفضل لأمريكا فى هزيمة هتلر والقضاء على أيديلوجيته النازية وإنقاذ أوروبا وحمايتها من سيطرته. ثم كان لأمريكا الفضل فى هزيمة الاتحاد السوفييتى والقضاء على شوكة الشيوعية. وأمريكا هى التى تتصدر الآن المواجهة ضد الإسلام السياسى وجناحه العسكرى ممثلا فى تنظيم القاعدة الذى يسعى إلى السيطرة على العالم ويهدد أمن البشرية كلها.
والملاحظ أن أمريكا مع أنها تمتلك أقوى قوة عسكرية فى العالم بدون منازع لم تشترك فى استعمار دول العالم الثالث كما فعلت الدول الأوروبية الاستعمارية الأخرى. ولم تطمع فى خيراتها أو تنهب مواردها. بل إن الدول العربية المنتجة للبترول استعانت بأمريكا لتستخرج لها البترول وتكرره وتساعدها فى تصنيعه وتسويقه. ثم بعد ذلك تشترى ما تحتاجه بسعر السوق.

وأمريكا عامل خير وسلام فى العالم. فعندما تتعرض الدول للكوارث كالزلازل والفيضانات والآوبئة تجد أمريكا هى المتزعمة لعمليات الإغاثة. ووقت الحروب تجد أمريكا على رأس من يتفاوض لوقف القتال. وأعمال الخير التى تقوم به أمريكا كثيرة مثل إشباع الجياع وبناء مساكن للفقراء وإيواء اللاجئين وغيرها وغيرها. وهى تفعل الخير للعدو والصديق دون تفرقة.

ولكن أمريكا ليست هى مدينة أفلاطون الفاضلة وليست معصومة من الأخطاء. فهناك خاصة فى ولايات الجنوب بقايا مشاعر العنصرية عند البعض تجاه الملونين. وهناك أيضًا من يتصرف بعقلية الكاوبوى. ولكن كل هذا مجرم قانونيا وفى طريقه للانقراض لدرجة أن غالبية الأمريكيين أعطوا صوتهم للمرشح الأسود وضد الأبيض فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

ونظام أمريكا المبنى على الديمقراطية يتأثر بالصوت الانتخابى ومن أجل ذلك هناك دائما خطر استعمال الصوت الانتخابى لتحقيق مكاسب شخصية. ومن ذلك أيضا محاولات بعض الأقليات فى المجتمع الأمريكي توجيه سياسة أمريكا لخدمة مصالح بلادهم الأم. ولكن فى النهاية ورغم هذه المحاولات تجد أن مصالح أمريكا العليا هى التى تغلب.

وشخصيا أرى أن الكثير من الأخطاء السياسية فى أمريكا ناتجة عن محدودية خبرة بعض ساستها. فالنظام الأمريكى الذى يخشى شبح الحاكم الدكتاتور يحرص على تحديد فترة الحكم وتداول السلطة. وقد نتج عن هذا وجود قيادات سياسية غير محنكة تتصرف بطريقة غير حكيمة.

ويحدث أحيانا ان الطبيعة البشرية الأمارة بالسوء تسىء استخدام المثاليات التى قامت عليها أمريكا. فالنظام الرأسمالى الذى يفجر طاقات الإبداع فى الانسان والذى جعل من أمريكا رائدة الفن والأدب والعلم والمسرح والسينما والموسيقى والصناعة والزراعة والإلكترونيات والطب والطيران والمعدات الحربية وأبحاث الفضاء.. وغيرها وغيرها، كل هذا يدر عائدا مجزيا لأصحاب الاختراعات ولكنه قد يقود البعض الآخر إلى حب الماديات. وحرية الرأى الممنوحة للمواطن الملتزم قد تخلق عند البعض الآخر الاحساس الزائد بالذاتية والاعتداد بالرأى.

ليس من السهل عمل تقييم شامل لبلد كبير مثل أمريكا فى مقال واحد صغير. ولكن الشىء الذى يجب أن نعرفه عن أمريكا أن صمام الأمان يكمن فى أنها دولة مؤسسات بكل ما تحمله الكلمة من معنى. الرئيس فى أمريكا والوزراء وحكام الولايات وعمد المدن لهم صلاحيات ولكنها محدودة ومحكومة بالمجالس النيابية. وجميع مؤسسات الدولة محكومة بالدستور والقانون الذى ينفذه قضاء مستقل لا يخشى الحاكم. والصحافة فى أمريكا هى الرقيب وهى حرة ووظيفتها كشف كل مستور. ومن أجل ذلك فأمريكا ليست مؤسسة واحدة ولكنها مجموع كل هذه المؤسسات.

وفى النهاية يمكن القول أن أمريكا تحاول أن تكون ملاك ولكنها ليست بملاك، ويحاول أعدائها أن يصوروها على أنها شيطان ولكنها ليست بشيطان. أمريكا مثل انسان ثرى طيب القلب يحاول أن يصنع الخير بين الناس، والناس يستغلون طيبته ويأخذون عطاياه وفى النهاية قد لا يوجهوا له حتى كلمة شكر. بل قد يصوروه على أنه إنسان مستغل، يعطيهم من ما أخذه منهم أولا. والغريب أن هذا الإنسان الطيب يستمر فى مد يد العون للجميع... حتى لهؤلاء!!.
mounir.bishay@sbcglobal.net




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :