أسمع كلامك أصدقك.. وأشوف أمورك استعجب!!
يوسف سيدهم
الاثنين ١٤ يناير ٢٠١٩
بقلم: يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكون عنها (٧١٤)
عشنا احتفالات مصر والكنيسة بعيد الميلاد المجيد وكلنا فرح وارتياح وفخر بما تابعناه من مظاهر غير مسبوقة جسدت معايير السماحة والمواطنة في تزامن افتتاح مسجد الفتاح العليم مع كاتدرائية ميلاد المسيح في العاصمة الإدارية الجديدة.. لم يكن العرس مقصوراً على روعة وضخامة وجمال كلاً من المسجد والكاتدرائية، إنما تجلت أكثر في مشاركة رأس الدولة الرئيس عبد الفتاح السيسي ورأس الأزهر الشريف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ورأس الكنيسة صاحب القداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثاني.. الثلاثة معاً في مراسم الافتتاح والاحتفال.. وكانت الكلمات المتبادلة بين قداسة البابا في افتتاح المسجد وفضيلة الإمام في افتتاح الكاتدرائية وبعدها الكلمة العذبة للرئيس السيسي، فاتحة خير في العام الجديد تؤكد أن الدولة المصرية ماضية في طريقها نحو نبذ الفرز الديني والتعصب وإعلاء المواطنة والمساواة بين أبنائها جميعاً.
كما جاءت تلك الاحتفالية الرابعة تأكيداً وتذكيراً لحديث الرئيس السيسي منذ نحو الشهرين حيث قال: نحن لا نتدخل في من يعبد المواطن.. أو حتى إذا كان يعبد أو لا يعبد.. سمعنا ذلك واستبشرنا خيراً أن مصر مقبلة على عهد جديد من ترسيخ الحريات وإعلاء القانون تقف فيه الدولة على مسافة واحدة من جميع مواطنيها.. كما شعرنا جميعاً بالزهو أمام هذه الصورة التي تم تصديرها للعالم وتناقلتها وسائل الإعلام.
لكن هل كل ذلك يعني أننا تخلصنا في لحظة من كل صور التشدد والتعصب التي تؤرق وطنيتنا وتشوه صورة بلادنا؟.. هل كان إنجاز مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح وافتتاهما بمثابة عصا سحرية قضت على كل نفس ضعيفة على أرض مصر؟.. لو لسنا خياليين ولم نتصور ذلك.. لكننا نقول إن التغيير حتماً سيأتي وهو مرهون بأمرين: الأول جهاد وتواصل دؤوب لبسط الحريات في سائر ربوع مصر، والثاني صرامة واجبة في إعلاء القانون وترسيخ هيبة الدولة.. فإذا طرأت أحداث وبحثنا فيها عن هذين الأمرين ولم نجدها ألا ينطبق المثل الشعبي الذي يقول: أسمع كلامك أصدقك.. وأشوف أمورك استعجب؟!!
هذا عينة ما وقع الأسبوع الماضي في المنيا.. وما أدراك بالمنيا التي باتت الباعث الأعظم لما يطلق عليه (الأحداث الطائفية) في مصر حتى أن كل مشاعر التفاؤل والثقة في مستقبل أفضل التي نعبر عنها أمام المشككين المتشائمين تجعلهم يتساءلون: ولكن ماذا عساكم فاعلين في المنيا وما يحدث فيها؟ وإنما دولة داخل الدولة ومهما تغيرت قياداتها السياسية أو الأمنية يبدو أنها مستعصي على إرادة الدولة وصولجان القانون!!!.. إن ما حدث في المنيا هو سيناريو بات محفوظاً مذكوراً وأنا أنقله عن البيان الصادر عن مطرانيتها مساء الجمعة ١١ يناير الجاري ونصه كالآتي:
مطرانية الأقباط الأرثوذكس
إيبارشية المنيا وأبوقرقاص
توضيح حول مشكلة كنيسة مارجرجس بمنشية زعفرانة على مسافة خمسة كيلومترات شرق مدينة الفكرية بالمنيا حيث تمتلك المطرانية مكاناً صغيراً تقيم فيه الصلوات منذ مدة للأقباط المقيمين في القرية ويربو عددهم على ألف شخص. وفي يوم الاثنين ٧يناير وبعد انتهاء صلاة قداس العيد بساعات قام مجموعة من المتشددين بدخول المكان عنوة وعلى أثر ذلك تولت قوات الشرطة القائمة على حراسته بإخراجهم، وترتب على ذلك مكوث اثنان من الآباء الكهنة وبعض أفراد الشعب داخل المكان تحسباً لحدوث أي اقتحام أو اعتداء لاحق. وبالفعل كما توقع البعض حدث في الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر الجمعة ١١ يناير أن قام أكثر من ألف شخص من المتشددين بالتجمهر والتظاهر أمام الكنيسة مرددين عبارات مسيئة وتحريضية في وجود قوات الأمن التي طالبتهم بالهدوء مع وعد بإخراج من بداخل الكنيسة وإغلاقها (!!).. وقد كان أن تم إخراج الآباء الكهنة ومن معهم وإغلاق المكان وسط هتافات المتشددين وصيحاتهم بالانتصار والشماتة.
وهكذا تكرر نفس ذات المشهد الذي آلفناه من إغلاق مكان الصلاة إذعاناً لرغبة المتشددين وخضوعاً لإرادتهم أو سعياً لإرضائهم على حساب الأقباط.
يحدث ذلك بعد أيام قليلة من التصريحات الإيجابية للإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب حول الكنائس وموقف الإسلام منها، وكذلك تأكيد السيد الرئيس في كل مناسبة على حق كل مواطن في ممارسة العبادة، والجهد الكبير الذي يبذله قداسة البابا للحفاظ على الوحدة الوطنية.. وحتى ساعة إصدار هذا البيان لم تتخذ أجهزة الأمن أي إجراء مع المحرضين والمعتدين رغم أن ما اقترفوه تم على مرأى ومسمع من هذه الأجهزة، الأمر الذي يحمل شبهة تشجيع آخرين على سلوك مماثل طالما أنه ليس هناك رادع.. حمى الله مصر من كل شر ومكروه.
*** لا تعليق لي سوى تكرار عنوان هذا المقال!!!