الأقباط متحدون | الإسلامجية والعروبجية وأزمة الهوية المصرية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٢:٠٢ | الأحد ٤ سبتمبر ٢٠١١ | ٢٩ مسرى ١٧٢٧ ش | العدد ٢٥٠٦ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الإسلامجية والعروبجية وأزمة الهوية المصرية

الأحد ٤ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: صفوت سمعان يسى
يعاني التيار الديني المتأسلم، سواء ما يدَّعي أنه معتدل والمتشدد، من أزمة هوية كبيرة، ويناصب الهوية المصرية العداء الشديد، وكأن الهوية المصرية "رجس".. وكأن الانتماء الديني لهم يتعارض مع جنسية البلد المولودين فيها.

ويرجع بداية تآكل الهوية المصرية لعدة أسباب؛ تبدأ من ثورة 23 يوليو العسكرية. فلقد ألغت كلمة "مصر" من الدولة المصرية، وسُميت "الجمهورية العربية المتحدة"، وهذا لم يحدث طوال تاريخ حقبة الدولة المصرية، وذلك لصالح الهوية العربية، ولصالح دعاة القومية العربية العروبجية. وكأن "مصر" تنتمي للعرب وليس العرب ينتمون لـ"مصر". وكأن حضارة سبعة آلاف سنة لم تشفع عندهم عن حضارة الجزيرة العربية المحدثة. فمن المعروف تاريخيًا أن أول نص للغة العربية ظهر على شاهد قبر سنة (60) قبل الميلاد أي بعد مرور ما يوازي (4600) سنة من فجر الحضارة المصرية التليدة.

كما لا ننسى مرشد الإخوان السابق "مهدي عاكف"، وكلمته الشهيرة المستفزة "طز في مصر وأبو مصر"، و"يحكمنا مسلم ماليزي ولا يحكمنا مصري قبطي".. فالهوية الدينية طغت بالكامل على الهوية المصرية وبل ناصبتها العداء الشديد، وكأنهما متضادان لا يمكن أن يجتمعا سويًا.

كما أن كتب التعليم المدرسي تدرِّس كل ما هو تاريخ عربي خاص بحضارة الجزيرة العربية، ولا يُذكر إلا على استحياء الحقبة المصرية ذات الـ (4600) سنة ق. ب، وفي أربعة صفحات.. الملك "فلان" قام بكذا، والملك "فلان" أنشأ كذا، وبعده حضر الملك..إلخ. وكأنها ورقة برشام غش لا تاريخ عتيد يدرَّس في كل مدارس وجامعات العالم ما عدا "مصر".. !!!

أما الحضارة والحقبة القبطية فحدِّث ولا حرج، فهي سقطت عمدًا لا سهوًا من التاريخ المصري...!!!

كما أنه من ناحية تاريخ الكتب الدينية، لا يُذكر تاريخ الفراعنة إلا كـ"طواغيت" تجبَّروا وخسف بهم الله.. ولذلك لا عجب من أن يخرج علينا من يدَّعي أن الحضارة المصرية "عفنة"، وأن التماثيل ما هي إلا مثل "أصنام الكعبة" قبل دخول الإسلام!!.. وبكل بساطة مسح كل تاريخ "مصر"، وجمال النقوش، وروعة النحت، وقمة الهندسة الإنشائية، والدقة المتناهية في احتساب السنة وعدد أيامها، ومتابعة الفلك والنجوم، ودقة احتساب أقطاب الأرض الأربعة واتجاهاتها (نحن فشلنا في التفريق بين هلال القمر وهلال زحل)، وهو نفس ما تدَّعيه الحضارة اليهودية على الحضارة المصرية، وما تحاول أن تسرقه منها وتضيفه لها.

كما لا ننسى أن "السادات" قال: "أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة" ولم يذكر "مصر"، برغم أنه أعاد اسم "مصر" للدولة. فلقد كان يزايد على التيار الديني لصالح القضاء على اليسار المصري، ولكن لم يشفع له ذلك، وقتلته الجماعات الإسلامية رغم كل ما فعله لهم، ولم يشفع له ما عمله من إعلاء الهوية الدينية على حساب الهوية المصرية.

كما توجد في مناطق الصعيد- وخاصة محافظة "قنا" و"نجع حمادي" وما حولهما- مناطق كبيرة تفخر بانتمائها للقبائل العربية ولا تفخر بانتمائها لـ"مصر" على الإطلاق، وهم يعتبرون أنفسهم "عرب مسلمين" من نسب القبائل العربية التي هاجرت أثناء دخول العرب "مصر". ولذلك لا عجب من رفضهم لمحافظ قبطي بحجة أنه عميد شرطة وقبولهم بمحافظ لواء أمن دولة...!!! فلا ولاية لكافر على مسلم. ولا عجب من أنهم رفعوا أعلام "السعودية" بكل قوة وفخر واعتزاز، ولم يرفعوا علمًا واحدًا مصريًا..!!!

كما أن هناك دار للنسب الشريف يطلب فيه أي مسلم أن ينتسب فيه للنسب الشريف وللعرب، وكأن النسب لـ"مصر" عار يحملونه ويتخلصون منه بسبب حبهم لدينهم.. ولا غرابة من دفع الآلاف من الجنيهات للانتماء لذلك..!!!

كما أن حلم الخلافة الكبرى الذي ينشده المتدينون، الذي يجمع كل العالم العربي الإسلامي تحت راية واحدة، هو حلم انتهى بانتهاء الإحتلال العثماني في بداية القرن السابق، ولكن هناك من يريد أن يحيي الإحتلال تحت رغبة ومشاعر دينية جياشة، وينسى في نفس الوقت أن ذلك هو القضاء على الهوية المصرية تمامًا، ويجعلنا تابعين خانعين لدول وأنظمة لا ننتمي لها، ويعتبر ذلك خيانة كبرى لـ"مصر" وتاريخها المضئ المشرِّف، وأيما خيانة. وماذا يتبقى لنا بعد ذلك من حضارة؟ فلا نحن حافظنا على هويتنا وحضارتنا، ولا نحن صنعنا حضارة حديثة نتباهى بين دول العالم وبين العالم العربي حولنا.

وبناء على ذلك، من حق "بريطانيا" أن تطالب بعودة إمبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمس، بناء على طلب إمبراطورية الخلافة..!!!

ولم يقتصر الإسلامجية على أزمة الهوية، بل تعدوا ذلك إلى تغيير الشكل والذوق المصري العام المعروف. فتحت دعاوى الحجاب والتدين تم تغيير المزاج واللبس المصري إلى لبس خليجي من حجاب ونقاب، وقال إن من لا يلبسه يُغضب الله، ويُقال أنه اختياري بينما هو إجباري. ووصل الأمر للرجال من اللبس الباكستاني؛ من اللحية ومن حف الشوارب، حتى بات من المظهر العام في الشارع يمكن أن تفرِّق بين الأقباط وبين المسلمين. ومن اللحية والشوارب تميِّز بين السلفيين والإخوان والجماعات، بعد أن قال "اللورد كرومر" في عشرينيات القرن الماضي إنه يصعب جدًا التفريق بين المسلمين والمسيحيين إلا عند دخولهم المسجد أو الكنيسة.

كما أن الدول العربية لا تعترف بالمصريين كعرب، ولا تعترف بانتمائهم إلى نسلها، وهم على حق. فنحن من نسل المصريين والفراعنة، ونفتخر بذلك. ويُقال أن بنو مناف الموجودين في الجزيرة العربية هم من مدينة "منف" الذين هربوا من "مصر" أثناء حروب التوحيد..

كيف نرتمي على هوية ليست لنا؟ وكيف نترك حضارة خضراء على وادي النيل منذ سبعة آلاف سنة لصالح حضارة رمال تهب أعاصيرها علينا، وتعمي أعيننا، وتغلق عقولنا، وتجعلنا رهن كل ما هو ماضي لا ما هو حديث؟!!.. حضارة لم تشق ولم تتعب، وإنما بناها البترول الأسود.. حضارة بدو جافة..

خلاصة الكلام، لا يعني الانتماء الديني أن يتنافى ذلك مع الهوية المصرية.. وإلا كان المسيحيون الأقباط يطالبون وينتمون للحضارة اليهودية بسبب ولادة السيد المسيح كيهودي، وأن يلبسوا مثل ما كان يلبس تاريخيًا أيام السيد المسيح، وأن يربوا ذقونهم كما كان السيد المسيح، وأن تلبس كل المسيحيات مثل ما كانت تلبس السيدة العذراء.. فكل عصر له ملابسه، وكل رسالة كانت تنزل من السماء، كانت تتماشى مع طبيعة العصر الذي نزلت فيه. فلنعش بهويتنا المصرية، ونلبس ونأكل ما يتماشى مع طبيعة عصرنا وكل عصر قادم. ومن يعيش في الماضي لن يستطيع أن يعيش في الحاضر والمستقبل، بل من الممكن أن ينقرض كما انقرضت الديناصورات..




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :