!الكاهن اليونانى بين الوظيفة والرسالة
البروتوبرسفيتيروس أثناسيوس حنين
٠٠:
١٠
م +02:00 EET
الاربعاء ٩ يناير ٢٠١٩
خواطرمن تاريخ اليونان المعاصر
الأب أثناسيوس حنين – اليونان
بينى وبين اليونان ’ على حد تعبير أبى الروحى المطران جورج خضر ’ علاقة عشق بما فيها من حرارة وما عليه من التباس . ,انت ترود المعشوق ما طاب لك وتذهب عنه اذا لم يتركك حرا منه . وهكذا يريد هذا المقال أن يذهب قليلا عن المعشوق لكى لا ليتحرر منه بل ليرى وجهه’ المختفى تحت طبقة من المساحيق الثقافية والدينية والقومية المستوردمنها والمحلى ’ بأكثر جلاء ويجدد معه عهود الحب الأول .
. عاشت اليونان فى غروب العام الماضى ’ زلزالا كبيرا لم تنتهى تبعاته بعد ! الزلزال لم يكن وليد الظروف الطبيعية والمناخية ’ ولا ترصدها مراكز مراقبة الزلالزل ! بل هو هزة تاريخية وحضارية ذات تبعات لاهوتية ورعوية كبيرة . شارك فى صنع الزلزال شخصان احدهما اكثر حدائة والأخر شيخ .نجحا نجاحا منقطع النظير فى اختصار المسافة بين الأعمار والأجيال . وقبل الشاب ’ بتواضع كبير وحنكة سياسية ’ الا يمنطق ذاته ويذهب حيث يقوده برنامجه السياسى وطموحاته ’ وتنازل الشيخ عن اسبقيته ومكانته الرفيعة ’ وقررا النزول الى الأرض وسلما انفسهما الى(الأخر !) حسب تعبير يوحنا اللاهوتى ليحملهما !و الأخر هنا هو مصلحة اليونان الأوروبية وحرية الكنيسة الروحية ونهضة العباد وانطلاق الكهنة من نير الميرى وسنينه ’ وعودتهم الى سماع صوت يسوع (أتبعنى أنت )! الجدير بالنظر أن الدعوة اليسوعية لبطرس ارتبطت بالاشارة الى اية ميته كان مزمعا ان يمجد بها الله (يوحنا 21 :18-22 ) ’ وفى موضع أخر عند يوحنا حينما طلب أناس يونانيون ’ ربما لأول مرة ’ أن يروا يسوع ’ وهنا شعر يسوع بأنه امام محاورين وفلاسفة ومجادلين من النوع الغنى ’لم يجادلهم بل سلمهم سر الامحاء و ساعة تمجيد ابن الانسان وضروة موت حبطة الحنطة البشرية لكى تأتى بثمر لاهوتى كثير (يوحنا12 :20 -35 ) وكأن لا خلاص لليونانيين الا بموقف جذرى من الحياة والموت والاختيار بين تبعية رب التاريخ والتراث او عبادة تاريخ وتراث وقومية بلا رب ’ وبين الوظيفة والرسالة وبين غرس حبة الحنطة والارتزاق منها بلا تسليم او دفنها لتصير خبزة حياة يأكل منها سائر البشر والا ستبقى حبة حنطتهم الغالية على البشرية (وحدها ! بلا ثمر ) حسب قول الناصرى ! الأكثر حداثة هو رئيس وزراء اليونان اليكسيس تسيبراس والشيخ هو رئيس اساقفة اليونان ايرونيموس . لابد من التعرف على تاريخ الحدث وخلفيات الصورة ومعطيات الرؤية لكى ما يركض قارئها حسب حبقوق (2 :2)أخصائى انتظار الرب وسط اليأس العميم !. الرؤية وضعية بحته وسياسية وكنسية ويونانية ليس لها مثيل فى كنائس أخرى. حينما حرر اليونانيون بلادهم من النير العثمانى عام 1821 ’القيادة الكنسية الرسمية لم تسند الثورة لخوفها من أن يتم اجهاضها أو أن تنحصر الهيللينية الثقافية والحضارية واللاهوتية فى القومية والعنصرية اليونانية ’ كردة فعل ’ حسب شهادة شاهد من أهلها (المطران جورج خضر : جريدة النهار 2 ايلول 1995) كانت الكنيسة تملك نصيب الأسد من ثروات وعقارات وخيرات البلاد . ليس هذا لأن الكنيسة سعت الى التملك بل لأن الرياح ’ رياح صدق اليونانيين والدعم الدولى وحبهم لبلادهم ورفضهم للاذلال وسبى بناتهم واسلمتهم بالقوة الجبرية والسنكسار اليونانى حافل ! جائت بما لا تشتهيه سفن العثمانيين ! الذين كانوا يصادرون كل ثروات البلاد ويمعنون فى اذلال العباد ’ وربما لاول مرة فى تاريخ الامم يتم تأسيس دولة(تركيا) على انقاض شعب حى ويتم أسلمته بالقوة وتهجيره بالعافية ! كيف جأئت الثروة (البريوسيا) الى يد رجال الكنيسة ؟ يعلمنا تاريخ اليونان بأن الكثير من الكهنة تقدموا صفوف تحرير البلاد من النير العثمانى وليس من التراث البيزنطى الجامع للشرق كله وهنا كلما ذهب التركى للاستيلاء على ثروات العباد ’ كان الناس تبادر بوقفها على الكنيسة ! ومن هنا تضخمت ثروات وعقارات وأراضى الكنيسة والتى كانت أمانة فى يد كهنة واساقفة فقراء . حينما قامت الثورة وبدأ تأسيس الدولة ! (مفيش فلوس!) ’ هنا تم الاتفاق بين الكنيسة والدولة على أن تتنازل الاولى عن الاوقاف على أن تقوم الثانية بتوظيف الكهنة ودفع مرتباتهم وتأميناتهم وعلاجهم .هنا تحول الكاهن اليونانى من ثائر ومبشر ولاهوتى ومؤرخ ومظلة ثقافية من انطاكية الشام وفلسطين الى وادى النطرون والمدينة العظمى الاسكندرية يتظلل تحتها الشرقى والغربى ومحرر تحدى أعتى الامبراطوريات الفاشية فى التاريخ وهى الامبراطوريية العثمانية ’ تحول ’ نقول ’ الى مجرد موظف وواعظ يمدح ’ الدولة ’ فى هليلينية كلامية علنا ويبطن قرفا وضجرا خفيا ! ودخل الزواج بين الكنيسة والدولة فى دور الملل والتنافر وبات الطلاق ’ ابغض الحلال ’ هو الحل ! وهنا وكما يشهد المؤرخون تضائل دور الكنيسة الثورى واللاهوتى والاصلاحى (وناسبنا الحكومة وبقينا قرايب ) كما يقول المصريون الظرفاء ! مر على هذا الحال قرنا من الزمان ونيف ! التقط الشاب والشيخ الرؤية ودرسوا القضية فى أعماقها ودخل الشاب الكيسيس ’ (الاشتراكى )’ قلب رئيس الكهنة (الارثوذكسى) واقترحوا أن تقوم الدولة باعادة الاوقاف بكاملها الى الكنيسة على ان يتوقف الكاهن اليونانى من أن يصير موظف ميرى ! وتقوم الكنيسة على يد خبراء اقتصاد ورجال قانون باعادة جمع وتقييم وتشغيل وتوظيف هذه الاوقاف الضخمة ! لابد من الاشارة الى أن الكنيسة اليونانية تمتلك معظم المبانى الضخمة والفخمة ومساحات شاسعة من الاراضى والكثير منها تم نهبه على يد حكومات سابقة وتبديده والاستيلاء عليه بوضع اليد ومن قبل بعض الاجانب المهاجرين وخاصة الالبان ! لا يوجد حى فى اثينا فقيرا او غنيا الا وتملك الكنيسة فيه العديد من المبانى والبيوت والمحلات وتقوم بتأجيرها وتذهب فلوس الايجار فى المصاريف الجارية للكنيسة وللكهنة بلا مشاريع استثمارية تذكر! حينما قام الرجلان بعقد مؤتمرا صحفيا اعلنا فيه عن (النية ) على هذا الاتفاق والذى أخذ حقه من الدراسات والابحاث وسيصير الكنيسة أكثر غنى واكثر حرية وأقوى شهادة ! قامت الدنيا ولم تقعد ! المفاجأة ان الذيين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها الى اليوم ! هم الاكليروس ما عدا حفنة ممن ايدوا الفكرة ورأوا فيها عودة حقيقية الى حرية الرسالة التى فى المسيح وفك الزواج القصرى والعرفى والمسيس بين قيصر والله ! السبب ! سيصير الكاهن تحت رحمة المطران كما قال ممثلوا الكهنة فى لقائهم برئيس الوزراء ورئيس الاساقفة وتهديدهم بالنزول الى الشارع للتظاهر حفاظا على (حقوقهم !) وتم تجميد المشروع !فضل الكهنة اليونانيون (والكاتب احدهم الى اشعار أخر!) أن يستمروا فى التمرمرغ فى الميرى وترابه بدلا من الوقوع بين يدى رؤساء الكهنة والمطارنة ! قديما قال كبير اليونانيين افلاطون (يا ليت الحكام يتفلسفون (بالمعنى الشامل والموسوعى )والفلاسفة يحكمون ! ) والى أن يشرق نور هذا اليوم على محبوبتنا اليونان ’ سوف يظل الكهنوت اليونانى ( قيمة ومركز ووظيفة ميرى !).