الأقباط متحدون - هل المطلوب منا التضحية بالعراق في سبيل إيران؟
  • ٠٣:٣٠
  • الثلاثاء , ٨ يناير ٢٠١٩
English version

هل المطلوب منا التضحية بالعراق في سبيل إيران؟

د. عبد الخالق حسين

مساحة رأي

٣٨: ١٢ م +02:00 EET

الثلاثاء ٨ يناير ٢٠١٩

  العراق و إيران
العراق و إيران
د.عبدالخالق حسين
بعد نشر مقالي الأخير الموسوم: (مخاطر عدم الوجود العسكري الأمريكي في العراق)(1)، وصلتني تعليقات كثيرة من الأخوة القراء، أغلبها مؤيدة، ما عدا واحد رأى أني أناقض نفسي بنفسي، فمن جهة أتهم أمريكا بأنها ساهمت في تأسيس تنظيم داعش، وغيره من التنظيمات الإسلامية الإرهابية، وأن أمريكا غضت الطرف، أو حتى أوعزت باحتلال داعش للمناطق العربية السنية، نكاية برئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لرفضه بقاء أي عسكري أمريكي في العراق، وفي هذه الحالة، كيف تصح لي مطالبة الحكومة العراقية بعدم معاداة أمريكا ومحاربتها؟
 
لقد كتبتُ العديد من المقالات حول تعقيدات العلاقة بين العراق والدولتين المتخاصمتين، أمريكا وإيران. فأمريكا دولة عظمى، لها الفضل في تحرير العراق من أسوأ نظام دكتاتوري فاشي عرفه العالم على مر التاريخ، إذ لم يكن بإمكان الشعب العراقي تحرير نفسه بنفسه من ذلك النظام الجائر دون تدخل المجتمع الدولي بقيادة الدولة العظمى. ومعظم دول العالم تسعى اليوم لإقامة علاقة ودية مع أمريكا للاستفادة من إمكانياتها الاقتصادية وغيرها. وفي نفس الوقت، دعوتُ إلى علاقة حميدة بين العراق وإيران لأن هناك روابط تاريخية ودينية وجغرافية بين البلدين لا فكاك منها. وعلاقة العراق الودية مع هاتين الدولتين (أمريكا وإيران) ممكنة، لو اتبع المسؤولون العراقيون فن الدبلوماسية الحكيمة، لأن نتائج هذه العلاقة الحميدة في صالح الجميع. 
 
أما الذين مازالوا سجناء عهد الحرب الباردة بين المعسكرين، الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي الرأسمالي بقيادة أمريكا، ولا يرون في أمريكا إلا الشر المطلق، فذلك العهد قد انتهى بعد أن دفع العالم الثالث ثمناً باهظاً، و بالأخص شعبنا العراقي. لذلك فقد تغير العالم، وعلينا أن نتغير أيضاً، فنحن نعيش اليوم في عصر العولمة، حيث المشكلة المحلية هي مشكلة دولية، مثل انتهاك حقوق الإنسان، وحروب الإبادة من قبل حكومات جائرة، والمجاعات، والكوارث الطبيعية، التي لا يمكن حلها إلا بجهود دولية مشتركة، وفي هذه الحالات لا مجال لإتباع سياسة البلطجة البعثية. فالعراق لم يستطع تحرير أراضيه المحتلة من قبل داعش، لولا مساعدة التحالف الدولي بقيادة أمريكا، ومن ينكر هذه الحقيقة فهو مكابر ومعاند. 
 
والجدير بالذكر أن هناك جهات داخلية وخارجية تعمل على دفع العراق إلى الصِدام المسلح مع أمريكا، والادعاء بأن أمريكا عدوة الشعوب، وبالأخص الشعوب العربية، لذلك يجب معاداتها ومحاربتها. فيقوم هؤلاء بتحريض الشعب العراقي والقوى السياسية، ومليشياتها، لمحاربة أمريكا وفق مقولة (شيِّم البدوي وخذ عباته). وفي هذا الخصوص بعث لي أحد الأخوة في العراق، وهو صحفي متميز، تعليقاً، وبعد ترحيبه بمضمون المقال، قال:
 
((...انا كتبت العديد من المنشورات بنفس المعنى وخاصة بعد الضجة التي اثارها الصداميون، ومن ورائهم من العربان والاردنيين بسبب زيارة ترامب بحجة انتهاك السيادة ليخدعوا الحشد الشعبي، وبعض الفصائل المؤيدة لإيران، ودفعهم لمهاجمة القوات الاميركية، وعند ذاك تجد اميركا مبرراً جاهزاً فتسحق الحشد ومن يقف معه. ظهر ابراهيم الصميدعي وطرح نفس افكاركم، ولكن المحاور الآخر وهو إسلامي رده بعنف، فقال الصميدعي واقسم بان سياسيين سنة ممن تملق للشيعة ولسليماني وحصلوا على مناصب مهمة، لاموني وقالوا حاول أن تدفع وتشجع قادة الحشد على ضرب قاعدة عين الاسد (وخليها تعلك بيناتهم). طبعا بعض الشيعة ابتلعوا الطعم وراحوا يرددون معزوفة السيادة. فاستعملتُ اسلوب المنشورات الملونة وذكرتهم بخيمة صفوان وكيف سلم صدام العراق الى اميركا من دون قيد وشرط)) انتهى.
 
نعم، هذا هو الواقع المؤلم من وراء تحريض العراقيين على الصدام مع أمريكا، وذرفهم دموع التماسيح على السيادة الوطنية "المنتهكة" من قبل أمريكا.
 
أعيد ثانية ما قلته في مقالي السابق، وذلك لأهميته، أن إصرار السيد المالكي عام 2011 ، وبضغوط من إيران، وأنصارها من القوى السياسية العراقية، على رحيل آخر جندي أمريكي من العراق، لا يدعو للثناء، لأن البديل كان سقوط ثلث مساحة العراق بيد داعش، وتدنيس الأرض، وهتك العرض، وما تطلب ذلك من تضحيات جسيمة بالأرواح والأموال لتحريرها. وبذلك فقد خسر المالكي السيادة الوطنية، وخسر المنصب، بل وراح خصومه، وحتى الذين فرضوا عليه رحيل القوات الأمريكية، يحمِّلونه مسؤولية جميع الكوارث التي حلت بالعراق على يد داعش من مجازر ودمار الممتلكات.
 
نعم، السياسة فن الممكن، لتحقيق أكبر قدر من المصالح للشعب، وتجنب الخسائر، وهذا المبدأ ليس مزحة كما يحاول بعض صبيان السياسة التهكم منه في كتاباتهم البكائية والتحريضية الرخيصة. ولعل الحسنة الوحيدة في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم مساوئه الكثيرة، أنه صريح بلا مواربة، فقد رفع شعار (أمريكا أولاً)، وقال بحق، أن رئيس أي دولة لا يتخذ مصلحة بلاده أولاً، فهو خائن لوطنه وشعبه. وإذا كان الأمر كذلك، والكل يسعى وراء مصلحة بلاده، فلماذا على العراقيين وحدهم أن يضحوا بمصلحة وطنهم وعبهم  في سبيل إيران، ويعرضوا العراق إلى الصدام مع الدولة العظمى؟ وإذا كانت أمريكا سيئة إلى هذا الحد، فهل من واجب العراق المنهك من تركة حكم البعث، ولم يتعافى بعد من الحروب الصدامية العبثية، والداعشية الإرهابية، أن يمرغ أنف أمريكا في الوحل ويعطيها درساً في الأخلاق؟ إن الذين يدفعون العراق للصدام مع أمريكا، يريدون تحقيق نبوءة سيدهم صدام حسين حين قال: (إن الذي يحكم العراق من بعده يستلمه أرضاً بلا بشر). 
 
ولذلك، فعندما ندعو إلى علاقة ودية مع أمريكا، وعدم استفزازها، ليس حباً بها، وإنما لتجنب الصدام معها، والاستفادة من إمكانياتها. وهذه ليست انتهازية، أو ماكيافيلية ، أو انبطاح كما يردد البعض من البعثيين وأشباههم.(راجع مقالنا: مناقشة حول العلاقة مع أمريكا، الرابط في الهامش-2). 
وفي هذا الخصوص لنا دروس من التاريخ. إذ نعرف أن النبي محمد عندما انتصر في فتح مكة، قال: "من دخل بيت أبي سفيان فقد آمن". وهذا القول يعتبر وساماً منحه الرسول إلى أبي سفيان. والسؤال هنا، أما كان الرسول يعرف من هو أبو سفيان الذي كان يتآمر عليه لقتله، وإفشال رسالته؟ نعم كان يعرف ذلك جيداً، ولكن الرسول كان سياسياً محنكاً أيضاً، إذ منح أبي سفيان هذه المكافئة، وشمل المؤلفة قلبوهم في غنائم الفتوحات، ليتقي شرورهم ويكسبهم إلى جانبه. ولنفس السبب، نقول يجب كسب أمريكا إلى جانب العراق لتوقي شرورها والاستفادة من إمكانياتها. وأوضح دليل على ما نقول، قارنوا بين كوريا الجنوبية ذات العلاقة الحميمة مع أمريكا، وكوريا الشمالية التي بددت كل ثرواتها على التسلح النووي لأنها في حالة عداء مع أمريكا، وبالنهاية لا بد وأن يحصل لها كما حصل لألمانيا الشرقية.
 
وما يُفرح أن هناك شريحة واسعة من الشعب العراقي، وخاصة شريحة المثقفين، بدأوا يدركون هذه الحقائق، وما يخبئه المحرضون للشعب من نوايا خبيثة لدفعه إلى الصدام مع أمريكا. فهم مع مضمون مقالي المشار إليه أعلاه، إذ كتب لي صديق أكاديمي مرموق قائلاً: "في حواري مع  گروب من خريجي هندسة البصرة، اكثرهم لا زالوا في العراق، كتبتُ لهم في حوار يتعلق بموضوع مقالك، وكنتُ مندهشاً على اتفاق الاّراء عدا قلة قليلة منهم....لذلك فالعراق لايزال بخير! ). ثم ذكر لي تفاصيل الحوار الجميل الذي لا مجال لإعادته هنا لتلافي الإطالة.
 
نعم، ليس من مصلحة الشعب ترك المجال لدعاة الباطل، بتضليل الشعب بلباس الوطنية، ونشر أباطيلهم بثياب الحق، إذ كما ذكَّرني صديق بقول رائع للإمام علي: (لو سكت أهل الحق عن الباطل، لأعتقد أهل الباطل أنهم على حق)... 
 
لا يا صديقي العزيز، سوف لن نسكت عن أباطيلهم، ومحاولاتهم الخبيثة لتضليل الشعب.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد